حكم صيام يوم الجمعة منفردًا
حكم صيام يوم الجمعة منفردًا اختلف فيه العلماء، فمنهم من أجاز صيامه، ومنهم من قال إنه مكروه، على الرغم من هذا الاختلاف، فالصيام من العبادات العظيمة، فهو يكفر الذنوب والسيئات، بالإضافة لكونه يقي البدن من الكثير من الأمراض التي قد تصيبنا، ومن خلال موقع زيادة سنتعرف إلى حكم صيام يوم الجمعة منفردًا والدليل على كونه مكروهًا أو جائزًا.
حكم صيام يوم الجمعة منفردًا
إن الصيام من ضمن أركان الإسلام الخمس، وينقسم إلى ثلاثة أقسام، ألا وهي صيام الفرض، وهو الصيام في شهر رمضان وهو المقصود من ضمن أركان الإسلام الخمس، بالإضافة إلى الصيام الواجب، مثل قضاء ما فاتك من رمضان أو صيام النذر الذي قمت بنذره لتحقيق أمنية ما.
كما أنه هناك صيام تطوعي، والذي يشتمل على السنن المؤكدة والمستحبة أو المندوبة، بالإضافة إلى النوافل المطلقة، والصيام في المجمل من أعظم العبادات.
أما فيما يخص حكم صيام يوم الجمعة منفردًا فقد اختلف فيه مجمع العلماء، فمنهم من أوجب الامتناع عن صيام الجمعة وقال إنه مكروه، ومنهم من رفع عنه هذه الكراهية ولكن بشروط، فقد جاء على لسان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: “سَمِعْتُ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولُ: لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَومَ الجُمُعَةِ، إلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ”.
هذا الحديث هو سبب اختلاف العلماء، فيقول فيه رسولنا الكريم أنه من قرر صيام يوم الجمعة، عليه صوم يومٍ قبله معه أو يومٍ بعده، فلا يصوم الجمعة منفردة، فمن العلماء من فسر هذا الحديث بكونه منع وتحريم لصيام يوم الجمعة منفردًا في غير رمضان، حتى وإن كان الصيام لقضاء ما فاتك أو لصيام السنة.
كما اتفق العديد من العلماء على كون حكم صيام يوم الجمعة منفردًا جائز، وهذا في حال ما أردت أن تقضي ما عليك من صيام أخلفته لمرضٍ أو غيره، وفيما يلي من سطور سنتناول كافة الآراء والأدلة الواردة في السنة والسلف الصالح فيما يخص حكم صيام يوم الجمعة منفردًا.
اقرأ أيضًا: حكم صيام يوم الجمعة
الآراء حول صيام يوم الجمعة منفردًا
اختلفت الآراء بشدة فيما يخص حكم صيام يوم الجمعة منفردًا، وسنعرض لكم الآراء المتباينة في هذا الصدد من خلال الفقرات التالية:
1ـ رأي الشيخ محمد عليش
قال الشيخ محمد بن أحمد عليش فقيه المالكية وأحد أعيان المذهب، أن حكم صيام يوم الجمعة منفردًا لا قبله يوم ولا بعده يوم يعد أمرًا جائزًا، وذكر أن الإمام الجليل ابن رُشُدٍ كان يصوم الجمعة منفردًا حتى وافته المنية، وفسر عليش حديث رسولنا الكريم على كونه خوف من أن يخال المسلمون أن صيام الجمعة فرض.
هذا الخوف والعِلةُ انتهت بوفاة رسولنا الكريم فلم يفرضه قط، فكان حكم صيام يوم الجمعة منفردًا من وجهة نظر الشيخ محمد عليش رحمه الله جائزًا ونُدب، أما عن صيام يوم الجمعة والسبت، أو الخميس والجمعة، فلا شك ولا شك في جوازه وندبه، فالخلاف كله على صيام الجمعة بشكل منفرد.
2ـ رأي الإمام ابن مالك
الإمام مالك بن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه هو فقيه إسلامي ومحدِّث في الدين، كما أنه إمام دار الهجرة، بالإضافة لكونه ثاني الأئمة الأربعة لأهل السنة والجماعة، فهو إمام المذهب المالكي ولُقِبَ بسيد الأئمة، وعُرف عنه حُسن الخلق، حتى أن الإمام الشافعي رحمه الله قال فيه: ((إذا ذُكِر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين ((.
فقد قال الإمام مالك أنه لم يسمع أحدًا ينهى ويمنع صيام يوم الجمعة، فلم يقل هذا أحدٌ من أهل العلم أو الفقه أو من يُقتدى بهم، فقد أجاز الإمام مالك أن حكم صيام يوم الجمعة منفردًا يعد جائز، سواء ما كان الصيام لقضاء ما عليك، أو صيامه تطوعًا دون وجود ما يدفعك للصيام، فصيام الجمعة حسن.
