حكم صلاة الجماعة في البيت
حكم صلاة الجماعة في البيت قد تناوله الفقهاء في العصر الحديث؛ بسبب الأحداث العديدة التي تمنع خروج الناس من المنزل، فصلاة الرجل في المسجد حكمها بين الوجوب والاستحباب على أقوال الفقهاء، وفي هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول أقوال الفقهاء حكم صلاة الجماعة في البيت.
حكم صلاة الجماعة في البيت
يجب قبل تناول أقوال الفقهاء في حكم صلاة الجماعة في البيت أن نعرف حكم صلاة الجماعة بصورة عامة؛ فيرى أغلب الفقهاء أن صلاة الجماعة واجب عين على كل رجل مسلم مكلف بالصلاة دون عذر شرعي، وقال بذلك:
- فقهاء الحنابلة جمع قولهم ابن قدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 130/2).
- الزليعي من فقهاء الحنفية قال في (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ 132/1): “…الجماعة سُنَّة مؤكَّدة أي: قويَّة تشبه الواجبَ في القوة… وقال كثيرٌ من المشايخ: إنَّها فريضة، ثم منهم مَن يقول: إنَّها فرض كفاية، ومنهم من يقول: إنها فرضُ عين …”
- الإمام النووي رحمه الله من فقهاء الشافعية قال في روضة الطالبين 339/1: “الجماعة فرضُ عين في الجُمُعة، وأمَّا في غيرها من المكتوبات، ففيها أوجه؛ الأصحُّ: أنها فرضُ كفاية. والثاني: سُنَّة. والثالث: فرضُ عين …”.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم صلاة العيد في الإسلام
رأي باقي الفقهاء في حكم صلاة الجماعة
قد تكلم عدد كبير من الفقهاء في حكم صلاة الجماعة نحو:
- الإمام البخاري المحدث قال في باب وجوب صلاة الجماعة: “إن منعتْه أمُّه عن العشاء في جماعة شفقةً لم يُطِعْها” أي أن الصلاة الجماعة واجبة ومن ترك دون عذر فقد ترك واجب.
- الإمام ابن حزم الأندلسي في (المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار 104/3) زاد على أنها واجبة وقال:
“ولا تجزئ صلاةُ فرضٍ أحدًا من الرِّجال- إذا كان بحيث يسمع الأذان- أن يُصليها إلَّا في المسجد مع الإمام، فإنْ تعمَّد ترْك ذلك بغير عذر بطَلتْ صلاته، فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرضٌ عليه أن يُصلي في جماعة مع واحد إليه فصاعدًا ولا بدَّ، فإن لم يفعل فلا صلاةَ له إلا أنْ لا يجد أحدًا يُصليها معه فيجزئه حينئذ، إلَّا مَن له عذر فيُجزئه حينئذ التخلُّفُ عن الجماعة”
- شيخ الإسلام ابن تيمية زاد أيضًا على حكم الوجوب وقال إنها شرط ذلك في الفتاوى الكبرى 345/5 فقال:
“والجماعة شرطٌ للصلاة المكتوبة، هو إحدى الروايتين عن أحمد … ولو لم يُمكنه الذهاب إلَّا بمشيه في مِلك غيره فعَلَ، فإذا صلى وحده لغير عُذر لم تصحَّ صلاته”
قال أيضًا في (مجموع الفتاوى 615/11): “… والجماعة واجبة أيضًا عند كثير من العلماء، بل عند أكثرِ السَّلف، وهل هي شرط في صحَّة الصلاة؟ على قولين: أقواهما كما في سُنن أبي داود عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال: “مَن سمع النداء فلم يُجِبْ من غير عذرٍ فلا صلاةَ له”.
بينما الفقهاء في العصر الحديث قد أكدوا على هذا الرأي أمثال الشيخ ابن باز رحمه الله في (مجموع فتاوى ابن باز 12/13) والشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 15/18).
