آيات وأحاديث عن العفو والتسامح
آيات وأحاديث عن العفو والتسامح من القرآن الكريم وسُنة رسوله، فهي توجيًها لنا للسماحة والعفو في الأرض، فمن يتأمل معاني آيات القرآن الكريم ومتن حديث رسولنا.
سيجدها تموج بأسمى معاني العفو والتسامح والعيش في الأرض، فمن خلال موقع زيادة سوف نعرض آيات وأحاديث عن العفو والتسامح وجلالة معانيها.
آيات وأحاديث عن العفو والتسامح
أحد أسماء الله –عز وجل- الحسنة هي الجبار، وهي صيغة مبالغة من وزن فعال، وفعلها هو جبر، والجبر هو إصلاح الكسر، فمن هنا نستدل عن معنى جبر القلوب، ففي ذلك استعارة مكنية بتشبيه القلب بعظم يكسر ثم يجد من يجبره.
والله هو جبار لقلوبنا أجمعين، فلا شك أن كل سورة من سور القرآن الكريم تحمل في متنها الجبر والعفو، فتكون مرشد الراشدين للسير في الأرض مقتضيين بجلالة كلام الله فنكون كلنا لكلنا مسامحين وعافين فيسود السلام والعفو في الأرض، فنجد قول الله تعال في سورة البقرة:
“وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)”.
فنتأمل جلال الآية 133 في قول الله تعالى بأن المغفرة متاحة فنسرع للحاق بها ولا نضيع العمر ونترك جنة عرضها السموات والأرض، فرحمة الله تسع كل العالمين.
فنجد أن تعاليم الله وآياته دومًا موجهة لنا بلين القول وحسن اختيار الألفاظ والعبارات فلا نسير في الأرض إلا صالحين مصلحين نبرد عن قلوب العالمين نار شقائها، فتتألف قلوبنا بالمودة والمغفرة، فمن كان في الأرض شديدًا غليظًا مع الناس انفض الجميع من حوله، فقال الله تعالى في سورة آل عمران:
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (159) سورة آل عمران.
اقرأ أيضًا: آيات قرآنية وأحاديث عن الصحة
آيات قرآنية عن التسامح
بالبحث عن آيات وأحاديث عن العفو والتسامح في القرآن الكريم نجد أننا أمام بحر من الحكم والعبر والمواعظ الجليلة، فنستدل منها حكمة الرسالة السماوية التي جاءت لتجعل الأرض دار سلام للعالمين بان يسود بها العفو والسلام اتباعًا لآيات الله، فنتأمل قول الله في سورة المائدة:
“فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (13)
أثناء بحثنا عن آيات وأحاديث عن العفو والتسامح نجد ذلك في سورة يوسف، فأبناء يعقوب بعد كل ما ارتكبوه من فحش ومعصية لوالدهم ومحاولة قتل أخيهم يوسف –عليه السلام- عندما طلبوا العفو من والدهم قبل العفو عنهم:
“قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)“ سورة يوسف
العفو والتسامح في آيات القرآن
ليس المقصود بالعفو والمغفرة هو أن نكون متساهلين في مواضع الحزم، فلا نسير في الأرض ضعفاء مهضومة حقوقنا، لكن المقصود به أن يكون صفحنا قوة وعزة فمن استطاع أن يغفر كان عند رب العالمين عظيم، فنجد قول الله تعالى:
” وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم “ (85) سورة الحجر
فقد ذهب العلماء هنا إلا أن الصفح الجميل هو الصفح في موضعه، أي عندما يكون المذنب له ذنب يمكننا السماح به، ليس عندما يكون الذنب في أحكام الله التي تستوجب القصاص او العقاب.
نعود ليوسف –عليه السلام- وما حدث من أخوته من وظلم، لكن ما كان منه إلا العفو والمغفرة، فنتأمل قول الله تعالى:
“قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)” سورة يوسف
اقرأ أيضًا: آيات قرآنية وأحاديث عن الصداقة
وصايا العفو في آيات القرآن
نكمل رحلة التأمل في آيات وأحاديث عن العفو والتسامح فنجد في سورة النمل قول الله تعالى:
“وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (22).
إن تكرار ذكر العفو التسامح في آيات القرآن الكريم ما هو إلا رسالة للعالمين فقد نزل القرآن راحة لهم وسكينة لقلوبهم فلا تخلو آياته من التذكر له فكما قال الله تعال: “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ” سورة الذاريات.
فنجد تذكير الله لنا في سورة الشورى بقوله:
“وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” (40).
فالله تعالى دومًا يوصينا بالعفو والإحسان والمغفرة وجبر القلوب.
أحاديث عن العفو والتسامح
بدأنا موضوعنا آيات وأحاديث عن العفو والتسامح فكان ذلك هو عنواننا الرئيسي، فكما جاء القرآن في كل سورة موصي لنا بالعفو والإحسان جاءت أحاديث رسوله.
فقد كان كل قوله يحث فيه المسلمين على التسامح والمغفرة، فقال:
“منْ لا يَرحمُ لا يُرحمُ، ومنْ لا يَغفرُ لا يُغفرُ لهُ“
الراوي: جرير بن عبد الله | المحدث: السيوطي | المصدر: الجامع الصغير
يقول الرسول في بعض من يعتقد بضعف من يعفو:
“ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ”.
الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم
فالمسلم الحق هو من يسير في الدنيا ميسر للناس الأمور فلا يكون متسلطًا غليظًا وثقيل على كل من يعرفه لكن رحيمًا غفورًا سهلًا، فقال رسول الله:
“غَفَرَ اللهُ لِرَجُلٍ كان مِن قَبلِكُم، كان سَهلًا إذا باعَ، سَهلًا إذا اشْتَرى، سَهلًا إذا قَضى، سَهلًا إذا اقْتَضى”.
الراوي: جابر بن عبد الله | المحدث: شعيب الأرناؤوط | المصدر: تخريج المسند
اقرأ أيضًا: آيات قرآنية عن الوقاية من الأمراض
عفو الرسول عن للكفار
جاءت في السيرة النبوية والأحاديث الشريفة قصص لتكون لنا هداية ففي عام الحزم على الرسول حاصرت قريش بني هاشم، ثم توفى عم الرسول –صلى الله عليه وسلم- أبي طالب متأثرًا بالحصار وما سببه له من وهن، وهو من كان يرفع عنه بطش الكفار من سادة قريش.
ثم توفيت السيدة خديجة –رضي الله عنها- وهي من كنت تساند الرسول بالمودة والحنان، ظل النبي صامد موحدًا بالله مكملًا أداء الرسالة، فخرج الرسول ليدعو كفار قريش لدخول الإسلام، فما وجد منهم إلا السفه والاستهزاء.
فتوجه للطائف لعله يجد منهم خيرًا مما وجده من قريش، فوجدهم أكثر سخرية إهانة فما كان منه إلا أن جلس ليستظل ويستعين بالله، فوجد جبريل مُنتظره محملُا برسالة من الله: بأن يأمر ملك الموت ما يشاء، فإن شاء أن يطبق عليهم فيَمحوهم من الأرض لفعل.
لكن ما كان من الرسول إلا أن عفا عنهم وهو في أشد وهنه وضعفه، فكان لنا رسولنا في كل أمورنا أسوة حسنة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
“أنَّها قالَتْ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا”.
إن آيات وأحاديث عن العفو والتسامح جاءت لتكون هادية لنا بأن يكون في عفونا عزة واتباع لله وسُنة رسوله.