قصة سيدنا موسى عليه السلام
قصة سيدنا موسى عليه السلام من أجمل قصص الأنبياء التي يمكن للإنسان أن يأخذ العبرة والعظة منها، فنبي الله موسى عانى أشد المعاناة في حياته لكي يكتب لقومه النجاة وليهنئوا بما لا يستحقونه على حسابه.
سنتعرف من خلال هذا الموضوع عبر موقع زيادة، إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام بكل تفاصيلها، لكي يتثنى لكل مسلم وغير مسلم أن يعرف من هو نبي الله موسى منذ مولده وحتى وفاته.
قصة سيدنا موسى عليه السلام
إن قصة سيدنا موسى عليه السلام هي قصة واحد من أحب أنبياء الله إليه وهو من أوائل الأنبياء الذي بعثهم الله تعالى لقومه من بني إسرائيل، وإذا أردنا سرد قصة نبي الله موسى عليه السلام فعلينا أن نقوم بتقسيم هذه القصة بشكل منظم ومرتب، لكي يتثنى للقراء فهم واستيعاب ثنايا وتشعبات أو ربما تعقيدات حياة موسى النبي من المهد إلى اللحد، وهذا ما ستوضحه العناوين الآتية:
اسم ونسب سيدنا موسى عليه السلام
قالت المصادر التاريخية في قصة سيدنا موسى عليه السلام أنه هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم سلام الله، وذكرت المصادر بالتفصيل أنه كان لنبي الله إسرائيل أو يعقوب عليه السلام ولد كان يسمى لاوي، ولقد تزوج لاوي من امرأة تسمى نابتة بنت ماري بن يشخر.
أسفر زواج لاوي بن يعقوب عن إنجابه لأربعة أبناء واحد منهم هو قاهث والذي تزوج من فهي بنت مسين بن بتويل بن إلياس، ولقد أنجب منها ولد سماه يصهر ولقد تزوج من فتاة تسمى شميث بنت بناديت بن بركيا بن يقسان بن إبراهيم، فأثمر عن زواجهما إنجاب ولدين وهما عمران بن يصهر وقارون بن يصهر.
تزوج عمران من فتاة تدعى يحيب بنت شمويل بن بركيا بن يقسان بن إبراهيم ولقد أنجبت منه ثلاثة أطفال، وكان من بين الأطفال سيدنا موسى بن عمران عليه السلام ولقد ورد في كتاب الكامل في التاريخ أن زوجة عمران بن يصهر كان متزوجًا من سيدة تدعى يوخابد أو يوكابد وهي والدة النبي موسى.
اقرأ أيضًا: لماذا ابتلع الحوت سيدنا يونس
مولد سيدنا مسى عليه السلام
إن مولد قصة سيدنا موسى عليه السلام تبدأ بمولده الذي يعد معجزة في حد ذاتها، فلقد رتب الله وجعل تراتيب القضاء والقدر كلها مسخرة ومتحدة مع بعضها البعض من أجل أن ينجو النبي الصغير موسى، ذهبت المصادر التاريخية إلى أن النبي موسى قد ولد في عهد الفرعون رمسيس الثاني حاكم مصر 1301: 1234 قبل الميلاد.
كان بنو إسرائيل يقطنون أرض مصر في عهد هذا الفرعون ولقد كان أحد العرافين قد أخبر الفرعون في يوم من الأيام بنبوءة كانت دائمًا ما تقض مضجع الفرعون، وهي أنه سوف يولد في عهده ولد من بني إسرائيل وسيكون على يده زوال ملك الفرعون ونكرانه كإله وسوف يكون له الغلبة والسلطان عليه وعلى أتباعه.
لذا تعمد الفرعون أن ينشر جنوده في الأرض لكي ينكل ببني إسرائيل جميعًا لكونهم في نظره الآن أعداءً له، فأنزل بهم أشد ألوان العذاب من اغتصاب للأراضي والممتلكات وتنكيل بالعيد وهتك للعرض وقتل للأنفس من دون رحمة ولا هوادة، كما أنه قام بمراقبة كل امرأة حامل في مصر وتحين موعد ولادتها، فإذا وضعت المرأة مولودًا أنثى أطلق سراحها أما إذا وضعت ذكرًا فيذبح على الفور خشية أن يكون هذا الغلام هو المقصود في نبوءة العراف.