أدلة الفقهاء في حكم صلاة الجماعة
استدل الفقهاء في قولهم بهذا الحكم على أدلة من القرآن الكريم ومن السنة الصحيحة مثل:
- قال الله تعالى:
“وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا” (النساء 102)
وجه الدلالة في الآية أن الله تعالى أمر المسلمين بالصلاة الجماعة في حالة الحرب والخوف، فمن باب أولى أن يكون الأمر بصلاة الجماعة في الأمن
- قال الله تعالى:
“ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ” (البقرة 43)
وجه الدلالة قوله تعالى (مع الراكعين) فالأمر بالركوع مع الراكعين ولا يكون هذا إلا في صلاة الجماعة . - عن أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ” (صحيح النسائي 846)
ففي هذا الحديث الشريف يؤكد النبي على ضرورة إقامة الجماعة ولو بها ثلاث رجال فقط.
- عن أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال:
” أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ” (صحيح مسلم 653) (قوله أجب أي أجب النداء)
فالرسول لم يرخص للرجل الأعمى بصلاة فردًا في منزله وأمره بأن يأتي إلى المسجد لصلاة الجماعة، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة واجب على كل مسلم.
بهذا نكون قد عرفنا أن صلاة الجماعة (عامة) عند جمهور العلماء يتراوح حكمها بين شرط الصلاة والوجوب والسنة المؤكدة على كل رجل مكلف بالصلاة دون عذر شرعي.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم صلاة العيد للنساء
قول الفقهاء في صلاة الجماعة في المنزل
بعد أن تناولنا إجماع الفقهاء على أفضلية صلاة الجماعة في المسجد (واجب أو سنة مؤكدة) على كل رجل مسلم مكلف لكننا نرى أن هذا الإجماع لم يطل حكم صلاة الجماعة في البيت وتفصيل ذلك
- يرى بعض الفقهاء أنه لا يجوز ترك صلاة الجماعة في المسجد إلى الصلاة في البيت جماعة إلا لعذر شرعي (سنبين الأعذار الشرعية لاحقًا)، وأن المتخلف عن صلاة الجماعة من صفات المنافقين.
ذلك لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ” مَن سمِعَ النِّداءَ فلم يأْتِه، فلا صَلاةَ له إلَّا مِن عُذْرٍ”
- الفقهاء الذين يرون أن صلاة الجماعة في المسجد سنة وليست واجبة، فإن من صلى جماعة مع أهله في منزله فقد حصل صلاة الجماعة، إلا أنه ضيع أجر الصلاة وفي المسجد وأجر المشي للمسجد
- استدل أصحاب هذا الرأي بحديث الرسول عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: …، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، …” (صحيح البخاري 438)
فالأمر هنا بالصلاة في أي مكان، وأن الأرض كلها صالحة للصلاة (عدا الأماكن الممنوعة) إلا أن رد أصحاب الآراء الأخرى عليهم قالوا أن هذا الأمر على الإباحة، أي لا يتحرج أحد من الصلاة في أي أرض طاهرة. - الإمام الرحيباني من فقهاء الحنابلة قال أنه إذا تسبب ذهاب الرجل إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة أن يصلي أهله فرادى فالأفضل أن يقيم الصلاة في المنزل تحصيلًا للواجب
فللمسلم أن يأخذ بأي رأي فيهم، كلهم على صواب
صلاة الجماعة في البيت للعذر
عن حكم صلاة الجماعة في البيت قال جمهور الفقهاء بإباحة الصلاة جماعة في المنزل لمن يصعب عليه الحضور الذهاب للمسجد.
