من هو أبو العتاهية

من هو أبو العتاهية؟ وماهي أهم أعماله؟ يظن الكثير من الناس أن أبو العتاهية هذا ما إلا صفة يتمتع بها الشخص، ولكن تُعد هذه كنية لرجل كان يشتهر كثيرًا في الدولة العباسية وخاصةً في المدينة بالمملكة العربية السعودية، والآن سنتعرف على إجابة سؤال من هو أبو العتاهية من خلال موقع زيادة.

من هو أبو العتاهية

هو الشاعر أبو إسحق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العيني، يرجع أصله إلى قبيلة عنزة في الولاء، وهو السبب وراء تسميته باسم العنزي، أما كنيته فكانت أبو العتاهية، فقد كان يشتهر بها شهرة واسعة في جميع بلدان السعودية وقراها وليس القرية الخاصة بها فقط.

وُلد أبو العتاهية في عام 747م، بقرية تُسمي بعين التمر، ويقال إنها قرية تقع بالقرب من المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، حيث تقع غربي مدينة الكوفة، وبالقرب من الأنبار.

كما سبق القول إنه عاش في قرية عين التمر، ولكنه انتقل في الصغر مع أبيه إلى مدينة الكوفة، حيث كان أبيه من مواليد بني عنترة أي يرجع أصله إلى بلاد النبط.

اقرأ أيضًا: شعر ابو العتاهية

حياة أبو العتاهية

نشأ أبو العتاهية في أسرة فقيرة، حيث كان أبيه يعمل في الحجامة، ولكن على الرغم من ذلك إلا أنه استطاع أن ينتقل بأسرته نقلة حضارية ومادية، حيث قرر أن ينتقل مع أسرته كاملة التي كانت تتكون من الوالدين والصغيرين إلى الكوفة منذ الصغر كما سبق القول.

عند انتقاله نزع في حياته إلى اللهو والمجون، وذلك بسبب الصحبة الخبيثة المخنثين الذي أجتمع بهم بسبب النشأة السيئة التي تربى فيها، حيث يعود السبب وراء ذلك إلى أن أسرته لم تكن تهتم بأي شيء يخصه ولا هو ولا إخوته، فقد كان كل فرد من أفراد الأسرة ينخرط في الطريق الذي يرغب فيه دون الحصول على أي توجيه.

ففي بداية حياته أجتمع مع جماعة من المخنثين الذين كانوا يتزينون ويلسبون ملابس النساء ويتشبهون بالنساء في جميع أمور حياتهم، وظل ينخرط معهم دون أعياء منه بهذا الأمر، إلى أن لاحظ انخراط أخيه زيد مع نفس الجماعة، وهنا كان هذا الأمر مثل الصاعقة عليه، فقرر أن يبدأ في الابتعاد عن هذه الجماعة حتى لا يكون السبب في ضياع أخيه.

لكن قد كتب له أن يكون سيء النشأة دون رغبة منه في ذلك، ولكنه بعد ذلك أبتعد هو وأخيه عن هذه الجماعة بشكل متكامل، فقد عمل أخيه في أعمال الخزف والفخار، ومن الجدير بالذكر أن أخيه قام بأشراك أبو العتاهية معه في هذه الأعمال.

من هنا بدأ أبو العتاهية يسرد الشعر على مسامع الناس الذين يأتون إلى الورشة التي كان يعمل فيها الأخوين، وبدأ يسمع صيته المتأدبون والمحبون للشعر فكانوا يكنون له بالإعجاب الشديد، ويطلبون منه أن يكتب الأشعار التي يسردها على ما يشترونه من الجرار والخزف.

لذلك نستطيع أن نقول إن مهنة الخزف هي التي أخرجت لنا هذا الشاعر الجليل الذي اشتهر بعد ذلك شهرة واسعة، ولكن على الرغم من أن هذه المهنة هي التي عملت على مساعدة أبو العتاهية في الوصول إلى مبتغاه.

إلا أنه كان يحاول على الدوام التخلص منها، حيث كان يسير في الشوارع حاملًا على ظهره الجرار ويدور في الشوارع وهو ينشد الشعر حتى أن وصل إلى هذه الشهرة، ومنذ أن بدأ في الاشتهار ترك هذه المهنة إلى الأبد، ومن الجدير بالذكر أن من الأسباب التي أدت إلى شهرته أيضًا هي عقيدته التي كان يتمتع بها.

