ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة كما جاء عند أهل اللغة والمفسرين؟ وهل اختلف العلماء في تفسير معناه؟ وما هي أوجه الخلاف؟ هل يمكن الجمع بين آرائهم في رأي واحد أم أنها تختلف ولا يمكن جمعها في رأي واحد؟ كل ما سبق من أسئلة سنجيب عليه في السطور التالية على موقع زيادة.
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة
اختلف العلماء في تفسير الصراط المستقيم من حيث تفسير المراد من لفظ الصراط والمقصود منه، ولكن المقصود من “اهدنا الصراط المستقيم” فهو معلوم ومتفق على المراد منه عند جمهور علماء الدين أن الصراط المستقيم هو سبيل المؤمنين وليس سبيل المغضوب عليهم ولا هو سبيل الضالين.
اتفق علماء اللغة والدين عن المعنى اللفظي لكلمة الصراط في سورة الفاتحة وغيرها من الآيات والسور التي وردت فيها.
لكن اختلف العلماء في تفسير معنى الصراط في سورة الفاتحة عن غيرها من السور التي ورد فيها كلمة الصراط.
فيما يلي سنبين معنى الصراط عند علماء اللغة وعلماء الحديث والفقه، وما يعتقد أهل السنة والجماعة في معنى الصراط المستقيم.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أسماء يوم القيامة في القرآن
الصراط المستقيم عند علماء اللغة
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة كما جاء عند علماء اللغة؟
إن كلمة السراط فيها قراءتين بالصاد (الصراط)، وبالسين (السراط)، ويعرف علماء اللغة الصراط على الأوجه التالية:
- أن الصراط هو الطريق، ويقول بذلك ابن منظور في (اللسان) أن الصراط، والسراط هما بمعنى واحد عند العرب وهو السراط، واستشهد بقول الشاعر:
أكر على الحروريين مهرى
واحملهم على وضح الصراط
- قال الراغب الأصفهاني في كتابه (المفردات في غريب القرآن) بأن السراط هو الطريق المستسهل، وأصله عند الراغب من: سرطت الطعام وزردته أي ابتلعته.
فمن ذلك يرى بعض العلماء من قراءة السراط من الاستراط بمعنى الابتلاع، والمراد عندهم أن الطريق يسترط من يسلكه.
- ذكر الزبيدي في (تاج العروس) أن السراط بالكسر عنده هو السبيل الواضح، ويفسر قوله تعالى: ” اهدنا الصراط المستقيم” أي ثبتنا على المنهاج الواضح، وهذا قول الأزهري أيضًا.
- ذكر القرطبي في كتابه (الجامع لأحكام القرآن) أن أصل الصراط كما جاء في كلام العرب الطريق، واستشهد بقول عامر بن الطفيل:
شحنَّا أرضهم بالخيل حتى
تركناهم أذل من الصراط
كما ذكر كلام الفراء عن نطق السراط بالزاي بدلًا من السين وأن هذا لغة عذرة وكلب وبني القين (لهجة من لهجات العرب وذلك مثل قولهم في أصدق: في أزدق).
- يرى يحي بن سلام في (التصاريف)، أن الصراط في الآية على وجهين:
الوجه الأول: أن الصراط هو الطريق، وذلك يظهر في قوله تعالى في سورة الأعراف: “وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ”، أي بكل طريق.
الوجه الثاني: أن الصراط هو الدين، وذلك في قوله تعالى في سورة الفاتحة: “اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ”، ومعناه هنا الدين المستقيم.
- ذكر الفيروز أبادي في (ترتيب القاموس المحيط) أن الصراط بكسر حرف الصاد هو بمعنى الطريق، وجسر ممدود على متن جهنم، أما معنى الصراط بضم الصاد فهو السيف الطويل.
يتضح مما سبق ان علماء اللغة والدين عندما تعرضوا لتعريف المعنى اللفظي لم يختلفوا كثيرًا في اصل الاشتقاق ولكن كما سنبين الاختلاف جاء من المُراد من اللفظ.
إن المعنى الذي ذكُر في كثير من كتب التفاسير من حيث المعنى اللفظي أن:
قال تعالى: “الصِّرَاَط المُسْتَقِيمَ”.﴿٦ الفاتحة﴾ هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
قال تعالى: “اهدنا الصّراط المستقيم”. ﴿٦ الفاتحة﴾ الدعاء
إلى الله بأن يوفّقنا للثّبات على الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وهو الإسلام، والله أعلم.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: معلومات عن يوم القيامة
الصراط المستقيم في التفسير الميسر
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة كما جاء في التفسير الميسر؟ جاء الصراط المستقيم في التفسير الميسر بمعنى الطريق المستقيم وهو الإسلام، وهو الطريق الواضح الموصل على رضوان الله تعالى وجنته.
هو الطريق الذي دل عليه خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.
الصراط المستقيم في تفسير القرطبي
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة كما جاء في تفسير الإمام القرطبي؟ إن الصراط المستقيم في تفسير القرطبي هو طريق الهداية الموصل على أنس وقرب الرب جل وعلا، وذكر أنه قيل بمعنى: أرشدنا باستعمال السنن في أداء الفرائض.
ذكر فيه أنه قيل عن الصراط أن الأصل فيه الإمالة، وقيل عنده أن المعنى المُراد مِل بقلوبنا إلى الحق، وذكر أن الفضيل بن عياض قال: الصراط المستقيم طريق الحج، ويرى القرطبي أن هذا خاص تفسير خاص والعموم أولى.
