الحكمة من مشروعية العيد

الحكمة من مشروعية العيد من الأمور التي من المهم أن يعلم عنها كل مسلم بشكل عام لرفع الروح المعنوية للمسلم، لكن الجهل بها لا يضر، والسؤال على الحكمة من التشريعات التي دار فيها الحوار بين الفقهاء والمتكلمين في العصور القديمة بين عدة آراء.

لكن في النهاية استقر الأمر على رأي بتفصيل، في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول قول الفقهاء في الحكمة من مشروعية العيد والأمور المتعلقة به.

الحكمة من مشروعية العيد

الحكمة من مشروعية العيد

الأعياد بصفة عامة تعبير عن شعور مجتمعي بالفرح والمشاركة بمناسبة هامة في حياة هذا المجتمع، حادث يحتفل به الناس كل عام تعبيرًا عن فرحتهم به؛ مما ينتج عنه تقوية للروابط والصلاة بين أفراد المجتمع، والملابس الجديدة والتنزه يكون شكل من أشكال هذه الفرحة.

فقد كان للعرب قبل الإسلام في عصور الجاهلية أيام خاصة يعتبرونها أعياد يحتفلون فيها، وعن أنسٍ ابن مالك أنه قالَ: “قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ ما هذانِ اليومانِ قالوا كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ” (صحيح ابي داود 1134)

في هذا الحديث الشريف يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحكمة من مشروعية العيد ليس لمناسبة دنيوية بل مناسبة دينية على النحو التالي:

  • عيد الفطر يكون لشكر الله على أداء فريضة صيام شهر رمضان وتوفيقه لنا لذلك والاحتفال بالفطر وانتهاء الصوم والحصول على فائدته، كما أن عيد الفطر يوحد المسلمون حول العالم، فكما صاموا مع بعض في نفس الشهر بتقدم يوم أو تأخره، يعدون للتعييد في يوم واحد مع بعض.
  • عيد الأضحى يكون بعد انتهاء المؤتمر الدولي الإسلامي الدولي (وقوف الحجيج ضيوف الرحمان على جبل عرفات) ولشكر الله تعالى يحتفل المسلمون به في كل عام مشاركين أخوتهم من نالوا فضل الحج بهذه الفرحة، فكما تلاقت الأبدان في جبل عرفات تتلاقى المشاعر والأرواح في العيد للمسلمين أجمعين.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل يجوز المعايده قبل صلاة العيد بساعات أو أيام ؟

ارتباط العيد بالسماء

لم يربط المُشَرِع العيد بالحوادث الأرضية، لأن سنة الله في الأرض هي التغير، فالأرض وما عليها مصيرها الفناء، فربطها الله تعالى بإنجاز المسلمين للطاعات التي لا تتغير ولا يضيع ثوابها تغير الأيام، كما أن الطاعات دورية تتكرر كل عام كما تتكرر الأيام وبها بتكرر العيد والفرحة.

كما أن من الحكمة من مشروعية العيد أنها مربوطة بمعاني رفيعة سامية تُذكر المسلم بالغاية السامية التي خلقه الله من أجلها رضا الله واتباع أوامره والانتهاء عن النواهي، لكن الربح الدنيوي فهو هدف ثانوي وقد يكون من جملة الطاعات إذا أراد به العبد رضا الله تعالى.

العيد مشاركة

استنبط العلماء بعضًا من الحكمة من مشروعية العيد أن الله تعالى جعل الفرحة بهذا الاحتفال الكبير لأهل البلد الواحد في بلادهم المحلية فيصلون العبد مع بعض، بالإضافة إلى التكبير قبيل الصلاة وبعدها والحمد لله على نعمه.

فيعلوا النشيد الإسلامي الخالد من كل القلوب بقولهم: “الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد” معترفًا بأن الله تعالى أكبر من كل خلقه وكل شيء، ويشهد بالتوحيد فالله تعالى ليس قبله شيء هو القديم الخالد، وأي عبود دونه فاني مزعوم، وبعد ذلك يكرر التكبير ليصل إلى نهاية النشيد الجمعي الإسلامي بشكر الله تعالى وحمده على هدايته.