حيث كان يتبع المذهب الفلسفي في تحليل كل ما يحدث معه، فقد كان يتوضح ذلك في أشعاره بشكل كبير، وذلك لأنه كان يتوضح من كتاباته أنه لا يؤمن بالبعث ولكن كان يذكر البعث.

ثقافة أبو العتاهية

بعد دخول أبو العتاهية في صناعة الفخار وتركه للجماعة المخنثين بدأت شخصيته تتطور للإيجاب، وتهذب طبعه كثيرًا عما سبق، كما قام بإنماء مهاراته وهذا ما يظهر في موهبته الشعرية، حيث كان يقول الشعر للناس دون أن يقوم بتحضيره أو كتابته، فكل ما كان يأتي على سجيته يقوله للناس ويعجبون به.

على الرغم من أن هذا الأمر كان ميزة يتمتع بها الشاعر أبو العتاهية، إلا أنه كان يجهل العروض والإلقاء بشكل صحيح، لذلك كان يقوم بسرد كل ما يأتي في مخيلته، وهذا ما يجعلنا نتأكد من أن الشعر موهبة وليس صنعه.

بدأ يشتهر تدريجيًا عند اختلاطه بالشعراء الذين كانوا سببًا كبيرًا في تكوين شخصيته والتهذيب من طبعة، ومن أهم هؤلاء الشعراء هو الشاعر مطيع بن إياس، وبعد ذلك بدأ أن يختلط بالشعراء والأدباء ويجتمع معهم في مجالسهم.

فأتقن اللغة العربية الفصحى، ومطالع الشعر ونهاياته، حتى استطاع أن يقف في المجالس ويكون من أصحاب المقالات، ومن أكثر المتون التي استخدمها في هذه الفترة هي نظم الغزل، وبدأ يذهب من الغدو والرواح إلى نوادي المغنيين وعرضه أشعاره هناك.

اتصال الشاعر بالخلفاء

بعد أن اشتهر الشاعر أبو العتاهية بدأ في عمل محاولات حتى يستطيع أن يصل إلى الخلفاء ويسرد عليهم الشعر والمدح، ففي بداية خلافة المهدي أنتقل هو وصديقة إبراهيم الموصلي من الكوفة إلى بغداد وعند وصولهما بدأ أبو العتاهية في مدح هذا الحليفة وحاز على إعجاب الخليفة كثيرًا حتى أصبح أثيرًا لديه وفي مجالسه، فأصبح بهاذ الشكل متقدمًا على كل الشعراء.

فمن الجدير بالذكر أن شأنه ومكانته في الدولة اختلفت تمامًا عما كانت في السابق، فاتصل بكبار الدولة كخال المهدي يزيد بن منصور الحميري على سبيل المثال، بعد وفاة الخليفة المهدي توقف أبو العتاهية عن سرد الغزل.

حيث بدأ أن يصطبغ شعرة بالزهد والتخشن، حيث أنتقل من الغزل إلى المذاهب، فأصبح يُعرف بزهد أبو العتاهية، أما في عهد الخليفة الرشيدي كان أبو العتاهية أمتنع عن إلقاء الشعر بشكل كامل، ولكن بدأ الخليفة في إجباره على إلقاء الشعر المديح له ولم يتركه إلى أن عاد إلى الشعر مرة أخرى.

اقرأ أيضًا: ابيات شعر مشهورة

قصة حب الشاعر أبو العتاهية

في أثناء إلقائه للشعر في مجالس الخليفة المهدي، التقى بجارية من جواري القصر تُسمي بعتبة، وأعجب بها كثيرًا، فظل يتغزل بها في أشعاره، بالإضافة إلى ذكر محاسنها وجمالها، فقامت الجارية بأخبار سيدها بذلك الأمر.

عند معرفة الخليفة المهدي بهذا غضب كثيرًا على أبو العتاهية، وأمر بسجنه وضربه بمائة سوط، ولكن عند مجيء خال المهدي يزيد بن المنصور الحميري شفع لأبو العتاهية لدي المهدي وأخرجه على الفور بعد ذلك.