في تلك الآونة حملت يوكابد والدة موسى به ولكنها خافت عليه من قبل أن تعرف ما إن كان ذكرًا أم أنثى، ففضلت أن تخفي حملها عن جميع الناس فلم يعرف أحد به على الإطلاق وظلت على هذا الحال حتى حان وقت الولادة ووضعت نبيًا صغيرًا، كتب عليه أن يعاني في حياته على الأرض وأن يكتب من أولي العزم من الرسل عند الله في السماء وهو موسى عليه السلام.
نجاة سيدنا موسى عليه السلام
فوجئت يوكابد أنها وضعت مولودًا ذكرًا فخافت عليه من أن ينال منه جنود الفرعون ولقد كان موسى الرضيع في حالة هادئة، لم يبك عند ولادته كحال سائر البشر ولم يكن بكاءً كطبيعة الصغار في عمره، بل على العكس تمامًا كان طفلًا هادئًا إلى أقصى حد ولعل ذلك من رحمة الله بنبيه الرضيع، لأنه إذا كان قد بكى مثل الأطفال لكان انتبه إلى صوت بكائه جنود الفرعون وقتله على الفور.
لم تجد يوكابد حلًا غير أن تبكي وتشكو أمرها إلى الله فأوحى الله إليها بأن تضع صغيرها في صندوق صغير بعد أن ترضعه حتى يشبع وأن تلقي به في ماء النيل، وليس عليها بالخوف أو الحزن والقلق عليه فالله متولي أمره وله الأمر من قبل ومن بعد ولقد ورد هذا بالنص في سورة القصص في قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ لْمُرْسَلِينَ)
استجابت يوكابد لأمر ربها وجاوبته طائعة وفؤادها يترجف ويكتوي بالخوف على رضيعها وذلك وفق قوله تعالى في سورة القصص (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فقامت بربط الصندوق الصغير بحبل لكي تتمكن من جذبه وإرضاعه من وقت لآخر، وبذلك تكون قد اطمأنت عليه وفي نفس الوقت تكون قد نجحت في إخفائه عن أعين جنود فرعون، وظل الوضع على ذلك لأيام حتى انقطع الحبل وقذف النيل بالصندوق إلى أمام قصر الفرعون.
انتبهت لوجود صندوق عند حافة القصر من جهة البحر ابنة الفرعون الصغيرة فنادت أمها آسيا بنت مزاحم رضي لها عنها، وأخذن الصندوق فإذا بداخله رضيع غاية في الجمال وما إن علم زوجها الفرعون بذلك حتى أمر بذبحه، وبعد توسلات كثيرة من آسيا وبناتها للفرعون وافق أخيرًا على الاحتفاظ به دون ذبحه، كما نصحته آسيا بأن يتخذاه ولدًا لهما لأن الله لم يرزقهما بالبنين.
لقد ورد ذكر ذلك الحدث في قول الله تعالى في سورة القصص (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)
اقرأ أيضًا: كيف كلم الله موسى
النبي الصغير في بلاط الفرعون
واجه الرضيع موسى مشكلة الجوع ولقد أتت آسيا وزوجها الفرعون بمرضعات كثيرات لكي يقمن بإرضاعه ولكنه كان يستنفر منهم، وكانت أخت موسى في ذلك الوقت تعمل في خدمة آسيا في قصر الفرعون فوجدت أن ذلك هو التوقيت الأنسب لكي تعيد أخيها إلى أمها، فتدخلت قائلة بأنها تعرف مرضعة فقيرة من بني إسرائيل يمكنها أن تتكفل بإرضاعه ولن تسألهم أجرًا عن ذلك.
