التكبير في العشر من ذي الحجة
التكبير في العشر من ذي الحجة من ذكر الله جل وعلا من العبادات العظيمة التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ولا شك من أن جميع العبادات والأعمال الصالحة وذكر الله من التكبير والتهليل والتحميد مرغّب للعبد أن يُكثر منهم طول العام وفي أي وقت من أوقات السنة.
لكن هل يُشرع التكبير خاصة في العشر من ذي الحجة؟ وهل هناك من الأدلة الثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأفعال الصحابة ما يخصّ التكبير دون غيره من الأذكار؟ سنجيب عن تلك الأسئلة في السطور التالية على موقع زيادة.
التكبير في العشر من ذي الحجة
التكبير في العشر من ذي الحجة يُطلق عليه العلماء في الشرع التكبير المطلق، وقال الإمام النووي عن التكبير المطلق في كتابه المجموع شرح المهذب:
(المطلق: هو الذي، لا يَتقيَّد بحال، بل يُؤتى به في المنازلِ والمساجدِ، والطرق ليلًا ونهارًا، وفي غير ذلك)، وذكره ايضًا الإمام بن رجب الحنبلي في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري.
حكم التكبير المطلق في الشرع
يُشرع التكبير في العشر من ذي الحجة، وكما سماه علماء الدين بالتكبير المطلق من أول أيام شهر ذي الحجة إلى غروب الشمس في آخر يوم من أيام التشريق أي بزيادة ثلاثة أيام على العشر الأول من شهر ذي الحجة.
قال بمشروعيته علماء الحنابلة وذكر ذلك الفقيه الحنبلي علاء الدين المرداوي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف.
كذلك قال عبد العزيز بن باز في كتابه (فتاوى نور على الدرب): (وفي الأضحى من دخولِ شهر ذي الحجَّة إلى نهاية أيَّام التشريق، ثلاثة عشر يومًا من أوَّل ذي الحجة إلى غروب الشَّمس من اليوم الثالث عَشر، كله محلُّ تكبير).
مما قاله ابنُ عُثَيمين أيضًا عن التكبير المطلق في (الشرح الممتع) و(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) أن الصَّحيح في التكبيرَ المطلَق في عيدِ الأضحى يَنتهي بغروبِ الشمس من آخِر يومٍ من أيام التشريق، وتكون مدة التكبير المطلق ثلاثةَ عَشرَ يومًا.
الأدلة على التكبير في العشر من ذي الحجة
هناك كثير من الأدلة التي ذكر ها العلماء على التكبير في العشر من ذي الحجة، وهي كما يلي:
قال الله تعالى في سورة الحج: “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28)”، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن الأيام المعلومات هي أيام العشر فيما ورد في البخاري، شعب الإيمان والمجموع وغيره من كتب الحديث.
الله سبحانه وتعالى أمر في الآية الكريمة السابقة بذكره في هذه الأيام العشر، والتكبير من ذكر الله سبحانه وتعالى، ويتضح من الأمر بالذكر أنه يشمل العشر أيام جميعها من أوله لآخرها.
قال ابن تيمية في كتاب ((مجموع الفتاوى)): الأيَّام المعلومات هي أيَّام الذبح، وذِكر اسم الله التسميةُ على الأضحية والهديِ، وهو قولُ مالك في رواية، وقيل: هي أيَّام العشرُ، وهو المشهور عن أحمدَ، وقول الشافعيِّ وغيره.
ذِكر ابن تيمية أن اسم الله فيها هو ذِكرُه في العشر بالتكبير، وقيل: هو ذكره عند رؤية الهَدْي، وأظنه مأثورًا عن الشافعيِّ، وجاء في صحيح البخاريِّ: أنَّ ابنَ عُمر وابنَ عباس كانَا يخرجان إلى السوقِ في أيَّام العشر، فيُكبِّران ويُكبِّر الناسُ بتكبيرهما.
رواه المروزيُّ في ((فتح الباري)) لابن رجب قال العالم أبو ميمون بن مهران الجزري مؤدب أولاد عمر بن عبد العزيز ثم ولاه قاضيًا: أدركتُ الناسَ وإنَّهم ليُكبِّرون في العَشر، حتى كنتُ أُشبِّهه بالأمواجِ مِن كثرتِها، ويقول ميمون: إنَّ الناسَ قد نقَصُوا في تركِهم التكبيرَ.
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأيام العشر
إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما علم شيء فيه خير لأمته إلا ودل عليه، والأحاديث النبوية الشريفة في ذلك كثير، ليغتنموا الأيام والأوقات المباركات لكي يستزيدوا من العبادات والذكر والعمل الصالح فيها لتقربهم من الله سبحانه وتعالى، ويحصلوا فيها على رضاه ويتوبوا إليه ويبعدوا عنهم سخطه وعقابه.
عن عبد بن عمر رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ.”
في الحديث النبوي الشريف السابق يرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى فضل العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة ويرغبهم في العمل الصالح وذكر الله؛ لأنها من أفضل وأعظم الأيام عند الله سبحانه وتعالى.