يقول أحد الرواة أن أبو العتاهية لم يكن يحب هذه الفتاة حبًا حقيقيًا، بل كان يطمح بالمنزلة والشهرة العالية في القصر، والذي كان يظن أن هذه الفتاة قادرة على تقريبه من مبتغاه، ولكن من كثرة ذكر اسمها وجمالها ومحاسنها في شعره أصبح يقول عنه الخليفة المهدي أنه إنسان معته، “كان يقول له أنت إنسانٌ مُتحذلِق مهته“.

ومن هنا جاءت التسمية بأبو العتاهية، والتي أصبحت مثل الكنية الخاصة به، وأصبح يُعرف بها في جميع المجالس.

خصائص شعر أبو العتاهية

من خلال حديثنا حول من هو أبو العتاهية، فمن الجدير بالذكر أن لشعر أبو العتاهية العديد من الخصائص والمميزات التي كانت تجعل من شعرة طابع مميز يِقبل عليه الناس لسماعه، لذلك سنعرض لكم الآمن بعض الخصائص التي تميز بها شعر أبو العتاهية في النقاط التالية:

  • الوضوح والبساطة: حيث كان شعر أبو العتاهية لطيف المعاني، سهل الألفاظ، ولكن على الرغم من ذلك فإنه كان يتميز بكثرة الافتنان وقلة التكلف.
  • كثافة الموسيقى في الأوزان والقوافي: وذلك لأن الأوزان والقوافي كانت نابعة من جرسٍ في النفس وطريقة السرد التي كانت تُعبر وتصف الشعر قبل أن يقوم بسرده.
  • الخطاب المباشر: تميّز هذا الشاعر بوضوح خطابه الشعري، حيث كان يتمثل ذلك في أنه كان يقوم بدور الخطيب والواعظ في أغلب أبيات الشعر الخاصة به.
  • تكرار التراكيب والألفاظ: كان أبو العتاهية يعلم أن تكرار التراكيب يعمل على قرع الأذن، لأجل تنبيه السامع وإبعاده عن الملل، لذلك قام بتكرار الألفاظ والتراكيب بشكل مباشر وغير مباشر مما أدى إلى جعل الشعر الخاص به من أمتع الأشعار في هذه الفترة.
  • استخدام الصيغ الإنشائية: من المميز أيضًا في شعر أبو العتاهية أنه تنوع في استخدام الصيغ الإنشائية في الشعر الخاص به، من خلال التنوع بين أدوات النداء، والتعجب، والأمر، والاستفهام، والنهي.

فكانت هذه الخصائص هي التي تجعل شعرة من أشهر وأفضل الأشعار في هذه الفترة، مما أدى ألي تميزه بين جميع شعراء الفترة التي عاصرها.

كيفية مدافعة أبو العتاهية عن شعرة

بطبيعة الحال الشخص الناجح يتلقى العديد من الضربات الغير متوقعة من الأشخاص الذين يكنون له بالحقد، فبالتالي عانى الشاعر أبو العتاهية بسبب العديد من المشاحنات التي كانت تقوم ضده بسبب غيرة وحقد الشعراء الآخرين منه وخاصةً بعد أن استطاع الاتصال بالخلفاء.

حيث قال عنه الشاعر الأصمعي: “إنّ شعر أبي العتاهية هذه كساحة الملوك، يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والنوى”، ولكنه لم يتلقى السوء فقط، حيث كان يوجد بعض الشعراء الذين يفضلونه على أنفسهم لأنه يروا فيه ما يتمنون أن يكون لديهم كالشاعر بشار بن برد على سبيل المثال، حيث قال عنه:اشتهر نبوغه في شعره من خلال الحكم وضرب الأمثال، فله أرجوزة جمعت أكثر من أربعة آلاف مثل، أما عن غزله فأجوده ما قاله في عتبة.

من الجدير بالذكر أن الشاعر أبو العتاهية لم يكن يرد على هذه المشاحنات بالأفعال، بل كان يرد عليهم بأعماله الشعرية التي لا زالت تميزه عنهم بالكثير، ومن أشهر أشعاره في نظم الغزل أو المديح: القصيدة التي قالها في مدح الخليفة المهدي والرشيد.