وافقت آسيا ووافق معها الفرعون وأتت أخت موسى بأمها إليه وأرضعته حتى شبع تمامًا وقامت هي بكفالته لكي يطمئن الله قلبها على طفلها وفي ذلك صدق لوعد الله والدليل عليه هو قوله تعالى (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) لقد كان الفرعون خائفًا متحفظًا من ذلك الطفل الصغير ولكن هذا لا ينكر حقيقة أنه راعاه وأحبه كل الحب مع هذا استمر في شكه وريبته من أمر ذلك الطفل.
ذكر أنه في إحدى المرات كان الفرعون يراقب موسى الرضيع ولاحظ أنه طفلًا غير طبيعي وأراد أن يقتله ولكن زوجته منعته من ذلك، وقال الفرعون إن هذا الرضيع واعٍ بصورة غير طبيعية ولإن تأكد له ذلك لقتله على الفور، ومن أجل أن يتأكد أتى بقطعة من الحلوى ووضعها في يده وفي اليد الأخرى كانت هناك جمرة صغيرة من النار.
موسى نبي ولكنه في نفس الوقت طفل رضيع ولقد شاء الله أن يتصرف موسى الرضيع هنا كأي طفل عادي لكي ينجو من الذبح للمرة الثانية، فمد الفرعون يده إلى موسى وظن أنه سوف يلتقط الحلوى لينجي نفسه من الجمرة وبذلك يتأكد حدسه وظنه فيقوم بقتله، ولكن ما حدث هو أن توهج الجمرة لفت عين موسى الطفل فأخذها ووضعها في فمه فاحترق، وقيل إن هذا السبب هو الذي جعل موسى عليه السلام غير طليق اللسان ويعاني من اللدغات الكثيرة وعدم وضوح كلامه وتلعثمه.
موسى عليه السلام قاتلًا بريئًا
لقد شب موسى عليه السلام وترعرع في قصر الفرعون ومع أمه في آن واحد ولقد أحبه الجميع وشهدوا له بحسن خلقه ولين طبه ونقاء قلبه، وذات مرة كان يسير في المدينة فرأى رجلان يتصارعان معًا كان أحدهما مصريًا من أتباع فرعون بينما كان الثاني من بنو إسرائيل وكان المعتدي هو القبطي المصري فاستنجد الإسرائيلي بموسى.
هب موسى عليه السلام مسرعًا لكي ينقذ الإسرائيلي من بطش القبطي فقام بوكزه فمات القبطي، وفي الحقيقة ما كان لنبي الله موسى أن يكون قاتلًا أبدًا وهو لم يتعمد قتل القبطي، ولكن صادف وقت أجله الوكزة التي وكزه إياها موسى فخر صريعًا على إثرها، فحزن سيدنا موسى كثيرًا لأنه لم يتعمد ذلك وظل في شوارع المدينة خائفًا مما حدث.
وصلت أنباء ما فعله موسى إلى قصر الفرعون الذي أمر جنوده بالقبض على موسى والإتيان به إليه على الفور، وكان يريد معاقبته لأن فعلته تلك ستكون سببًا في تجرؤ بني إسرائيل العبيد على سادتهم أقباط مصر، وكان هناك أحد الفتيان الذين تربطهم بسيدنا موسى علاقة ود وإيمان بأن موسى سوف يكون نبيًا لهذه الأمة، فأخبر موسى عليه السلام بأن الفرعون يبحث عنه ليقتله فهرب موسى إلى أرض مدين وعانى الأمرين في سفره هذا.
اقرأ أيضًا: أين يوجد قبر سيدنا آدم
موسى عليه السلام في أرض مدين
جزء كبير من قصة سيدنا موسى عليه السلام يرتكز على رحلته إلى أرض مدين، فهو سار إليها هاربًا ولم يكن قد أعد العدة للسفر وجهز ما يتزود به في الطريق، فلقي في طريقه مشقة وتعب بالغيين حتى خارت قواه تمامًا، فجلس على مقربة من بئر للماء ليستريح عنده من تعب وعناء السفر، وأثناء جلوسه رأى فتاتين على مرمى بصره ترعيان الأغنام.
