هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء
هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء باتفاق الفقهاء على ذلك أم لا ينقض الوضوء، وما الدليل الأصولي على ذلك الحكم، يعتبر هذا السؤال وما من قبيله أحد مباحث الفقه في باب الطهارة الذي طال النقش فيه بين الفقهاء ونتج عن ذلك ذخيرة فقهية عظيمة.
في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول أقوال الفقهاء في إجابة سؤال هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء ودليلهم في تلك الأقوال.
هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء
يتفق الفقهاء إذا كان المقصود بلمس المؤخرة في السؤال هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء أنه اللمس أثناء الاستنجاء والتطهر؛ فإن الوضوء قد نُقض بمجرد خروج الغائط مسبقًا.
أما إذا كان المراد بسؤال “هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء” هو لمس المؤخرة لأي سبب آخر، فقد تناول الفقهاء هذا الموضوع تحت مطلب صغير في الطهارة باسم (مس الدبر)
اختلف الفقهاء المسليين في الرأي حول حكم الوضوء ومس الدبر على قولين.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل لمس الزوجة لذكر زوجها ينقض الوضوء
الرأي الأول في حكم مس الدبر
أصحاب هذا الرأي يرون أن مس المؤخرة ينقض الوضوء، وهم فقهاء الشافعية ورأي عن فقهاء الحنابلة واتبعهم في قولهم هذا الإمام الشوكاني والإمام ابن باز.
ورد هذا الرأي في:
- عند فقهاء الشافعية: الإمام النووي في (المجموع 43/2) والماوردي في (الحاوي الكبير 197/1)
- عند فقهاء الحنابلة: المرداوي في (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 155/1) وذكره ابن قدامه في (المغني من مستودعات الحنابلة) كما سنذكر لاحقًا.
- قال الإمام ابن باز رحمه الله في (فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر 5/207): “… إذا مسَّ الإنسانُ فرْجَه مباشرةً، يعني: مسَّ اللَّحمُ اللَّحمَ؛ مسَّ الفَرْجَ الذَّكَرَ أو الدُّبُرَ، انتقَضَ الوضوءُ، وهكذا المرأةُ إذا مسَّت فرْجَها …) وقال الشوكاني في (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 199/1): في شرحه للدليل الذي استد عليه “… لفظ: (مَن) يَشمل الذَّكرَ والأنثى. ولفظ: (الفرْج) يشمل القُبُل والدُّبُر من الرَّجلِ والمرأة، وبه يُردُّ مَذهب مَن خصَّص ذلك بالرِّجالِ، وهو مالك …”
أدلة الرأي الأول
استدل أصحاب هذا الرأي بحديث رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيُّما رجلٍ مسَّ فَرجَه فلْيَتوضَّأ، وأيُّما امرأةٍ مسَّت فرجَها فلْتتوضَّأْ” (رواه الإمام أحمد 7076)
وجه الدلالة هنا أن الدبر هو أيضًا فرج، لأنه منفرج عن جوف الإنسان.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل لمس الذكر بالخطأ يبطل الوضوء
الرأي الثاني في حكم مس الدبر
أصحاب هذا الرأي يرون أنه لا ينقض الوضوء بمس المؤخرة، وهم فقهاء المذهب الحنفي وفقهاء المذهب المالكي والرأي الآخر عن الحنابلة وقال به الإمام الثوري وفقهاء الظاهرية، وأخذ به ابن عثيمين رحمه الله.
ورد هذا الرأي في:
- عند الحنفية في: (البحر الرائق شرح كنز الدقائق 45/1) لابن نجيم، وفي كتاب (مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر 35/1).
- عند فقهاء المالكية: الدسوقي في حاشيته صفحة 123/1.
- عن رأي الحنابلة قال ابن قدامة في كتابه (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 134/1): “… فأما مسُّ حلقة الدبر، فعنه روايتان أيضًا:
- إحداهما: لا ينقض الوضوء. وهو مذهب مالك. قال الخلال: العمل والأشيع في قوله وحجته، أنه لا يتوضأ من مس الدبر؛ لأن المشهور من الحديث: “من مسّ ذكره فليتوضأ”، وهذا ليس في معناه؛ لأنه لا يقصد مسّه، ولا يفضي إلى خروج خارج.