الأغراض التي كان يتبعها في أشعاره

كما سبق القول إن الشاعر أبو العتاهية كان يتنوع في الأغراض الشعرية الخاصة به حتى يتمكن من جذب جميع الأنظار إليه، فقد كان من أشهر شعراء الدولة العباسية، ففي إطار حديثنا حول من هو أبو العتاهية، سنعرض لكم الآن خصائص شعره في النقاط التالية:

  • الغزل: كان يُعبّر بصورة صادقة عن عواطفه ووجدانه، كما كان يتغنى بالشعر في العديد من جوانب الحياة، فقد فضل الغزل في شعره بعد تعلقه بجارية من جواري المهدي، كما كان يتغنى بجمال الجارية سعدى، حيث كان يتحدث عن جمالهن ويذكر محاسنهن.
  • الهجاء: لم يُفضل أبو العتاهية الهجاء في شعره، إلا في بعض المواقف البسيطة ومن أشهرها: هجاؤه إلى ابن معن، في قصيدة طعن بها في رجولته.
  • المدح: كان من أكثر الشعراء الذين يتبعون نظم المدح، كما قام بتوظيف العناصر المختلفة في أشعاره التي كان تختص بالمدح كالقوة والنسب والمهابة على سبيل المثال، ومن أهم قصائد المد الخاصة به هي مدحة للخليفة الهادي، ومن بعده أخوه الرشيد، ومن قبلهم الخليفة المهدي.
  • الوصف: ظهر الوصف في شعر أبي العتاهية من خلال الخمريات، كما كان يقوم بوصف دقيق للجواري الذي كان يُعجب بهم، كذلك قام بوصف الخمر والساق، من خلال توظيفه للنقاء وأثره على النفس والروح.
  • الزهد: بعد وفاة الخليفة المهدي انعزل الشاعر أبو العتاهية واتجه إلى الزهد، وذلك بسبب تغير وميل شخصيته ناحية هذا الاتجاه، ومن أهم التغيرات التي طرأت عليه والتي أدت إلى اتجاهه إلى الزهد هي توبة أبو العتاهية عن الشعر الماجن والفاحش، فبدأ بعد ذلك أن يُعبر من خلال الشعر عن الموت والبعث أيضًا على العكس من بدايته.
  • الموعظة والحكمة: اشتهر شعر أبو العتاهية بالموعظة والحكمة التي كانت تتمثل في حاجة النفس الإنسانية، والتي عبر عنها من خلال التفريق بين الشك والدين والأخلاق، ومن أكثر الأشياء التي كانت تشغل باله في هذه الفترة والتي تتعلق بنفس النقطة هو الموت، حيث كان يُصوره بأبشع صورة كانت.

اقرأ أيضًا: الشعراء المخضرمين من هم

أثر بيئة أبو العتاهية على شعره

في إطار حديثنا حول من هو أبو العتاهية، فمن الجدير بالذكر أن البيئة التي تُحيط بأي شاعر تؤثر بشكل كبير على شخصيته وطريقته في الكتابة، لذلك سنعرض لكم الآن تأثير البيئة المحيطة بهذا الشاعر علي أشعاره في الفقرات التالية:

1- البيئة الاجتماعية

في بداية أبو العتاهية كانت التي نشأ فيها تؤثر عليه بالسلب، وخاصةً جماعة المخنثين التي كان يجتمع معهما، ولكنه لم يستكمل معهم، وانخرط في العمل، وأصبحت بيئته مليئة بالمعتقدات والمذاهب، لذلك نراه ينزع للتحرر والتطور عن الأسلوب المتبع في الشعر بهذه الفترة، فنجد أنه قام بإدخال بعض الخصائص التي لم تكن متواجدة في الشعر.

كما ساعده انتقاله من القرية التي وُلد فيها كثيرًا في التطور، حيث كانت البيئة في الكوفة تُساعد بشكل كبير على تطور وإنماء موهبته الشعرية، وذلك لأن الناس هناك كانوا يتكلمون باللغة العربية الفصحى، وكانوا يحبون الشعر حبًا جامًا، فهذا أكثر ما ساعده على تطوير وإنماء قدراته وموهبته.