كانت هاتان الفتاتان تحاولان سقاية الغنم وكان يعترض طريقهما صخرة كبيرة تحتاج لقوة كبيرة من أجل دفعها لسقاية الأغنام، فرأى سيدنا موسى أن يذهب إليهما من أجل المساعدة ففعل ذلك وقام بسقاية غنمهم فشكرتاه وانصرفتا، وعادت البنات إلى والدهن والذي قالت بعض المصادر أنه نبي الله شعيب عليه السلام وقصتا عليه ما فعله معهم ذلك الشاب الغريب الشهم.
طلب والد الفتيات منهن أن يذهبن ليحضرن له ذلك الشاب ليشكره بنفسه فذهب إحداهن إلى موسى وأحضرته إلى والدها، ولقد حكى موسى عليه السلام قصته بالكامل لذلك الرجل الصالح فقرر أن يستضيف موسى عنده ويكرم مثواه حتى أنه طلب منه أن يزوجه إحدى ابنتيه وتدعى صفورا، وأن يستأجره عنده لثماني سنوات.
ذلك وفقًا لما أورده الله سبحانه وتعالي في كتباه العزيز بسورة القصص (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)
نزول الوحي على موسى عليه السلام
في إحدى الليالي كان موسى عليه السلام قائمًا يرعى الأغنام وأراد سيدنا موسى أن يشغل بعض النار للتدفئة مع أهله وزوجته التي كانت قد أوشكت على الولادة، ولكن وفقًا لما أورده بن كثير أن تلك الليلة كانت ماطرة راعدة بارقة الريح فيها عاتية، مما جعل جميع محاولات موسى في إشعال النار تبوء بالفشل الذريع.
في ذلك الحين رأى موسى عليه السلام نور يأتي من الأفق البعيد في وسط الظلام، فاستبشر به خيرًا فذهب إليه لكي يجد أحدًا يدله على الطريق ويرشده وذلك وفقًا لما أورده سبحانه وتعالى في سورة طه (إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)
عندما ذهب موسى رأى أن مصدر ذلك النور هو نار في شجر تسمى بالعليق، فاقترب منها فإذا بوحي الله يهبط عليه قائلًا كما ورد في سورة طه (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ)
فزع وهلع موسى من هول ما تعرض له ولكي يصدق ما هو فيه طلب من الله أن يراه وكان ذلك عند جبل الطور في سيناء، وذلك وفقًا لما أورده العزيز الحكيم في سورة الأعراف (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)
بداية دعوة موسى عليه السلام
جدير بالذكر عند سرد قصة سيدنا موسى عليه السلام أنه من هنا بدأت دعوة النبي موسى حقًا، فلقد أمره الله بأن يرجع إلى أرضه مرة أخرى ليدعو فرعون إلى سبيل الهداية ولك يحد من طغيانه، ولكن وسى عليه السلام كان يعاني من عقد كثير في اللسان فلن يكون فصيح الكلام طليقًا بما يكفي لكي يدعو قومه، فطلب من الله أن يجعل من أخيه هارون عونًا له في دعوته فهو أفصح منه لسانًا، فأجابه الله بما طلبه وبعث أخوه معه ليكون له نصيرًا ظهيرًا، وهذا ما ورد في سورة طه (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى)
عاد موسى وأخيه هارون عليهما السلام إلى أرض مصر مرة أخرى لكي يلقيا الفرعون بعد مدة غياب استمرت لسنوات طويلة، فدخل كلاهما عليه في قصره وعرفه موسى بنفسه وقدم نفسه على إنه رسول من الله إليه وأنه نبي أمته وبعث فيهم ليكون لهم هاديًا، فسخر منه الفرعون وطلب منه أن يبرز له بعض معجزاته ليبرهن على صدقه إن كان صادقًا بالفعل.