بتلك الطريقة يتشارك جميع المسلمين في المكان والواحد فوق المشاغل الدنيوية والحطام الفاني بأن الله هو الواحد الأحد الأكبر.

حتى الصلاة في العيدين سمتها المميزة هي التكبير وخطبة العيد تبدأ بإقرار “الله أكبر”

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: شروط صحة الصيام عند المذاهب الأربعة ومبطلاته وشروط وجوب الصيام

العيد فرحة للأسرة كلها

كان الصحابة رضوان الله عليهم يخرجون إلى الصلاة جميعًا للعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم (بما فيهم النساء والأطفال)،

وقد ورد عن أم عطية نسيبة بنت سعد أنها قالت:

” كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أنْ يَخْرُجْنَ يَومَ العِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فأتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا معهُ في سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ علَى المَرْضَى، ونُدَاوِي الكَلْمَى، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أعَلَى إحْدَانَا بَأْسٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أنْ لا تَخْرُجَ؟ فَقالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِن جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ ودَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ. قالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أسَمِعْتِ في كَذَا وكَذَا؟ قالَتْ: نَعَمْ بأَبِي -وقَلَّما ذَكَرَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَّا قالَتْ: بأَبِي- قالَ: لِيَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ – أوْ قالَ: العَوَاتِقُ وذَوَاتُ الخُدُورِ، شَكَّ أيُّوبُ – والحُيَّضُ، ويَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى، ولْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ ودَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ. قالَتْ: فَقُلتُ لَهَا: الحُيَّضُ؟ قالَتْ: نَعَمْ، أليسَ الحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ، وتَشْهَدُ كَذَا، وتَشْهَدُ كَذَا؟” (صحيح البخاري 980)

فهذا الحديث يحمل في طياته أن الأسرة جميعها تخرج إلى صلاة العيد وهذا مظهر احتفالي جميل يجمع الاسرة ويدخل السرور على قلوب الأطفال، كما أكد الحديث أن المرأة تخرج لصلاة العيد لأنها جزء أصيل من الأمة الإسلامية لا بد أن تفرح مع المسلمين، كما أشار الحديث إلى ملابس المرأة المحتشم والجلباب الجديد للفرحة.

العيد صلة للرحم

يُسن للمسلمين في العيدين أن بعد أداء الصلاة أن يذهبوا لزيارة أرحامهم ويهنئ المسلم أخيه بالعيد، تعبيرًا عن فرحة صادقة بهذه المناسبة السعيدة.

الحكمة من مشروعية العيد في قول السلف

قد تناول علماء المسلمين القدامى ما استنبطوه من الحكمة من مشروعية العيد ومن أقوالهم هذه:

  • قال شيخ الإسلام الإمام اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في “مجموع الفتاوى” عن الحكمة من مشروعية العيد: “التنويهُ بشعائرِ الإسلام؛ فإنَّ صلاةَ العيدين من أعظمِ شعائره، والناسُ يجتمعون لها أعظمَ من الجُمُعة، وقد شُرِع فيها التكبيرُ” (23/161)

  • قال الشاه ولي الله الدهوري في كتابه “حجة الله البالغة” عما استنبطه من الحكمة من تشريع العيد للمسلمين: “أنَّ كلَّ أمَّةٍ لا بدَّ لها من عَرضةٍ، يجتمع فيها أهلُها؛ لتظهرَ شوكتُهم، وتُعلَمَ كثرتُهم؛ ولذلك استُحبَّ خروجُ الجميع، حتى الصِّبيانِ والنِّساءِ، وذواتِ الخدورِ، والحُيَّضِ. واستُحبَّ كذلك مخالفةُ الطِّريق ذَهابًا وإيابًا؛ ليطلعَ أهلُ كِلتا الطريقينِ على شوكةِ المسلمين” (2/79)

