حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية

حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية ينبغي على المسلم أن يعرفه، فالمالكية من المذاهب الفقهية الأربعة التي جاء توضيحها المختلف لأمور الدين رحمةً للناس، فكما أن الإسلام شرع الزواج لحكم بالغة جليلة، فإنه أيضًا وضع حدودًا وضوابط للأمور بين الزوجين، حتى يكونا على الفطرة السليمة التي أمرهما الله بها، ومن خلال موقع زيادة سنتحدث عن حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية عبر السطور المقبلة.

حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية

حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية

يختلف البعض في حكم إتيان الزوجة من الدبر فمنهم من يقول إن كان برضاها فلا إثم في ذلك، أما إن كان على غير رضاها فهو محرم، ولكننا نشير إلى الرأي الجامع والأرجح المستند إلى السنة الشريفة والقرآن الكريم، أنه أمر محرم، سواء في حالة رضا الزوجة أم لا، بل أنه محرم أكبر في حالة غير رضاها لأنه يعد في هذه الحالة تعذيبًا لها.

الجدير بالذكر أنه ذهب جمهور العلماء والمذاهب سواء المالكية أو الحنفية أو الشافعية أو الحنابلة، إلى تحريم إتيان الرجل لزوجته في دبرها، فعند المالكية نجد التالي:

  • جاء في مواهب الجليل: أن وطء الرجل لزوجته في الدبر لا يجوز فعله وهو محرم تمامًا.
  • جاء في شرح الخرشي: أن يجوز للرجل أن يتمتع بظاهره ولكن الإيلاج نفسه محرم.

كذلك في بقية المذاهب أتفقوا على حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية، كما تقول دار الإفتاء المصرية إن إتيان الرجل لزوجته في دبرها حرام شرعًا، وإن كان ذلك بين رجل وامرأة أجنبية غير زوجته فهو من قبيل الزنا.

لا يوجد حد أو كفارة على من قام بهذا الفعل وأتى زوجته من دبرها، ولكن ذهب الأئمة الأربعة إلى وجوب تعزيز هذا الفعل، بمعنى العقاب بعقوبة تقديرية يقدرها الحاكم، وهو ما أتفق عليه الإمام مالك وأبو حنيفة وابن حنبل، لكن الإمام الشافعيّ ذهب أن تكون المعاقبة في حالة تكرار الأمر.

كما نجد ابن تيمية مثلًا ذهب إلى أن من يقوم بإتيان زوجته من دبرها، وعن رضاها، فيتم معاقبتهما معًا من الحاكم جزاءً لهما، وفي حالة عدم إحجامهم عن هذا الفعل والامتناع عنه، فيتم التفريق بينهما.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم زواج الرجل على زوجته بدون سبب

الحكم في السنة النبوية الشريفة

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا ينظرُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى رجُلٍ أتى رجُلًا أو امرأةً في دُبُرِهَا” (صحيح الترغيب)، دلالة على نهي الإسلام عن كل الأفعال الخبيثة والشاذة عن الفطرة، والحث على كل ما هو مستحسن وجميل للنفس.

يذهب الحديث إلى الإشارة لعدم نزول الرحمة الإلهية لمن يفعل مثل هذا الأمر، سواء لرجل غيره كفعل قوم لوط الذي فيه خروجًا عن الفطرة السليمة، أو أن يقوم بذلك لزوجته لأنه فعل فيه مخالفة أيضًا للطبيعة البشرية، وفيه قطع للنسل؛ لأنه ليس في القُبل والقبل مكان للولد.

في حديث آخر أنه عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في قولِهِ: “نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يعني صِمامًا واحدًا” (صحيح الترمذي)، يشير أيضًا إلى أن المكان الفطري الصحيح المنصوص عليه في الشريعة الإسلامية هو إتيان الرجل لزوجته في مكان القبل.

كما أن فيه دلالة على أن الإتيان في الدبر أمر قبيح وله أضرار كثيرة، ودائمًا ما ينهي الإسلام عن كل ما هو يضر بالمرء.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أنَّ رجلًا سألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن إتيانِ النساءِ في أدبارِهنَّ أو إتيانِ الرجلِ امرأتَهُ في دُبُرِهَا فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حلالٌ فلمَّا وَلَّى الرجلُ دعاهُ أو أمَرَ بهِ فدُعِيَ فقال كيفَ قلتَ في أيِّ الخُربَتَينِ، أو في أَيِّ الخَرَزَتَينِ، أو في أَيِّ الخَصْفَتَينِ أمن دبرِها في قُبُلِهَا فنعم أم من دبرِها في دبرِها فلا فإنَّ اللهَ لا يستحيى من الحقِّ لا تأتوا النساءَ في أدبارِهنَّ” (صحيح).