اقرأ أيضًا: دعاء الخضر عليه السلام لقضاء الحوائج
موسى وسحرة فرعون
أوحى الله إلى موسى أن يلقي بعصاه إلى الأرض فتحولت إلى أفعى ثم أدخل يده إلى جيبه فخرجت بيضاء للجميع فلم يستطع الفرعون أن ينظر إليها من شدة توهجها، وذلك ما أورده الله سبحانه وتعالى في سورة القصص (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى)
لما رأى فرعون ذلك ظن كل الظن أن موسى ساحرًا وليس نبيًا كما يدعي فقام بجمع السحرة لكي بارزوا موسى في سحره، فجمعهم بالفعل وطلب من كل واحد منهم أن يقوم بإلقاء عصاه فتحولت كل عصيهم إلى ثعابين، وما أن أتى الدور على موسى فألقى بعصاه فتحولت إلى حية كبيرة وقامت بالتهام ثعابين السحرة في لمح البصر.
آمن السحرة كلهم في تلك اللحظة بما أنزل على موسى وما جاء به وخروا ساجدين، فاستشاط الفرعون غضبًا منهم لكونهم آمنوا به قبل أن يأذن لهم بذلك فأنكروا عليه أفعاله وطغيانه، وهذا ما أكده قوله تعالي في سورة طه (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَىٰ قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ)
موسى عليه السلام وإيمان بني إسرائيل
إن قصة سيدنا موسى عليه السلام تجعلنا جميعًا نقف عندها فكيف لشخص متلعثم اللسان هاربًا من جريمة قتل ولا أحد له أن يواجه طاغية من أشد وأبشع طغاة الزمان، فلقد آمن معه كل بني إسرائيل ولقد عانوا أشد المعاناة من شر ما أنزله بهم فرعون، وذات مرة أراد الفرعون أن يقوم بقتل موسى وكان هناك رجل من آل فرعون كان قد آمن بموسى ولكنه كتم إيمانه خوفًا من شر وبطش الفرعون به.
في ذلك الحين أراد فرعون أن يفتك بموسى وعزم أمره على ذلك فأتاه ذلك الرجل ومنعه عن القيام بتلك الفعلة وهذا ما ورد في سورة غافر (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) وكان قوله هذا هو الرادع لما عزمه الفرعون ولكن بالرغم من ذلك استمر في التنكيل بأتباع موسى.
لقد استمر فرعون على كفره وعناده بالرغم من كل ما جاءه من بينات فعلى سبيل المثال جاء بوزيره هامان وطلب منه أن يأتي بأفضل المهندسين المعماريين لكي يقيم له صرحًا عالِ البناء، لعله عندما يقف فوقه يستطيع أن يرى إله موسى المزعوم وذلك كما أورده الله تعالى في سورة القصص (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
موقف السيدة آسيا من دعوة موسى
كما صبر بنو إسرائيل وتحملوا الويلات وقاسوا العذاب ولقد سمي فرعون في القرآن بذي الأوتاد لأنه كان يربط من آمن بموسى بأوتاد أربعة، وكذلك كان تصرفه مع آسيا زوجته الذي جهرت بإيمانها بموسى في خضم الصراع القائم بينه وبين الفرعون، فعذبها فرعون أشد العذاب لكي تتوب وترجع عن إيمانها ولكنها أبت أن تفعل ذلك، وكانت أثناء تعذيبها تنظر للسماء وتترجوا من الله أن يبني لها بيتًا في جنته وان ينجيها من فرعون وقومه الظالمين، وذلك وفقًا لما ورد في قول الله تعالى في سورة التحريم (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
ظلت آسيا على ذلك حتى أتوا بأعظم حجر وجدوه ثم وضعوه على جسدها ولكنها في ذلك الحين كانت روحها قد فاضت إلى بارئها، فلم تشعر بشيء وقد كتبها الله عنده من خير نساء الجنة.
موسى عليه السلام ومعجزة شق مياه البحر
استكمالًا لحديثنا عن قصة سيدنا موسى عليه السلام نقول إن سيدنا موسى قد شق عليه الأمر كثيرًا ويأس كل اليأس من هداية فرعون الطاغية، أوحى الله له بأن يأخذ معه أخوه هارون ومعهم من آمن من قومه إلى جانب جبل الطور الأيمن من دون أن يعلم الفرعون وآله ومن معهم من أقباط مصر.