استدل أصحاب الرأي هذا بأدلة صحيحة من السنة فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
“صَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِهِ وهو شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وصَلَّى ورَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فأشَارَ إليهِم أنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: إنَّما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ به، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وإذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وإذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.” (صحيح البخاري 688)
فاستدل الفقهاء بهذا الحديث أنه يشرع إقامة الجماعة في البيت، بجانب استدلالهم به على أحكام فقهية أخرى.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل تأثم المرأة إذا لم تصلي العيد
الأعذار المبيحة للصلاة في البيت
قد تنال الفقهاء الأعذار التي تسقط عن الرجل المكلف صلاة الجماعة وقسموها إلى قسمين:
الأعذار العامة
- المطر الشديد الذي يصعب مه الخروج من المنزل
- الرياح الشديدة الخطرة التي لا يخرج فيها الإنسان من البيت
- البرد الشديد أو الحر الشديد في الليل أو النهار بصورة لا يخرج المرء من منزله.
- الوحل الشديد والظلمة الشديدة التي قد تتسبب في خطر للإنسان.
فالنظر في الأعذار العامة التي تبيح حكم صلاة الجماعة في البيت فنجدها أنها تدور في فلك الخطر على حياة الإنسان، وتم قياس عليها كافة الكوارث الطبيعية من فيضان أو زلزال أو حرائق أو الحيوانات المفترسة … .
الأعذار الخاصة
- المرض الشديد الذي يصعب معه الحركة
- الخوف من عدو أو مفترس أو الخوف من السرقة أو الخوف على مريض يرعاه المسلم وقد يقع في خطر إذا ذهب.
- حضور الطعام الذي قد يشغل بال المصلي
- مدافعة أحد الأخبثان (إذا كان يريد الإنسان قضاء حاجته)
ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُه الأخبثانِ” (صحيح مسلم 560)
- أكل طعام يسبب كراهة رائحة الفم مثل البصل والكراث لقول الرسول صلى الله علسه وسلم: ” مَن أكَلَ من هذه الشجرةِ الْمُنْتِنةِ، فلا يقربنَّ مسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تَأذَّى ممَّا يَتأذَّى منه الإِنْسُ”
- غلبة النوم.
هذه أهم الأعذار المسقطة لصلاة الجماعة عن المسلم (في حينها) التي تناولها الفقهاء.
فضل صلاة الجماعة في المسجد عن صلاة الجماعة في البيت
قد عدد الفقهاء فضل صلاة الجماعة في المسجد ومما قالو:
- أن الصف الأول في المسجد الذي يلي الإمام كمثل صف الملائكة في الأجر، وأنه لو يعلم الناس فضله لتسابقوا عليه.
- أن صلا ة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته منفردًا وصلاته مع الجماعة الأكبر أفضل، وكلما كان عدد المصلين أكبر كان ذلك أفضل وأحب إلى الله تعالى.
استند الفقهاء في قولهم هذا على حديث طوير للنبي صلى الله عليه وسلم رواه أبي بن كعب نقتطف منه موضع الشاهد:
” ولو حبوًا والصَّفُّ الأوَّلُ على مثلِ صفِّ الملائِكةِ ولو تعلمونَ فضيلتَهُ لابتدرتُموهُ وصلاةُ الرَّجلِ معَ الرَّجلِ أزْكى من صلاتِهِ وحدَهُ وصلاةُ الرَّجلِ معَ الرَّجلينِ أزْكى من صلاتِهِ معَ الرَّجلِ وما كانوا أَكثرَ فَهوَ أحبُّ إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ” (صحيح النسائي 842)
- أن كل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد ترفع عنه سيئة وتُكتب له حسنة.
- أن الملائكة تدعو وتستغفر للمصلي ما دام على وضوء في المسجد
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حكم صلاة الرجل في البيت
رأي دار الإفتاء المصرية في حكم صلاة الجماعة في البيت
قد تناول أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية (الشيخ محمود شلبي) حكم صلاة الجماعة في البيت في خضم إجابته على سؤال أحد السائلين وقال أن صلاة الجماعة في المسجد يعادل الصلاة جماعة في البيت.
أي أن الصلاة جماعة في البيت تعادل سبعة وعشرين درجة أو خمسة وعشرين درجة (مثل الصلاة في المسجد) واستشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:
“صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً” (صحيح البخاري 645) وفي رواية أخرى بخمس وعشرين درجة.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: شروط صلاة القصر