3ـ الإمام النووي وحكم صيام يوم الجمعة منفردًا
جاء عن الإمام يحيى بن أشرف النووي رحمه الله، وهو عالم إسلامي ولغوي فقيه من فقهاء الشافعية، أن صيام يوم الجمعة منفردًا مكروه في المجمل، فمن نوى صيامه يجمع عليه يوم قبله أو يومٌ بعده، ولكن لا حرج في صيامه إن وافق عادةً له أو نذرًا لشفاء مريض أو قدوم زيد، فعندها تُرفع عنه الكراهية.
4ـ المذهب الحنبلي وابن قدامة
جاء حكم صيام يوم الجمعة منفردًا من وجهة نظر الإمام ابن قدامة بكونه صيامه مكروه، سواء ما كان صيام بهدف التطوع أو صيام لنذرٍ أو غيره، إلا في حال ما وافق صيام هذا اليوم عادة يقوم بها المرء.
فإن كان معتادًا على صيام يوم وإفطار ما يليه ووافق يوم الصيام الجمعة فلا حرج ولا كراهية في ذلك، وإن كان معتادًا على صيام أول الشهر أو آخره بالإضافة إلى منتصفه، وكان هذا اليوم موافقًا للجمعة، فالأمر سيان ولا حرج في ذلك أيضًا.
اقرأ أيضًا: هل يجوز صيام يوم السبت منفردا
5ـ ما جاء عن البخاري في صيام الجمعة منفردًا
ذُكر صيام يوم الجمعة منفردًا في صحيح البخاري في أكثر من موضع، فقد جاء في صحيح البخاري أن السيدة جويرية بنت الحارث أم المؤمنين وزوجة رسول الله قالت:
“أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، دَخَلَ عَلَيْهَا يَومَ الجُمُعَةِ وهي صَائِمَةٌ، فَقالَ: أصُمْتِ أمْسِ؟، قالَتْ: لَا، قالَ: تُرِيدِينَ أنْ تَصُومِي غَدًا؟ قالَتْ: لَا، قالَ: فأفْطِرِي، وقالَ حَمَّادُ بنُ الجَعْدِ: سَمِعَ قَتَادَةَ، حدَّثَني أبو أيُّوبَ، أنَّ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَتْهُ: فأمَرَهَا فأفْطَرَتْ”.
فقد فصَّلَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحكام صيام التطوع، وقام بتوضيح كيفية صيام بعض الأيام ومنها هذا اليوم المبارك، فتحكي في هذا الحديث السيدة جويرية بنت الحارث أنها كانت صائمةً يوم الجمعة، فسألها الرسول الكريم هل كانت صائمةً الخميس وقالت لا، فسألها هل تنوي صيام الغد أي السبت فقال لا، فأمرها أن تُفطر وأفطرت.
فسر العلماء هذا الحديث بكون حكم صيام يوم الجمعة منفردًا مكروه إلا في حالات العادة مثل صيام يوم وإفطار ما يليه، أو حالات النذر بشفاء مريض أو ولادة ما شاء من جنس مولود، بالإضافة إلى صوم عاشوراء، ففي هذه الحالات يكون صوم الجمعة منفردًا له سبب.
جاء أيضًا في كتاب فتح الباري، وهو الكتاب الذي ألفه ابن حجر العسقلاني رحمه الله، ليشرح صحيح البخاري رحمه الله، أن حُكم صيام يوم الجمعة منفردًا يعد مكروهًا ومنهي عنه، إلا في حال ما قام المرء بالصيام قبله أو بعده.
بالإضافة إلى وقوع هذا اليوم مع أيامٍ فيها عادة، مثل الأيام البيض مثلا، بالإضافة إلى نذر شفاء فلان، أو قدوم زيد.
في مجمل الأمر اتفق مجمع ومعشر العلماء والفقهاء على كون حكم صيام يوم الجمعة منفردًا جائز في حال مصادفته وموافقته لعادة أو مناسبة شرعية، بالإضافة لكون صيامه بشكل منفرد دون سبب أمرًا عاديًا ومحمودًا أيضًا.
سبب كون صيام الجمعة منفردًا أمرًا مكروهًا
يُقال إن النهي عن صيام يوم الجمعة منفردًا يعود إلى من لم تكن له عادة معينة تحثه على ذلك، بالإضافة لاتفاق بعض العلماء على كون حكم صيام يوم الجمعة منفردًا أمر مكروه هو كونه يوم للدعاء والعبادة وذكر الله ورسوله، فيبدأ اليوم بالغسل والتبكير إلى المسجد، وانتظار الصلاة والاستماع إلى الخطبة.