ذكر عنده أيضًا قول محمد بن الحنفية في قوله عز وجل اهدنا الصراط المستقيم بأن المقصود من الصراط المستقيم هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره.
كذلك ذكر قول عاصم الأحول عن أبي العالية: الصراط المستقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده، وذكر أن عاصم قال للحسن: إن أبا العالية يقول: الصراط المستقيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، قال: صدق ونصح .
الصراط المستقيم في تفسير ابن كثير
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة كما جاء في تفسير بن كثير؟ ذكر أن قراءة الجمهور للصراط بالصاد، وقرأ الصراط بالسين، أما عن قراءة الصراط بالزاي فهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب كما قال الفراء.
ذكر كذلك أقوال من سبق في تفسير الصراط المستقيم.
الإمام أبو جعفر بن جرير يرى أن الإجماع من أهل التأويل على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
كلام العرب فيها شواهد كثيرة تدل على أنهم كانوا يستعملون كلمة الصراط في كل قول وعمل، ووصف عندهم باستقامة أو اعوجاج، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوج باعوجاجه.
المفسرون من السلف والخلف اختلفوا في عباراتهم في تفسير الصراط، وإن كان يرجح حاصلها لشيء واحد ألا أنه الدعاء بمتابعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ذكر رواية ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصراط المستقيم كتاب الله، وكذلك هي رواية ابن جرير.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: علامات يوم القيامة الوسطى
تابع تفسير ابن كثير للصراط المستقيم
ذكر كذلك ما رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور، عن علي مرفوعا: وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وقد بين أن الحديث روي موقوفًا عن علي، والله أعلم.
بين كذلك عدة روايات فيها أن الصراط المستقيم هو الإسلام ودين الله والحق والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده.
ذكر الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي والنسائي وغيرهم من رواة الحديث، وذكر ان إسناده صحيح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“ضربَ اللهُ تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنْبَتَيِ الصراطِ سورانِ ، فيهما أبوابٌ مُفَتَّحَةُ ، وعلَى الأبوابِ ستورٌ مُرْخَاةٌ، وعلى بابِ الصراطِ داعِ يقولُ: يا أيُّها الناسُ ! ادخلوا الصراطَ جميعًا ولَا تَتَعَوَّجوا، وداعٍ يدعُو مِنْ فَوْقِ الصراطِ ، فإذا أرادَ الإِنسانُ أنْ يفتحَ شيئًا مِنْ تِلْكَ الأبْوابِ قال : وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ، فإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، فالصراطُ الإسلامُ، والسُّورانِ حدودُ اللهِ، والأبوابُ الْمُفَتَّحَةُ محارِمُ اللهِ تعالى، وذلِكَ الدَّاعِي على رأسِ الصراطِ كتابُ اللهِ، والداعي مِنْ فوقٍ واعظُ اللهِ في قلْبِ كُلِّ مسلِمٍ”.
لخص ابن كثير ما ذكره عن الصراط المستقيم من آراء وروايات بأن كل هذه الأقوال صحيحة ويلزم كل منهم الآخر.
إن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، واقتدى به وباللذين من بعده أبي بكر وعمر، فقد اتبع الحق، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن، وهو كتاب الله وحبله المتين، وصراطه المستقيم.
ذكر ابن كثير أن كل المعاني والتفاسير للصحابة والرواة كلها صحيحة يصدق بعضها بعضًا، والله أعلم.
الصراط المستقيم عند أهل السنة
ما معنى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة كما هو عند العلماء من أهل السنة والجماعة؟ وما هو اعتقادهم فيه؟
ما عليه جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة في الصراط في قوله تعالى في سورة الفاتحة: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ”، هو ما جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو سعيد الخدري عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“يوضَعُ الصراطُ المستقيمُ بينَ ظهْرَانَىْ جهنمَ، عليْهِ حسَكٌ كحَسَكِ السَّعْدَانِ ، ثُمَّ يستجيزُ الناسُ، فناجٍ مُسلَّمٌ، و مخدوشٌ بِهِ، ثُمَّ ناجٍ ومحتبِسٌ بِهِ، ومَنْكوسٌ فيها.”
هناك أحاديث كثيرة رواها الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف الصراط، ووصف حال الذين يمرون عليه، والجزاء الذي سيكون بعد المرور عليه.
هو عندهم طريق بمعناه الأصلي وليس المجازي، سيكون عبارة عن جسر منصوب على متن جهنم يمر عليه الناس جميعًا يوم القيامة للوصول إلى الجنة أو النار، وكل إنسان سيكون صفة الصراط له تختلف عن غيره على حسب عمله.
في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العقيدة الواسطية: (والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق الخاطف… ومنهم من يخطف فيلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة).
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: مراحل الحساب يوم القيامة بالترتيب
وصف الصراط عند أهل السنة والجماعة
أجمع علماء أهل السنَّة والجماعة على أن الإيمان بالصراط من الإيمان بالبعث والحساب في اليوم الآخر.
وصف علماء أهل السنة والجماعة الصراط استنادً لما ورد في الأحاديث الصحيحة في السنة النبوية المطهرة، وما حكى عنه الصحابة رضي الله عنه من وصف كما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
أحَدُّ من السيف ومن حد الموسى، أنه دحْض مزلَّة أي الصراط زلق يزل الأقدام عليه فتسقط، له جنبتان أو حافتان، للحافتين كلاليب، أن الناس يمشون على اختلافهم في صفة المشي؛ فمن الناس من يمشي واقفًا، ومن الناس من يمشي جاثيًا.
لكل من الصفات السابقة أحاديث كثيرة جدًا في السنة النبوية تثبتها.