  • قال ابن دقيق في كتابه “إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام” عما فهمه من الغاية والحكمة من مشروعية الأعياد في الإسلام: “الشُّكر لله تعالى على ما أَنعم اللهُ به، من أداءِ العبادات المتعلِّقة بهما؛ فعيد الفطر: شُكرًا للهِ تعالى على إتمامِ صومِ شهرِ رمضانِ، وعيد الأضحى: شُكرًا على العباداتِ الواقعاتِ في العشرِ، وأعظمهما: إقامةُ وظيفةِ الحجِّ” (229)

فكان كافة أقوالهم تدور في فلك شكر الله تعالى والاجتماع والفرح والتواصل بين المسلمين.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم قص الشعر والاظافر للمضحي وأهم شروط الاضحية

الحكمة من مشروعية الأضحية في العيد

في فتوى لها قالت دار الإفتاء المصرية بعضًا من الحكم في مشروعية الأضاحي في العيدين، نحو:

  • أن الأضحية نوع من شكر الله تعالى على نعمة الصحة والمال.
  • أن الأضحية شعير إسلامية يقوم بها المسلم تقربًا لله تعالى.
  • الأضحية توسيع على نفوس الأهل والمساكين وإدخال الفرحة على الأهل كما إنها إكرام للضيف وصلة للرحم بجانب الصدقة على الفقراء.
  • الأضحية نوع من تحديث العبد بنعمة الله عليه عملًا لقول الله تعالى في محكم التنزيل: “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” (الضحى 11).
  • الأضحية اتباع وإحياء لسنة نبي الله إبراهيم عليه السلام كما أمره الله تعالى بالنحر فداء لأبنه إسماعيل عليه السلام.
  • التضحية بمثابة الدليل على التصديق المطلق بما أمرنا به الله تعالى.
  • التضحية تعلم المسلم الصبر عندما يتذكر صبر نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وامتثالهم لأوامر الله تعالى.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما حكم زكاة الفطر؟ وحُكم من لم يُخرج زكاة الفطر واحكامها طبقا للشريعة الإسلامية

حكم السؤال عن الحكمة من التشريع

لا حرج على المسلم في السؤال باعتدال عن الحكمة من التشريع إذا كان الهدف من راء ذلك زيادة اليقين لكن ينبغي الأخذ في الاعتبار أن الأحكام التشريعية تنقسم إلى نوعين:

  • النوع الأول: تظهر الحكمة من ورائه والعلة منه.
  • النوع الثاني: تقصر عقولنا البشرية عن فهمه، يغلب عليه الجانب التعبدي.

قد عد الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى فيما يُكره السؤال عنه، ومما لا شك فيه أن الأحكام الشرعية لا تخلوا من حكمة عظيمة يعلمها من يعلم ويجهلها من يقصر عقله عن فهمها، وقد لا تدرك عقولنا الحكمة من أمر ما.

فللمسلم السؤال فيما ينفعه غير مُتعنِت ولا مُلِح على أساتذته مسبب لهم الإحراج، وقد ورد بعض النصوص الشرعية في النهي عن تلك الأسئلة نحو:

  • قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (المائدة 101).

  • عن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ” (صحيح مسلم 1715).

فقد حمل الفقهاء هذه النصوص على أنها من الأسئلة التي لا تفيد السائل في معاشه ولا في آخرته، أو السؤال عن شيء أيام الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم لم يتم تحريمه فينزل تحريم بسببه، والسؤال عن الأغلوطات والغيبيات التي لم ينزل بها الله من سلطان، إلا أن الغمام الشاطبي رحمه الله قد كره السؤال عن علة الحكمة في الأعمال التي من باب التعبد التي لا يعقل لها الإنسان معنى، فلنا أن نقول سمعًا وطاعة، وقد افرد لها الشاطبي مبحث في كتابه “الموافقات” لمن يريد الاستزادة.

بذلك نكون تناولنا بعضًا من الحكمة من مشروعية العيد ما ألهم به الله تعالى على قلوب عباده الفقهاء من القدماء والمحدثين، كما تناولنا الحكمة من الأضحية كما ترى دار الإفتاء المصرية، ندعو الله أن يكون قد وفقنا لما يحبه ويرضاه.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.