قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة
قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة من القصص المعبرة بصدق عن حسن التوكل على الله والالتجاء إليه في أوقات الكرب والملمات، فحين ينقطع حبل العون من المخلوقات لا يبقى أمام الإنسان إلا حبل الرجاء الذي لا ينقطع.
قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الوارد إلينا بأكثر من سند، عن ثلاث رجال صالحين كانوا في كرب شديد فلجأوا إلى ركن الله تعالى الذي لا يرد قلبًا باليقين ناداه، لذا في هذا الموضوع على موقع زيادة سنقدم شرح الفقهاء وعلماء الحديث لقصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة.
قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة
كما ذكرنا آنفًا قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة قد وردت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها قد وردت أيضًا في قصص الإسرائيليات بتغير بسيط ذلك لأن المصدر واحد، فالمسلمون يؤمنون بكل ما سبق من الأديان التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، لكن دون التحريف والتبديل الذي طالها.
يقول الله تعالى في سورة البقرة: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)”
بالتالي إذا كان المصر واحد فلا بد أن نجد تشابه بين أصول الأديان وفروعها وبين قصص الصالحين السابقين لكلا الدينين، فقد وردت قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في التراث الفقهي الإسلامي تحت اسم “الثلاثة الذين أواهم المبيت إلى الغار”.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: قصة الإسراء والمعراج كاملة
حديث قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة
وردت قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“ انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ.
فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ..
فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ.
فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ.
… وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ.
فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها.
… وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتَهْزِئُ بي! فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ.
فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ“.
هذا متن الحديث الوارد فيه القصة كاملة
تخريج الحديث
ورد هذا الحديث في:
- صحيح البخاري 3465
- صحيح مسلم صفحة رقم 1096 برقم 2743.
- رواه البزار من طريق أبي إسحاق عن رجل من بجيلة عن النعمان بن بشير مرفوعًا.
- صحيح البخاري 2272 (بلفظه)، صفحة 423: 424.
- رواه الإمام أحمد في مسنده منفردًا عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- رواه البزار في (البحر الزاخر) من حديث أبى حنش، عن على بن أبى طالب، عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
شرح الحديث
في هذا الحديث يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أهم معاني تام العبودية وهو الدعاء لله والالتجاء له عند الشدائد، والتقرب إلى الله تعلى بصالح الأعمال في كل وقت، وأن الإخلاص في العمل سبب لتفريج الكرب.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: قصة وردت في أواخر سورة البقرة من خمسة حروف
معاني الألفاظ
ورد في الحديث عدة ألفاظ قد تكون غريبة على مسامع البعض نحو:
- رهط: جماع من الرجال أقل من عشرة، (الرهط لا يكون فيهم نساء).
- أَغْبِقَ: الغبق هو حلب الماشية في الوقت العشي، والمراد سقاية هذا الحليب.
- فَثَمَّرْتُ: أي جعله يُثمر، فتاجر له فيه.
سرد القصة
يحكي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في أحد الأمم السابقة ثلاث رجال صالحين يمشون في طريقهم لقضاء غرض من الأغراض، وبينما هم في طريقهم إذا نزل المطر وكان غزير جدًا، فلم يجدوا مهرب من هذا السيل إلا غار في جبل فلجأوا إليه ريثما ينتهي المطر.
في ذلك الحين كانت الأمطار شديدة جدًا فجرفت أحد الصخور عن سفح الجبل ووقعت أمام باب الغار الذي يحتمون فيه من المطر فسدته.
كانت الصخرة كبيرة بحيث أنهم لا يستطيعون زحزحتها ولا يستطيعون المرور بجوارها لأنها تسد باب الغار كليتًا، كما أنهم لا سبيل لهم لأن يصل خبرهم لأهلهم فالأمطار أذالت أثار أقدامهم ولو صاحوا بأعلى أصواتهم لن يسمعهم أحد سوى جدان الغار والصخرة الصماء.
عندما بلغ منهم اليأس مبلغه وتيقنوا أنهم هالكين لا محال أشار عليهم أحدهم أن يتوسل كل منهم الله بأحد الأعمال الصالحة التي قام بها، أن يكون قاصد به وجه الله دون غيره.
دعاء الرجل الأول
توسل الرجل الأول منهم ببره بوالديه في كبرهم وضعفهم الشديد، وأنه كان يعمل في رعاية الماشيةـ وفي الليل يحلب الأنعام التي لديه ليطعم أهله ويبيع منه، وكان لا يسقي أحد منها قبل والديه، حتى أولاده الصغار.