- الثانية: ينقض. نقلها أبو داود. وهو مذهب عطاء، والزهري، والشافعي؛ لعموم قوله: “من مس فرجه فليتوضأ” ولأنه أحد الفرجين، أشبه الذكر …”.
- عن رأي الظاهرية وردهم على الشافعية قال ابن حزم في كتابه (المحلى بالآثار 223/1): “… أمَّا إيجابُ الشافعيِّ الوضوءَ من مسِّ الدُّبُر، فهو خطأٌ؛ لأنَّ الدُّبَر لا يُسمَّى فرجًا….
فإن قال: قِستُه على الذَّكرِ، قيل له: القياسُ عند القائلين به لا يكون إلَّا على عِلَّة جامعةٍ بين الحُكمين، ولا عِلَّةَ جامعة بين مسِّ الذَّكر ومسِّ الدُّبُر…
فإن قال: كلاهما مَخرَجٌ للنَّجاسة، قيل له: ليس كونُ الذَّكر مَخرجًا للنَّجاسةِ هو عِلَّة انتقاضِ الوُضوءِ من مسِّه …
مِن قوله: إنَّ مسَّ النجاسةِ لا ينقُضُ الوضوءَ؛ فكيف مسُّ مخرَجِها؟! …”
- كما قال بهذا الرأي الشيخ ابن عثيمين في (الشرح الممتع 218/1)، والإمام الثوري حكى عنه ابن المنذر هذا الرأي في (الأوسط في السنن والإجماع 137/1).
أدلة الرأي الثاني
استدل أصحاب هذا الرأي في بحديث رواه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“خرجنا وفدًا حتَّى قدمنا علَى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فبايعناهُ وصلَّينا معَه فلمَّا قضى الصَّلاةَ جاءَ رجلٌ كأنَّهُ بدويٌّ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ ما ترى في رجلٍ مسَّ ذَكرَه في الصَّلاةِ قالَ وَهل هوَ إلَّا مضغةٌ منكَ أو بضعةٌ منكَ” (صحيح النسائي 165)
استدلوا بتعليل النبي صلى الله عليه وسلم أن الذكر قطعة من الإنسان فلا يجب عليه الوضوء وكذلك بالقياس الدبر قطعة من الجسم.
كما أن النصوص التي وردت في وجوب الوضوء من مس الذكر وقال أن الفقهاء أنه تنسخ هذا الحديث؛ لم ترد في الدبر إنما كانت في الذكر.
على ما سبق وأن الأصل في المسلم الطهارة ولا يخرج عن هذا إلا بدليل يقين، يقول أصحاب هذا الرأي أن مس الدبر لا ينقض الوضوء.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم من استمنى في نهار رمضان
رأي دار الإفتاء المصرية في نقض الوضوء بلمس الدبر
قد أجاب الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف (الدكتور أحمد الطيب) على سؤال أحد المستفتيين على سؤال هل التدخين ينقض الوضوء بانه لا ينقض الوضوء ويستحب أن يطهر المسلم فمه بعده … إلا أن بعد هذه الفتوى قد أجاب الشيخ أحمد ممدوح (مدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء) على النفس السؤال إلا إنه قد عدد نواقض الوضوء -هنا موضع شاهدنا- وهي:
- خروج شيء من أحد السبيلين (القبل والدبر)
- سيلان الدم الشديد أو القيء أو خروج القيح أو الصديد.
- زوال العقل بنوم أو جنون أو سكر
- مس القبل أو مس الدبر باليد دون حائل بينهما.
- أكل لحم الإبل.
- غسل الميت.
- الردة/ الخروج عن الإسلام.
بهذا نرى أن رأيهم في إجابة سؤال هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء هو أن مس المؤخرة دون حائل (قماش من غطاء أو ملابس) ينقض الوضوء.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم الدعاء في السجود في صلاة الفريضة
بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء في إجابة سؤال هل لمس المؤخرة ينقض الوضوء وبيان الاختلاف في الرأي بينهم ودليل كل رأي، كما ذكرنا ترجيح دار الإفتاء المصرية في هذا الموضوع، ندع الله أن يكون وفقنا لم يحبه ويرضاه، والصلاة والسلام على سيد الخلق شفيعنا يوم الدين.
فيه فرق بين المؤخرة (الفخذ ) والدبر