لكن عندما بلغوا البحر علموا أن الفرعون قد عرف بأمرهم وقد لحق بهم بالفعل فدب الفزع بين صفوفهم وهلعوا من ذلك، فطمئنهم موسى بقوله كما ورد في سورة الشعراء (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
هنا أوحى الله في قصة سيدنا موسى عليه السلام له بأن يضرب بعصاه البحر، فإذا بالبحر ينشق إلى نصفين وصار فيه اثنا عشر طريقًا ليسير فيه موسى وأتباعه من بني إسرائيل فارين من فرعون وجنوده، فعبروا تلك الطرق في أمان من الله ومأمن من فرعون وجنده.
هنا نزل جبريل عليه السلام على حصان أنثى ولكنهما لم يكونا مرئيين فاشتمت خيل فرعون وجنده رائحتهم فلحقوا بها إلى داخل البحر المنشق، وما أن عبروا الطريق حتى عاد البحر إلى وضعه الطبيعي وابتلع فرعون ومن معه وكان وقت غرقه يصيح بأنه آمن برب موسى، وهذا ما ورد في سورة يونس (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
إن تلك القصة كانت ولا زالت عبرة لمن يعتبر ولا زالت نكالًا للآخرة والأولى لكل من يكذب بالله، فلقد وعد الله بأن ينجي جسد فرعون ويبقى سليمًا لكي يكون عبرة وآية لمن يأتي من بعده، وقد ورد أيضًا في سورة يونس (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)
إن متتبعي التاريخ الفرعوني اضطلعوا على تلك القصة بالكامل وقرأوا ما جاء عنها في القرآن الكريم الذي نزل منذ ما يزيد أن ألف 1450 عامًا ميلاديًا، وذلك مؤخرًا عندما وجدوا مومياء الفرعون المحنطة واضحة المعالم وبالتشريح ثبت فعلًا أنه قد مات غريقًا، مما كان سببًا في إسلام الكثير من العلماء والمؤرخين، ولا تزال مومياء الفرعون محفوظة حتى الآن في المتحف المصري بالقاهرة وهي على الهيئة الموضحة في الصورة التالية.
موسى وعين المَلَك عزرائيل
في إطار الحديث عن قصة سيدنا موسى عليه السلام من الضروري أن نذكر قصة سدينا موسى عليه السلام مع عين الملك عزرائيل ملاك الموت، وهي أن الله قد بعث عزرائيل عليه السلام إلى سيدنا موسى متمثلًا على هيئة رجل عادي، فدخل على موسى النبي وقال له أن الله قد بعث به إليه لكي يقوم بقبض روحه.
فزع موسى من ذلك وضربه حتى قام بفقم عينه فرجع عزرائيل إلى الله وقال له أرسلتني لعبد لا يريد الموت فرد الله إليه عينه مرة أخرى، ثم قال له أن يرجع على موسى مرة أخرى وليسأله هل يريد الحياة أم الموت فلما فضل موسى عليه السلام الحياة قال له الله أن يذهب إلى ثورٍ وله في كل شعرة تغطي يده سنة كاملة من الحياة.
سأل موسى عزرائيل عليه السلام عن الذي ينتظره بعد الحياة فأخبره أن الموت قادم لا محال في ذلك، فطلب سدينا موسى من الله حينها أنه عندما يموت يريد أن يدفن في موطن قريب من بيت المقدس المبارك، وفي ذلك ورد في رواية مسلم “ عن أبي هريرة قال: أُرسل ملك الموت إلى موسى ـ عليه السلام ـ فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم مه؟ قال: ثم الموت، قال فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر“
اقرأ أيضًا: أين يوجد قبر سيدنا آدم
هارون خليفة لموسى وقصة السامري
كان لهارون عليه السلام دور كبير في قصة سيدنا موسى عليه السلام، فإنه كان قد استخلفه على بني إسرائيل حتى يذهب هو إلى الطور لكي يتكلم مع الله تعالى وفي ذلك الحين كان بنو إسرائيل قد لقوا قومًا يعبدون الأوثان، وكان موسى قد غاب عنهم لمدة أربعين يومًا وقاموا في اليوم العشرين من تلك المدة باتخاذ إله آخر غير الله.