في أحدى الأيام تأخر في العمل وابتعد عن البيت في البحث عن المرعى الصالح لماشيته، فلما عاد إلى المنزل كان قد حل الليل وكان قد حلب الماشية كعادته، إلا أنه وجد والديه قد ناما؛ فلم يوقظهما كارهًا قلقهما، ولم يسقي أولاده قبلهم برغم أنهم يبكون عند قدمه من الجوع، وظل ممسك بإناء الحليب حتى طلع الصباح واستيقظا الوالدين، توسل الرجل بتلك القصة فانفرجت الصخرة قليلًا.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: قصة سيدنا موسى مع فرعون والسحرة
دعاء الرجل الثاني
توسل الرجل الثاني بخوفه الله تعالى وتقواه في السر، وعفته عن المحرمات مع توافرها بسهولة وقدته على الوقوع بها دون أي أثر عليه.
ذكر أنه كان له ابنة عم يحبها بشدة، فراودها عن نفسها عدة مرات وكان يكرر فعلته مرارًا وتكرارًا إلا أنها كانت تمتنع وتأبى في كل مرة، وفي أحد السنين أصابتها حاجة للمال فوافقت على طلبه من أجل المال.
أعطاها مائة وعشرون دينارًا مقابل ذلك ولما أقترب منها وكاد يقع بها، ذكرته بالله وقالت له: “لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ” أي أنه لا يحل له أن يفض بكارته إلا بحلال الله وهو الزواج.
يقول الرجل أنها كانت أحب الناس إلى قلبه، وهذا أدعى له أن يقع بها؛ إلا أنه قد تركها خوفًا من الله وترك لها المال الذي قد أخذته منه.
ثم قال الرجل: “اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ” حينها انفرجت الصخرة قليًا لكنهم لا يستطيعون الخروج منها.
دعاء الرجل الثالث
توسل الرجل الثالث بأمانته وحفظه لحقوق الناس على أكل وجه.
قال الرجل الثالث أنه قد استأجل عمال ليقوما له بعمل ما مقابل أجر متفق عليه، وعند انتهاء عملهم أوفاهم أجورهم جميعًا إلا أن أحدهم غادر دون قبض أجره.
فتاجر لهذا الأجير في أجره وربح فيه وتكاثر المال، وبعد فترة من الزمن جاءه الأجير ليطلب أجره الذي تركه، فقال له أترى تلك الأغنام والأبل والرقيق (العبيد المملوكة) كلهم ملكك، فقال الرجل له لا تستهزئ بي مستنكرًا هذا الرد الغريب.
إلا أنه أكد أنه لا يستهزئ به وإنما هذا ماله فعلً، فاخذ الأجير ماله كله ورحل، وهذا دليل أنه لم يفعل ذلك مقابل نسبة أو مكافئة وإنما كان لوجه الله وحده.
ثم: “اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ“؛ يخبرنا النبي أن حينها الصخرة انفرجت عن الثلاثة وعادوا إلى أهلهم.
الدروس المستفادة من القصة
في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة الواردة في الحديث الشريف العديد من الدروس المستفادة، أهمها:
- التأكيد على أهمية الإخلاص في الأعمال لله وحده.
- الفضل العظيم لبر الوالديين، فقال الله تعالى: ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا” (الإسراء 23).
- فضيلة العف عن الزنا وعدم مطاوعة النفس، وأن الإنسان الذي يعف نفسه عن الزنا مع مقدرته عليه؛ فذلك من أفضل الأعمال عند الله، كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: “… ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ …” (صحيح البخاري 1423).
- التأكيد على الفضل العظيم للأمانة، فلم يكن الرجل ليعترض إذا أعطاه أجره الذي تركه فقط لكن لأمانته أعطاه نتاج استثماره في ماله كله، وقد مدح الله تعالى صفة الأمانة في المؤمنين وقال: ” وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ” (المؤمنون 8).
- التأكيد على أهمية الدعاء والتجاء لله عز وجل في الأزمات.
- الأخذ بمشروعية التوسل لله عز وجل بالعمل الصالح.
- الإشارة إلى مدى سوء الفقر والحاجة على أخلاق المجتمع الإسلامي، فبالرغم أن المرأة كانت تخاف الله في كل مرة يراودها عن نفسها إلا أنها وافقت تحت تأثير حاجتها إلى المال، وحتى لما سلمت إليه نفسها كانت خائفة من الله أيضًا، فلولا الفقر ما فعلت ذلك.
لهذا شرع الله تعالى الذكاة والصدقات، وجعل للفقراء نصيبًا من بيات المال الذي هو يؤخذ من مال الأغنياء، وحارب الإسلام الفقر بكافة الطرق. - في الحديث الحث على مساعدة الآخرين دون التماس أجر على ذلك.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: قصة أصحاب الأخدود للأطفال
بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال علماء الحديث في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة وشرح الفقهاء للحديث، والدروس المستفادة من القصة، نرجو أن نكون قد وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.