لعل الأعمال الصالحة في تلك الأيام العظيمة عند الله سبحانه وتعالى تكون أعظم وأفضل في الأجر والتقرب إلى المولى جل وعلا.
يستحب للمسلم أن يستزد من الأعمال الصالحة والعبادات والطاعات من الذكر والدعاء، وخص صلى الله عليه وسلم من الذكر:
التهليل أي ذكر الله بقول لا إله إلا الله.
التكبير أي ذكر الله بقول الله أكبر.
التحميد أي ذكر الله بقول الحمد لله.
يظهر من الحديث بيان عظم العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، وتفضيلها على غيرها من أيام السنة، كما يبين الحديث أن هناك تفضيل أيام بعضها عن بعض عند الله تعالى، وقال العلماء أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره من الأوقات.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: صيغة التكبير في عشر ذي الحجة
الأدلة على التكبير في أيام التشريق بعد العشر من ذي الحجة
قال اللهُ تعالى: “وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ” (البقرة: 203)، فعن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((الأيَّام المعدودات: أيَّامُ التشريقِ؛ أربعة أيَّام: يوم النَّحر، وثلاثة أيَّام)).
قال ابنُ كثير في تفسير الآية السابقة: (هو المشهورُ، وعليه دلَّ ظاهر الآية الكريمة؛ حيث قال الله تعالى: “فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ” (البقرة: 203)، فدلَّ ذلك على ثلاثةٍ أيام بعدَ النَّحر، ورُوي مثل ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين رحمهم الله.
روى مسلم عن نُبَيشَةَ الهذلي رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أَكْلٍ وشُرْبٍ وذِكرٍ للهِ)).
ذكر ابن العثيمين في كتابه (الشرح الممتع) عن الحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم أطلق ذكر الله ولم يقيده بالذكر بعد الصلوات، والتكبير من ذكر الله سبحانه وتعالى، ويمتدُّ وقتُ التكبير كما ذكره ابن العثيمين إلى غروبِ الشَّمسِ من آخِرِ يومٍ من أيَّامِ التَّشريقِ.
من الأدلة من أفعال الصحابة رضوان الله عليه ما رواه البخاريُّ عن ابن عمر وأبيه رضي الله عنهما:
فعن عمر أنَّه كان يُكبِّرُ في قُبَّته بمنًى، فيَسمَعُه أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرونَ فيُكبِّر أهلُ الأسواقِ، حتى ترتجَّ منًى تكبيرًا)، وعن ابنِ عُمر(أنَّه كان يُكبِّرُ بمنًى تلك الأيَّامَ، وخَلْفَ الصَّلواتِ، وعلى فِراشِه، وفي فُسطاطِه ومجلسِه، وممشاه تلك الأيَّامَ جميعًا)، والدليل في أن تكبيرهما كان في منى أي في أيام التشريق.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: وقت التكبير في عيد الفطر المبارك
صيغ التكبير في الأيام العشر
إن التكبير في العشر من ذي الحجة لم يرد نص صريح ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم يُذكر فيه صيغة معينة عنه، بل هي صيغ ثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وصحت روايتها عنهم.
إن الأمر في صيغ التكبير واسع، وللمسلم أن يختار صيغة التكبير التي يريدها والأفضل ان يقولها جميعًا، ليحصل على جميع الخير إن شاء الله، والله أعلم.
الصيغة الأولى: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.
الصيغة الثانية: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً.
الصيغة الثالثة: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ.
الصيغة الرابعة: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً، اللَّهُ أَكْبَرُ وأجَلُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ.
إن التكبير من ذكر الله سبحانه وتعالى، وسنة نبوية مهمة يجب على المسلم أن يزيد من تكراره في العشر الأولى من شهر ذي الحجة، وثبت التكبير في العشر من ذي الحجة عند كثير من الصحابة والتابعين وعلماء الدين.
فلنحرص على هذه السنة المباركة ولا ننسى غيرها من الأعمال الصالحة والعبادات في تلك الأيام العظيمة المباركات لننال الأجر ونرضي المولى عز وجل.
خلاصة الموضوع في 6 نقاط
ذكرت فيما سبق موضوع عن التكبير في العشر من ذي الحجة، ونستخلص منه ما يلي:
- التكبير في العشر من ذي الحجة يُطلق عليه العلماء في الشرع التكبير المطلق.
- مدة التكبير المطلق ثلاثةَ عَشرَ يومًا.
- هناك كثير من الأدلة التي ذكر ها العلماء على التكبير في العشر من ذي الحجة.
- العشر أيَّامٍ الأول من شهر ذي الحجة أَعظَمَ أيام السنة.
- إن الأمر في صيغ التكبير واسع، وللمسلم أن يختار صيغة التكبير التي يريدها.
- يستحب للمسلم أن يستزد من الأعمال الصالحة والعبادات والطاعات من الذكر والدعاء.