متى لا تقبل التوبة
متى لا تقبل التوبة من العبد المسلم في الدنيا؟ وهل تقبل التوبة من مرتكب الكبائر؟ في السطور القادمة عبر موقع زيادة سنعرض لكم ما ذكره كبار أهل العلم في العالم الإسلامي عن التوبة وأسباب قبولها، والأوقات التي لا تقبل فيها التوبة من العبد في حياته، كما سنعرض لكم شروط التوبة النصوحة.
متى لا تقبل التوبة؟
التوبة في لسان أهل العربية هي الاعتراف، بينما مصطلح التوبة في الفقه فتعريفه، الندم على فعل الذنب، وعدم إلى الذنب مرة أخرى، والرجوع إلى الله جل في علاه، والتوجه إليه والتضرع بطلب المغفرة من هذا الذنب.
أما قبول التوبة أو لا فإن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه العزيز في سورة النساء الآيتين السابعة عشر والثامنة عشر الأوقات التي تقبل فيها التوبة والحالات التي تكون فيها توبة العبد غير مقبولة.
“إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا“.
فجاء من تفسير الطبري في هذه الآية الكريمة أن التوبة من الله تكون على مرتكبي الذنوب ثم يتوبون من قريب، وأن باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وهي من علامات الساعة الكبرى.
الحديث هو “مَن تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا، تَابَ اللَّهُ عليه“، وذكره الإمام مسلم في صحيحه، ورواه أبو هريرة، أما من الأوقات التي لا تقبل فيها التوبة قبل خروج الروح، والشاهد هو وقت طلب فرعون الإيمان بالله وهو يغرق.
اقرأ أيضًا: هل يعاقبنا الله بعد التوبة
التوبة الغير مقبولة عند الأئمة الأربعة
الأئمة الفقهاء الأربعة الإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبي حنيفة النعمان قد عرضوا الرد على مسألة متى لا تقبل التوبة، وفي سطور هذه الفقرة سنعرض لكم من أقوال جمهور علماء هذه المذاهب.
أولاً قول أهل الحنفية
ذكر الإمام أبو حنيفة النعمان حسب ما أورد ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار، عن سؤاله متى لا تقبل التوبة أن التوبة تقبل في كل الحالات إلا في حالتين الأولى أن تطلع الشمس من مغربها، والثانية هي أن يبرأ العبد من دين محمد أي المرتد.
كما أن من لم يرتد لكن قام بسب دين محمد أو من قام بسب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا تقبل توبته كما أورده صاحب كتاب تنبيه الولاة والحكام على شاتم خير الأنام.
ثانيًا قول جمهور الشافعية
ذكر عبد الحميد الشرواني وهو مؤلف حاشية الشرواني الشافعية، أن التوبة تقبل من المسلمين المؤمنين الموحدين بالله عز وجل، لكن التوبة لا تقبل ممن أشرك بالله، أو من مات على الكفر، أو إن بلغت روحه الحلقوم، أو إن طلعت الشمس من مغربها.
ثالثًا من أقوال المالكية
جاء في حاشية الشيخ أبي زيد القيرواني كفاية الطالب الرباني، أن التوبة قبولها مشروط بعدم طلوع الشمس من مغربها، وقال بعض مشايخ المذهب المالكي أن من بلغه خبر خروج الشمس من مغربها، وتيقن لا تطلب من توبة، ومن لم يرَ ولم يبلغه اليقين تقبل توبته.
رابعًا من أقوال أئمة المذهب الحنبلي
ذكر الشيخ أبي النجا الحجاوي صاحب كتاب زاد المستنقع في الفقه الحنبلي أن التوبة لا تقبل من كافر أو مرتد عن دين الله إلا بعدوته للإسلام ونطق الشهادتين، وأن التوبة لا تقبل على من سب رسول الله.
كما أورده شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، أن من سب الرسول، فهو في حكم المرتد، وتوبته لا تقبل، ومما أجمع عليه علماء المذاهب الفقهية الأربعة أن التوبة لا تقبل بعد طلوع الشمس من مغربها.
التوبة الغير مقبولة من أقوال كبار الفقهاء السعوديين
في سطور تلك الفقرة سنعرض لكم إجابة سؤال متى لا تقبل التوبة من المسلم كما عرضها الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ عبد الرحمن بن جبرين -رحمهم الله-.
أولاً قول الشيخ عبد ابن باز -رحمه الله-
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي الأسبق للديار السعودية يجيب متى لا تقبل التوبة بأنها لا تقبل إلا إذا أشرقت الشمس من المغرب، وقد حدد الشيخ الجليل شروط أربعة لقبول التوبة، الشروط الأربعة هم:
- الندم ما مضى من المعاصي.
- العزم على الإقلاع عن ترك هذه الذنوب.
- عدم التعرض لما يثير هذه الذنوب في ذهنك مرة أخرى.
- تأدية الحقوق لأهلها، وإن قتل فالدية، أو القصاص.
اقرأ أيضًا: دعاء التوبة والرجوع إلى الله
ثانيًا قول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-
الشيخ ابن عثيمين أحد كبار مشايخ الفقه الحنبلي في العصر الحديث، وذكر الشيخ أن التوبة لا تصح من عبد أشرك بالله، مستندًا إلى قوله تعالى “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا” (الآية 48 سورة النساء).