فالموضع الأمامي للمرأة هو موضع الحرث والذرية، لذا أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر، حتى لا يكون فيه تأويل أو شك، فحرم تمامًا ونهى عن الإيلاج في الدبر، كما أنه أوضحه توضيحًا صريحًا لا تعميم أو شك فيه.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة للأمام والمأموم

آثار إتيان الزوجة من الدبر

إن الإتيان في الدبر بالنسبة للمرأة فيه أضرار كثيرة لها ولزوجها، فالبعض في غير موضع شبه الأمر باللوطي المصغر، إشارة إلى فعل قوم لوط ولكن بشكل مختلف، لأنهما يشتركان في مخالفة الفطرة السليمة التي أمرنا الله بها.

كما أن هذه الفاحشة تعمل على قلة النسل، مما فيه مخالفة لأمر الله بإعمار الأرض وإنجاب الذريات الصالحة، علاوةً على إفساده للحياة الزوجية إن كان على غير رضا أحد الزوجين، ومع كل ذلك فإن فيه داء خطير وهو إفساد حلقة الدبر، وتعرضها للأذية والأمراض، وفي هذا الأمر يطول الشرح لكثرتها وخطورتها على الزوجة والزوج.

نشير إلى أن من حكمة الله -تعالى- في تحريم الإيلاج في الدبر جاءت نتيجة لنتائجه لغير محمودة، فعلاوةً على ما يسببه من أضرار، فهو يُمكن من تعلق القلب به بصورة تجعل المرء في صراعًا نفسيًا ما بين الوقوع في المنكر أو عذاب النفس بالوقوف ما بين ترك المحرم أو الوقوع فيه إرضاءً للنفس.

في إطار الحديث عن حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية نشير إلى أنه إذا كان إتيان المرأة وهي حائض في موضع الحرث المحلل الذي هو القُبل حرام؛ لأنها في نجاسة عارضة وهي فترة الحيض، فما بال موضع النجاسة الدائمة وهو موضع الدبر، فهو حرام كما يحرم على المرأة أن تطيع زوجها في ذلك لمجرد رضاه أو إمتاعه.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم تقبيل الزوجة من الفم في نهار رمضان

ماذا يجب على المسلم أن يفعل؟

الأصل أن الإسلام أباح للزوجين أن يستمتع أحدهما بالآخر كيفما شاءوا، وفق الضوابط الشرعية التي حددها، فمجرد الاستمتاع دون إيلاج أو إتيان الرجل لزوجته من الدبر، فلا يوجد عليهما إثم، ولكن يتطلب الأمر القليل من ضبط النفس والتحكم فيها، والمفضل أن يبتعد الرجل عن هذه المنطقة فلا ينزلق إلى ما لا يحمد عقباه، أما إذا كان إتيانها من دبرها عن عمد فهذا هو الأمر المحرم باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة.

تدليلًا على ما سبق نستند إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ” (صحيح البخاري).

لا توجد كفارة للفعل الذي أكبر من أن يُكفَر عنه، فالكفارة تكون في الأمور المشروعة في الأصل ولكن الممنوعة في الوصف، كأن يجامع الرجل زوجته في نهار رمضان مثلًا، فكفارته هنا صيام شهرين متتابعين، لأن جماع الزوجة حلال في الأصل ولكنه محرم فقط في شهر رمضان، أما الأمور المحرمة على الدوام، الغير مشروعة لا بالأصل ولا بالوصف، فلا كفارة لها غير التوبة النصوحة.

إن جماع الزوجة وإتيانها في دبرها محرم باتفاق الأئمة الأربعة، وبالاستناد إلى الكتاب الكريم والسنة الشريفة، كما أنه لا يوجد كفارة على جماع الرجل لزوجته من الدبر سوى أن يتوبا توبة نصوحة إلى الله من ذلك المنكر، والإكثار من الحسنات وصالح الأعمال؛ لأن الله -عز وجل- يمحو بها السيئات.

فلا يُكفر الكبائر إلا التوبة الصادقة فيجب أن يترك الزوج والزوجة هذا الذنب امتثالًا إلى مراد الله -عز وجل-، كما يجب الندم على فعلته سابقًا، والعزم على عدم الانجراف له لاحقًا، ومن ثم الاجتهاد في تهذيب النفس والعمل الصالح.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم النقاب على المذاهب الأربعة

بعد أن قمنا بتوضيح حكم إتيان الزوجة من الدبر عند المالكية، نشير إلى أنه يجب على المسلم أن يدرك حقائق الأمور وما وراءها، وألا ينساق وراء نفسه الأمارة بالسوء أو تهوين الشيطان له للمنكرات أمام عينيه وعدم الالتزام بحدود الله ليكن من الخاسرين، كما أن جزاء الصابرين عن المنكر عند الله في جنة النعيم وما فيها مما تشتهيه الأنفس، ونرجو أن نكون قد قدمنا لكم النفع والفائدة.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.