كما أنه من المعتاد القيام بالإكثار من الأذكار بعدها، وغيرها من العبادات، فيوم الجمعة طويل وشاق، ومن المفترض أن يكون يومًا للراحة، وقد قال فيه الله جلَّ جلاله في كتابه العزيز ما يلي:
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الجمعة: الآية 10]، فيُعتقد أن سبب كون حكم صيام يوم الجمعة منفردًا أمرًا مكروهًا أو منهيًا عنه، هو كون اليوم شاق، فهذا تخفيف من الله على عبده، حتى تعينه طاقته على القيام بهذه الوظائف وأداء النشاطات الخاصة بهذا اليوم بتلذذ وانشراح.
الأمر هنا مشابه لصيام يوم عرفة في عرفة، فهو منهي عنه جملةً وتفصيلًا، منعًا للملل أو السآمة وحتى التعب والإرهاق، وهو ما قد يؤثر بالسلب على أداء الوظائف والعبادات الخاصة بيوم الجمعة، وقد يتسبب في التقصير، والله أعلم وأعلى.
كما أنه قد جاءت الكثير من الآراء والتفسيرات التي اتفقت على كون حكم صيام يوم الجمعة منفردًا مكروهًا حتى لا يستمر الناس على صومه، فمن الطبيعي أن يتبع الناس ما يقوم به رسول الله لظنهم أنه فرض من الفروض، فقطع رسولنا الكريم الشك باليقين في أحاديثه التي تخص حكم صيام يوم الجمعة منفردًا.
فلم يُلزِم الرسول الكريم أحدًا بصيام يوم الجمعة قط، وهذا الخوف زال بعد وفاة أشرف الخلق محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
اقرأ أيضًا: حكم صيام يوم السبت
فضل عبادة الصيام
يمتاز الصيام عن سائر العبادات والأعمال الصالحة بكونه لله وليس للعبد، وجاء في صحيح البخاري، أن الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال:
“قالَ رَسولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ”.
يمكننا أن نستشف ونفهم بشكل واضح من الحديث أعلاه مدى عِظَمِ هذه العبادة، فكرامة الله لمن يصوم لا تنقطع، وقد قال رسول الله أن الله جلَّ وعلا قال إن كل العمل الذي يقوم به بنو آدم يعود عليهم بالخير في الدنيا، ويعد من مداخل اطلاع الناس عليهم، فقد يرجو العبد من صالح أعماله ثوابًا من الناس أو يقوم به ليحظى على شيءٍ ما في الدنيا.
أما الصيام فهو خالص لله تبارك وتعالى، فلا يعلم أحد ثواب هذه العبادة العظيمة، فسائر العبادات يجازي الله بها العبد بعشرة أضعاف الجزاء حتى سبعمائة ضعف، ولكن الله شاء وانفرد بعلم ثواب الصيام، بمجازاة من يصوم خير الجزاء، ولم يكشف الله هذا الثواب العظيم حتى يتبين من يصوم إيمانًا واحتسابًا لوجه الله الكريم، ومن يصوم لمجرد أداء هذا الفرض.
يأتي هذا الجزاء العظيم للصائم لكونه يمتنع عن الكثير من الحاجات الأساسية في الدنيا، بالإضافة إلى المتاع الذي هو حلاله، فلا يأكُل، ولا يشرب، ولا يرفث، وهذا على عكس سائر العبادات الأخرى التي ليس علينا تجنب متاع الدنيا فيها، فالصيام كما قال تبارك وتعالى جُنة، والجُنة هي الوقاية والحماية، فالصيام يقي المؤمن من الوقوع في المعاصي وارتكاب الذنوب ما كبر منها وما صغر.
كما يقول الله جلَّ جلاله، إن الصائم حتى يكتمل صيامه لا يصخب، أي أنه لا يرفع صوته، وإذا قام أحد بتوجيه السباب له أو قاتله، عليه أن يتجنبه ويقول له إنه صائم.
أقسم سيدنا محمد بالله بقوله والذي نفس محمدٍ بيده، وهذا قسمٌ لو تعلمون عظيم، ولا ينطق أشرف الخلق عن الهوى، فقال نبينا إن خلوف فم الصائم وهو ما يعني تغير رائحة فمه لعدم دخول أي شيء من طعامٍ وشرابٍ لمعدته، أحب عند الله من رائحة المسك الجميلة والعطرة، وأكد رسولنا الكريم على وجود فرحتين للصائم، الأولى إذا أفطر، والثانية إذا لقى ربه وهو صائم.
أوصانا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم باجتناب الشبهات، فإن كنت تشعر بالحيرة فيما يخص حكم صيام الجمعة منفردًا، فيمكنك صيامه مع يوم يسبقه أو يليه، وفي حال ما لم يكن صيام هذا اليوم ضروريًا لنذر أو غيره استبدله بآخر، والله أعلم.