2- البيئة السياسية

وُلد أبو العتاهية في بيئة سياسية تتسم بالمرونة والحزم، وهذا الذي ساعده في الاتصال بالخلفاء وكبار رجال الدولة بسهولة ويُسر، كما كانت البيئة العسكرية مليئة بالحركات سواء الحركات العسكرية أو التوسعية، لذلك سُمي هذا العصر بالعصر الذهبي، وبطبيعة الحال أثر ذلك على الشعر أبو العتاهية في أنه حمل لقب أشعر أهل هذا العصر.

3- البيئة الثقافية

تمتعت الدولة العباسية عامةً بالعديد من مظاهر الحياة الثقافية التي أدت بشكل غير مباشر على تطور الشعر خلال فترة حكمها، حيث قامت هذه الدولة على نهضة الحياة الفكرية وتطور حركة التعليم، حيث كان هذا هو أهم ما يهتم به الخلفاء في هذا العصر.

مما أدى إلى نهضة فن الوصف عند الشاعر العباسي ومن ضمنهم الشاعر أبو العتاهية، الذي كان يمزج بين العصر العربي والفارسي الذين كانوا يقطنون في أرض واحدة تحت إمارة الدولة العباسية.

وفاة الشاعر الجليل أبو العتاهية

لم يستطع المؤرخين تحديد تاريخ بعينه لوفاة هذا الشاعر العريق، فيقول ابن قتيبة أنه توفي سنة 205هـ، أما المسعودي فقد قال: “وفي هذه السنة -وهي سنة إحدى عشرة ومائتين- مات أبو العتاهية؛ إسماعيل بن القاسم متنكسًا لابسًا الصوف”، أما الرواية التي اتفق عليها المؤرخون وهي أن قد توفي أبو العتاهية وإبراهيم الموصلي، وأبو عمرو الشيباني بمدينة السلام في يوم واحد في خلافة المأمون وذلك في سنة 213هـ.

لن يهمنا التاريخ المُحدد لوفاة هذا الشاعر الجليل، فلقد ترك خلفه سيرة ذاتية رائعة في عالم الشعر، فعند الحديث عمن هو أبو العتاهية، نلاحظ أنه من أشهر وأفضل شعراء عصره.

اقرأ أيضًا: الأدب في العصر العباسي

نماذج من شعر أبو العتاهية

من خلال حديثنا حول من هو أبو العتاهية، وبعد أن تعرفنا على أشهر شعراء عهد الدولة العباسية، وجب علينا أن نعرض لكم بعض من الأشعار الخاصة به، وهذا ما سنعرضه لكم فيما يلي:

نَصَبتِ لَنا دونَ التَفَكُّرِ يا دُنيا             أَمانِيَّ يَفنى العُمرُ مِن قَبلِ أَن تَفنى

لِكُلِّ امرِئٍ فيما قَضى اللَهُ خُطَّةٌ   مِنَ الأَمرِ فيها يَستَوي العَبدُ وَالمَولى

وَإِنَّ امرَأً يَسعى لِغَيرِ نِهايَةٍ               لَمُنغَمِسٌ في لُجَّةِ الفاقَةِ الكُبرى

بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيــني         فلـم يُغـنِ البُكــاءُ ولا النّحـيبُ

فَيا أسَفاً أسِــفْتُ علــى شَبــابٍ           نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ

عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً           كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيب

فيَا لَــيتَ الشّبــابَ يَعُودُ يَوْماً             فـأُخــبرَهُ بمـا فَعَـلَ المَـشيــبُ

من شعر الزهد:

