حكم الرجوع في الصلح
ما هو حكم الرجوع في الصلح؟ وهل لعقد الصلح شروط محددة؟ على من يقيم على أراضي المملكة العربية السعودية أن يكون ملمًا بكل أجوبة تلك الأسئلة سواءً كان وافدًا أو مواطنًا لكي يعرف كل ما هو متعلق بالصلح القانوني وفقًا لقوانين المملكة، والآن سنجيب عن كل تلك التساؤلات بشيء من الدقة والتفصيل من خلال موقع زيادة، موضحين ما هو دور الصلح وأثره على الفرد وعلى المجتمع.
حكم الرجوع في الصلح
لقد حددت وزارة العدل في المملكة العربية السعودية حكم الرجوع في الصلح وقالت بأنه لا يجوز التراجع في الصلح، وذلك في حال تم إبرامه بالفعل طالما كان عقد الصلح لا يخالف أي من مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا وفقًا لما أوردته وزارة العدل السعودية في النصوص القانونية الخاصة بها وبالتحديد في البنود القانونية الخاصة برفع الخلاف، أما في حال لم يبرم الطرفان عقدًا بالصلح فيجوز لأحدهما أو كليهما الرجوع في الصلح.
اقرأ أيضًا: تقديم شكوى للمحكمة الكترونيا
شروط عقد الصلح
عرفنا ما هو حكم الرجوع في الصلح وفقًا لقوانين المملكة العربية السعودية، ومن الضروري أيضًا أن نوضح مجموعة الشروط التي يجب استيفاؤها من أجل أن يتم إبرام عقد الصلح لكي يكون صلحًا صحيحًا، وتلك الشروط تتلخص في:
- التكليف أي أن يكون كلًا من أطراف الصلح عاقلًا بالغًا حيث إنه لا يجوز عقد الصلح في حال كان واحدًا من أطراف الصلح قاصرًا أو صبيًا أو مجنون، فهنا تكون الأطراف كلها أو واحد منها تصرفاته غير معتبرة من الناحية الشرعية وهذا يعني بطلان عقد الصلح.
- عدم وجود أي ضرر ظاهر ففي حال كان عقد الصلح مبرمًا بين أحد الأطراف وشخص بالغ وصيّ على طفل، فهنا يشترط لشرعية عقد الصلح وصحته أن يكون هذا الصلح لا يسبب أي ضرر مادي أو معنوي لهذا الطفل.
- أن يتم إبرام الصلح بالرضا من قبل الطرفين.
- لا يصح إبرام العقد الحرام أي الصلح عن الدين الشرعي من خلال شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير.
- ألا يكون عقد الصلح محلٍ لما هو حرام أو محرم لما هو حلال لأن هذا منافٍ لمبادئ الشريعة الإسلامية ويكون العقد بذلك باطلًا.
- أن يكون عقد الصلح خاليًا من الجهالة والغرور بمعنى أنه في حال وجود طرف ظالم أو معتدٍ في خصومته تجاه الطرف الآخر، وقام الطرف الآخر بالتنازل عن حقه هذا يصبح بهذا ظالمًا هو الآخر، وبالتالي يفسد ويبطل العقد.
- ألا يتم إسقاط حق الله في حال كان عقد الصلح يتمركز حول واحد من حدود أو حقوق الله مثل الزنا أو السرقة، فتلك الحدود لا تجوز فيها الشفاعة أو الصلح ولا يحق للمظلوم أو صاحب الحق أن يتنازل لأن هذا حق الله قبل أن يكون حقه.
في هذا الشرط الأخير بالذات يجب أن نستند إلى دليل يؤكد صحته وبلاغة موضعه، فعن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال:
“أنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟! قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها. ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ. قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ”
رواه عروة بن الزبير، وحدثه الإمام البخاري، المصدر: صحيح البخاري، حكم الحديث: صحيح قوي الإسناد.
اقرأ أيضًا: كيف يتم الطلاق في المحكمة
أهمية الصلح
في إطار الحديث عن حكم الرجوع في الصلح يجب أن نتحدث قليلًا عن فائدة وأهمية الصلح ولِمَ هو مكروه الرجوع فيه، فإن الصلح يحقن الدماء ويحد من الشحناء ويمنع انتشار وتفشي الجريمة بأشكالها وأنواعها، وفي ذلك قال الحق سبحانه وتعالى:
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [سورة النساء، الآية رقم 128]
تكمن أهمية وفائدة الصلح فيما يلي:
- يعمل الصلح على إدخال المحبة والألفة إلى النفوس والقلوب بين الناس بعد فترة من المشاحنة والخصام والبغض فيما بينهم.
- يغرس الصلح المحبة والفضيلة في القلوب ومن أهم هذه الفضائل المغفرة والعفو.
- الصلح يكسب الإنسان الأجر والثواب عند الله.
- الصلح يساهم في استقامة الحياة الاجتماعية بحيث يتم التفرغ من أجل العمل بجد وإخلاص وحبة وارتياح، دون أن يكون هناك أي انشغال من قبل الشخص في التفكير بحقه المسلوب أو الظلم الذي تعرض إليه.
- الصلح يجعل النفوس تخلو من الغل والحقد والمشاعر السلبية فتطمئن القلوب وتسعد.
اقرأ أيضًا: كيف ترجعين زوجك بعد الطلاق
إن حكم الرجوع في الصلح لا ينفي حقيقة أن الصلح وترك النزاع هو الحل الأمثل والأحب إلى الله، وذلك لقوله تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة الأنفال: الآية رقم 61].