ظهر رجل من بني إسرائيل وكان يدعى السامري وقد قام بصناعة عجل من الحلي والذهب الخالص، وقال لبنو إسرائيل هذا إلهكم فاعبدوه فاستجابوا لدعوته بالفعل ولقد نهاهم هارون عليه السلام عن ذلك ولكنهم لم يستمعوا إليه وكادوا أن يقتلوه.
رجع موسى عليه السلام ولامه على ما حدث وسأل السامري عما فعله وأجابه بأنه يملك بصيرة لا يملكها أحد من رجال بني إسرائيل جميعًا، فأخذ موسى بالعجل وحرّقه تمامًا حتى جعله رمادًا منثورا، وتوعد للسامري بجزاء شديد له عما فعله وذلك ما ورد بالفعل في سورة طه في قوله تعالى (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)
غضب موسى عليه السلام من قومه غضبًا شديدًا لما فعله قومه بعد ما شملهم عطف الله ورحمته من قبل، ومن فرط غضبه في تلك اللحظة أخذ جميع الألواح التي آتاه الله إياها وكتب عليها أحكام الله في التوراة وألقى بها جميعًا ولكنه لم يكن متعمدًا ذلك، إلا أنها لما هدأ قليلًا رجع إلى الله واستغفره لنفسه ولأخيه.
قصة سيدنا موسى عليه السلام مع البقرة
كان في بني إسرائيل رجل ثري لا ولد له ولقد قتل على يد أحد أقاربه من أجل أن يجني ميراثه، فادعى القاتل البراءة وذهب إلى سيدنا موسى عليه السلام يخبره بأمر موت أو مقتل قريبه طالبًا منه القصاص لمقتله ولم يكن لدى سيدنا موسى علم بأي شيء، فما كان من سيدنا موسى إلا أن جمع بني إسرائيل وقص لهم ما حصل فلم يجد عندهم علمًا بشيء.
إذا بموسى عليه السلام يقول لقومه وقد أوحى الله له بذلك أن يقوموا بذبح بقرة، فتعجب قومه من ذلك وظنوا أنه يستهزأ أو يسخر منهم فنفى ذلك عن نفسه، فسألوا عن أوصافها فأخبرهم بأنها بقرة ليست بصغيرة السن وليست بمسنة بل متوسطة في العمر، لها لون أصفر نقي ولم تتخذ مسبقًا من أجل العمل في سقاية الأرض ولا عيب فيها مطلقًا.
بعد جدال طويل من بني إسرائيل ذبحوا البقرة وقاموا بضرب الضحية المقتول بعظامها فبعث مرة أخرى ونطق وقال باسم قاتله فقاموا بقتله جزاءً له بما فعل وفي تلك المعجزة من قصة سيدنا موسى عليه السلام قال الله تعالى في سورة البقرة
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ*قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ*وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّـهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ*فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر
إن سرد قصة سيدنا موسى عليه السلام بالكامل لا ينبغي أن تخلو من قصته مع الخضر، وهي أنه في مرة خطب في بنو إسرائيل فسأله أحدهم هل هناك من هو أعلم منك في الناس يا موسى فأجاب سيدنا موسى بالنفي، ولقد أخطأ في ذلك فعاتبه الله ولامه وأخبره أنه هناك بالفعل من هو أعلم منه.
توسل موسى إلى الله لكي يعرفه بذلك الشخص فأجابه الله بأنه عبد صالح يدعى الخضر وإذا أراد أن يلقاه لكي يأخذ من علمه فعليه أن يذهب عن موضع التقاء البحرين، وستكون علامته أن ينسى الحوت والحوت هنا هو سمكة طبيعية ولقد حدث ذلك بالفعل فانطلق ومعه يوشع بن نون وهو غلام اصطحبه معه ليكون رفيقًا في السفر وخادمًا له.