لا يأمن الدهر إلا الخائن البطر           من ليس يعقل ما يأتي وما يذر

ما يجهل الرشد من خاف الإله          ومن أمسى وهمته في دينه الفكر

فيما مضى فكرة فيها لصاحبها          إن كان ذا بصر بالرأي معتبر

أين القرون وأين المبتنون بها           هذي المدائن فيها الماء والشجر

وأين كسرى انوشروان مال به          صرف الزمان وأفنى ملكه الغير

بل أين أهل التقى بعد النبي ومن        جاءت بفضلهم الآيات والسور

أعدد أبا بكر الصديق أولهم              وناد من بعده في الفضل ياعمر

وعد من بعد عثمان أبا حسن            فإن فضلهما يروى ويدكر

لم يبق أهل التقى فيها لبرهم             ولا الجبابرة الأملاك ما عمروا

فاعمل لنفسك واحذر أن تورطها        في هوة ما لها ورد ولا صدر

ما يحذر الله إلا الراشدون وقد           ينجي الرشيد من المحذورة الحذر

الناس في هذه الدنيا على سفر          وعن قريب بهم ما ينقضي السفر

فمنهم قانع راض بعيشته                 ومنهم موسر والقلب مفتقر

ما يشبع النفس إن لم تمس قانعة       شيئ ولو كثرت في ملكها البدر

والنفس تشبع أحيانآ فيرجعها           نحو المجاعة حب العيش والبطر

والمرء ما عاش في الدنيا له أثر        فما يموت وفي الدنيا له أثر

شعره في الزهد والمواعظ:

نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية           طفلُ الملوك هنا، كطفل الحاشية

ونغادر الدنيا ونحن كما ترى             متشابهون على قبور حافية

أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا             وحسابُنا بالحق يوم الغاشية

حور وأنهار، قصور عالية               وجهنمٌ تُصلى، ونار حامية

فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي            ما دام يومُك والليالي باقية

وغداً مصيرك لا تراجع بعده             إما جنان الخلد وإما الهاوية

من أشهر أشعاره فهو الشعر الذي كان يستغيث فيه للخليفة الرشيدي حتى يخرجه من السجن:

يا رَشيدَ الأَمرِ أَرشِدني إِلى

وَجهِ نُجحِ لا عَدِمتَ الرَشَدا

لا أَراكَ اللَهُ سوءًا أَبَدًا

ما رَأَت مِثلَكَ عَينٌ أَحَدا

أَعِنِ الخائِفَ وَارحَم صَوتَهُ

رافِعًا نَحوَكَ يَدعوكَ يَدا

وابَلائي مِن دَعاوى أَمَلٍ

كُلَّما قُلتُ تَدانى بَعُدا

كَم أُمَنّي بِغَدٍ بَعدَ غَدٍ

يَنفَدُ العُمرُ وَلَم أَلقَ غَدا

من أشهر أعماله بعد أن أتجه إلى الزهد هي قصيدة الخير مأمول عند الله:

طولُ التعاشرِ بينَ الناسِ مملولُ

ما لابنِ آدمَ إن فتشْتَ معقولُ

للمَرْءِ ألْوَانُ دُنْيَا: رَغْبَة ً وَهوًى

وعقلهُ أبداً ما عاشَ مدخُولُ

يا راعيَ النّفسِ لا تُغْفِلْ رِعايَتَها،

فأنتَ عن كلّ ما استرْعَيتَ مَسؤولُ

خُذْ ما عرفتَ ودعْ ما أنتَ جاهلُهُ

للأمْرِ وَجهانِ: مَعرُوفٌ، وَمَجهولُ

وَاحذَرْ، فلَستَ من الأيّامِ مُنفَلِتاً،

حتى يغُولَكَ من أيامِكَ الغُولُ

والدائراتُ بريبِ الدهرِ دائرة

ٌ والمرءُ عنْ نفسهِ ما عاشَ مختولُ

لن تستتم جميلاً أنتَ فاعلهُ

إلاّ وَأنتَ طَليقُ الوَجْهِ، بُهلولُ

ما أوْسَعَ الخَيرَ فابْسُطْ راحَتَيكَ به،

وكُنْ كأنّكَ، عندَ الشّرّ، مَغلُولُ

الحَمْدُ للّهِ في آجالِنا قِصَرٌ،

نبغي البقاءَ وفي آمالِنَا طُولُ

نعوذُ باللهِ من خذلانهِ أبداً

فإنَّما الناسُ معصومٌ ومخذولُ

إنّي لَفي مَنزِلٍ ما زِلْتُ أعْمُرُهُ،

على يقيني بأني عنهُ منقُولُ

وَأنّ رَحْلي، وَإنْ أوْثَقْتُهُ، لَعَلى

مَطِيّة، مِنْ مَطايا الحَينِ، محمولُ

عند الحديث عن أفضل وأمهر شعراء الدولة العباسية، فلا بد من أن يكون أبو العتاهية على رأس القائمة، وذلك لأنه كان بالفعل أمهر شعراء هذا العصر بشهادة بعض الشعراء الآخرين والخلفاء.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.