كما أن خروج الشمس من مغربها أحد أسباب عدم قبول التوبة، الموت وبلوغ الروح الحلقوم السبب الثالث لعدم قبول التوبة، أما شروط التوبة فذكرها في النقاط الآتية:
- تكون التوبة خالية من الرياء، خالصة لوجه الله -عز وجل-.
- الندم على الذنوب.
- الإسراع في التوبة، قبل الغرغرة (وقت خروج الروح).
ثالثًا قول الشيخ ابن جبرين -رحمه الله-
في شرح الطحاوية أورد ابن جبرين أن التوبة تقبل من كافة الذنوب، إلا الشرك بالله، وأن باب التوبة مفتوح إلى أن تخرج الشمس من مغربها.
التوبة غير المقبولة للشيخ الشعراوي والدكتور المسير
التوبة من النعم التي أنعم الله، وأكرم بها الإنسان، واختيار وقت التوبة من شروط التوبة، وفي سطور تلك الفقرة سنعرض لكم إجابة الشيخين محمد متولي الشعراوي، والدكتور محمد المسير في مسألة التوبة المقبولة والتوبة التي لا تقبل.
أولاً قول الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي أحد أشهر المشايخ في العالم الإسلامي، وقد فسر القرآن الكريم في حلقات ذاع صيتها في العالم العربي كله، وأجاب الشيخ عن الحالات التي لا تقبل فيها التوبة.
جاء رد الشيخ معرفًا أن التوبة هدية إلهية من الله عز وجل للإنسان، وفرص له فيطلب التكفير عن ذنوبه التي ارتكبها في حياته، لكن الله عز وجل يقبل توبة الجميع حتى وإن كانت من الكبائر إلا توبة المشرك فهي لا تقبل.
لأن الشرك خرج من باب المعصية، فالذنب هو الخروج عن الأمر الذي حدده الله، لكن الشرك هو الخروج من الإيمان بالله، وإذا جاءت العلامة الأولى من علامات الساعة الكبرى وهي خروج الشمس من مغربها، فإن باب التوبة يغلق، أو في وقت خروج الروح فلا تقبل التوبة في تلك الحالة.
ثانيًا قول الشيخ محمد السيد المسير
الشيخ محمد السيد المسير هو أحد أساتذة الفقه الإسلامي، والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، ذكر الشيخ أن التوبة تقبل من الكل حتى وإن قتل مائة نفس، حتى إن كان المذنب عاقٍ لوالديه، إلا أن يكون قد أشرك بالله، أو بلغت روحه الحلقوم، أو خرجت الشمس من مغربها فتلك الحالات المتفق عليها في عدم قبول التوبة.
أقوال المشايخ المعاصرين في التوبة غير المقبولة
متى لا تقبل التوبة؟ من الأسئلة التي تعرض لها عديد الأئمة الكبار في العالم الإسلامي على مر العصور وسنعرض لكم في هذه الفقرة من أقوال الشيخ العدوي، والشيخ خالد المصلح، والشيخ صالح المنجد -حفظهم الله- في التوبة المقبولة، ومتى تكون التوبة غير مقبولة.
أولاً الشيخ مصطفى العدوي
الشيخ مصطفى العدوي من الدعاة الإسلاميين المعاصرين، وقدم العديد من برامج الفتوى أشهرها فتاوى العدوي على فضائية الرحمة الإسلامية، وقال الشيخ العدوي أن الله عز وجل يغفر الذنوب كلها، وإن كانت من الكبائر.
إلا أن يشرك به فمن أشرك فتوبته غير مقبولة، ومن على غير الإيمان بالله ولم يتب إلا بعد طلوع الشمس من مغربها فإن توبته غير مقبولة.
ثانيًا الشيخ خالد بن عبد الله المصلح
الشيخ خالد بن عبد المصلح هو داعية إسلامي سعودي شهير، وهو ابن الداعية الإسلامي الشهير عبد الله المصلح -حفظهما الله-، يقول الشيخ خالد المصلح في قبول التوبة، أن الله يقبل توبة الجميع، وقد يقبل الله التوبة لا تسقط عنه العقوبة، مثل إن تاب القاتل أو الساحر من أعمال دنيوية، لكن لا تسقط عنهم عقوبة ما قاموا به من أعمال.
إلا توبة المشرك المصر على الكفر، فتوبته غير مقبولة، أما من أشرك ثم تاب -حسب قول الشيخ- فإن توبته مقبولة بينه وبين الله، لكن لا تسقط عنه العقوبة.
اقرأ أيضًا: كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب؟
ثالثًا قول الشيخ محمد صالح المنجد
الشيخ صالح المنجد قال في حلقات برنامجه على قناة زاد عن التوبة، أن التوبة تكون غير مقبولة إن لم يعزم على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى، وأن إضمار التوبة قبل ارتكاب الذنوب توبته غير مقبولة، لعدم وجود أهم شرط من شروط التوبة وهي النية.
بذلك نكون قد عرضنا عليكم في سطور هذا الموضوع إجابة سؤال متى لا تقبل التوبة؟ حسب ما جاء في آيات القرآن الكريم وفي سنة رسول الله، وأقوال علماء المذاهب الأربعة في هذه المسألة، وأقوال كبار العلماء في الألفية.