عاد الخضر مع يوشع إلى الصخرة فوجد عندها الخضر عليه السلام فطلب منه أن يصحبه معه لكي يعلمه مما قد علمه الله، فأخبره الخضر أنه لا يطيق صبرًا واشترط عليه إنه إذا صحبه معه لا يسأله عن شيء حتى يخبره هو عنه بنفسه، وذهب فعلًا معه فركبا معًا في سفينة فقام الخضر بثقبها ففزع موسى مما فعله الخضر وقاطعه لكي يستنكر عليه ما فعل.
أجابه الخضر بأنه سبق وأخبره أنه لن يصبر على ما سيراه فاعتذر منه موسى وأكملا سيرهما، وصل الخضر وموسى إلى مكان وفيه غلمان يلعبون فقام الخضر بقتل واحد من هؤلاء الغلمان ففزع موسى متعجبًا من تصرف الخضر واستنكر عليه فعلته ولامه عليها فقال له الخضر أنه لن يستطيع معه صبرا فاعتذر موسى مجددًا، وقال له إنني لو سألتك عن شيء بعدها فتخلى عن مصاحبتي.
أكملا الرفيقين سفرهما حتى وصلا على قرية وكان الجوع قد تملكهم فطلبوا من أهلها أن يطعموهم فرفضوا لشحهم وبخلهم الشديد فوجد الخضر هناك جدارًا على وشك أن يسقط فعزم أمره على أن يرممه، فاستفز ذلك التصرف موسى عليه السلام فلامه على ذلك وكان هذا نهاية للعهد الذي قطعه مع الخضر فقرر الخضر ألا يكمل رحلته مع موسى وأن يخبره عن سبب كل تلك التصرفات الغريبة، والمبررات الواضحة هي ما أوردها الله تعالى في سورة الكهف (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا*قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا*وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا*قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا*قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا*فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا*قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا*قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا*فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا*قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا*قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا*فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا*قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا*أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا*وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا*فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا*وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرً)
اقرأ أيضًا: من هو النبي إسرائيل عليه السلام
موت نبي الله موسى عليه السلام
لقد اختلفت الآراء حول حقيقة موت أو نهاية قصة سيدنا موسى عليه السلام، ولقد تلخصت تلك الآراء في ثلاثة فقاط وهي:
- روى القرطبي في حديث له عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن قصة سيدنا موسى عليه السلام تنتهي بموته مع أخيه هارون عليه السلام، وأن سيدنا هارون قد مات قبل موسى ودفنه في أحد الكهوف، كما أضاف الحسن البصري أن قصة سيدنا موسى عليه السلام لم تنته بوفاته في التيه.
- قال الثعلبي أن قصة سيدنا موسى عليه السلام تنتهي بفتحه أريحا ومكوثه فيها لفترة من الزمان حتى توفاه الله ولا يعلم أحد أين يوجد قبره، ولقد استند في قوله هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن قبر موسى عليه السلام في جوار الكثيب الأحمر، كما ذهب البعض إلى أن الله تعالى قد أخفى عن الناس موضع قبر موسى لكي لا يتخذوه مكانًا لعبادته.
- ذهب فريق آخر من العلماء إلى أنه في إحدى الأيام قد رأى موسى عليه السلام جماعة من الملائكة الكرام، وكانوا يقومون بحفر قبر لا مثيل له في الزهاء والخضرة والنضارة فسألهم لمن يكون ذلك القبر، فأخبره أنه سيكون لواحد من عباد الله الصالحين المكرمين عند الله فتمنى عندها أن يكون هو ذلك العبد، فنزله وبقي فيه ففاضت روحه عندها إلى بارئها لكي تنتهي هنا قصة سيدنا موسى عليه السلام.
بعد معرفة قصة سيدنا موسى عليه السلام علينا جميعًا أن ندرك حقيقة أن هذا النبي يستحق فعلًا، أن يكتب في الأرض وفي السماء وفي كل دين سماوي على إنه من أولي العزم من رسل الله.