التوبة من سوء الظن بالناس

التوبة من سوء الظن بالناس هو أمر ضروري على كل مسلم، إن الأخلاق التي نزل بها دين الإسلام قادرة على تغيير حال البشر أجمعين، فما جاءت إلا لنشر الحب والمودة بين البشر، لإحداث التناغم في هذا عالم كان مليء بالظلم والجهل، فلا يوجد لقب للفترة السابقة للإسلام سوى عصر الظلام، والآن فلنتعرف أكثر على التوبة من سوء الظن بالناس من خلال موقع زيادة.

التوبة من سوء الظن بالناس

إن سوء الظن قادر على تحويل حياة الشخص إلى جحيم، فلا يجد للراحة والاستكانة عنوان، ويمكن التوبة من سوء الظن بالناس من خلال اتباع الطرق الآتية:

  • يجب أن يعقد النية بأن يظن الخير بالآخرين اتباعًا لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) سورة الحجرات.
  • أن يدعوا الله في كل وقت أن يساعده على التخلص من هذه العادة الشنيعة من خلال قوله لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم أَحسَنْتَ خَلْقي فأَحْسِنْ خُلُقي).
  • ينبغي على الشخص أن يتخلص من جهله، فكلما زاد العلم وصل الشخص إلى مكارم الأخلاق، كلما تعلم الشخص عن الشريعة الإسلامية والمعاملات بين الصحابة نجد أنه يرتقي في تعامله مع الآخرين، وأراد أن يُدخل السرور في قلوب من حوله.
  • التدريب على ذكر الخير عن الآخرين، والتحدث عن الصفات الحسنة الموجودة في كل شخص، من أمامه ومن خلفه، فهذا سيزيد من حبه لِمن حوله وسيقضي على وساوس الشيطان.

اقرأ أيضًا: احاديث عن الأخلاق من رياض الصالحين

خطوات للقضاء على سوء الظن

في سياق الحديث عن التوبة من سوء الظن بالناس، فلنناقش الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل القضاء على تلك العادة، فأي سلوك نسلكه سواء كان فكري أو جسدي هو عادة، فالتفكير بإيجابية أو سلبية عادة، وبالتالي يمكن بناء العادات الحسنة، والقضاء على العادات السيئة مثل سوء الظن بالناس، ويتم ذلك من خلال ما يلي:

1ـ التفكير قبل الحكم

الكثير منا يخرج الأحكام على الآخرين بسرعة مما يجعل الشخص عُرضة للخطأ في حكمه، مما يؤدي إلى شعوره بالخزي والألم، بل إن مثل هذا الشخص يتصف بالاندفاع في التصرفات والردود على الآخرين، ثم يشعر أنه بحاجة إلى الاعتذار على قوله.

لذلك يجب على الشخص التأني والآخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ، علِّمْني وأوجِزْ، قال: إذا قُمْتَ في صلاتِكَ، فصَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ، ولا تَكَلَّمْ بكلامٍ تعتذِرُ منه، وأجمِعِ اليَأْسَ عمَّا في أيدي النَّاسِ.وهنا يدعونا الرسول إلى عدم قول حديث مكروه نرغب في الاعتذار عنه فيما بعد.

بل وفي الكثير من الأحيان عندما يحكُم الشخص بالسوء على أحد بين الناس، ثم يتم إثبات أن هذا غير صحيح يمكن أن يصل به الأمر إلى الكذب لتبرير ما قاله حتى لا تهتز صورته بين الآخرين، فيكون الندم شديد هذه المرة.

2ـ التماس الأعذار

يمكن ألا يضطر الشخص إلى التوبة من سوء الظن بالناس بفعل واحد يحميه من الوقوع في ظن السوء بالآخرين، وهو وضع الأعذار على أخطاء الآخرين، فقد قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (لا يحلُّ لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظنُّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا).

فإذا وجدت أحد أصدقاء قد غضب كثيرًا من أجل سبب تافه وبدء في البكاء، يجب وضع الأعذار بأنه ربما يكون مضغوط نفسيًا لكثرة ما يمر به من مشاكل وأزمات مما أدى إلى عدم تحمُله لحادثة صغيرة قبل الحُكم عليه بالتفاهة أو البغض.

3ـ غض البصر

من ضمن مظاهر غض البصر هي عدم التغلغل في معرفة أخبار الآخرين، فيجب أن نغض بصرنا عن الأشياء الغير مهمة بالنسبة لنا، نغض بصرنا عن معاملة فلانة لشريك حياتها، أو إهمال فلانة في نظافة بيتها، فهذه من العوامل المؤدية إلى سوء الظن بالآخرين وتجعلنا نتطرق إلى التوبة من سوء الظن بالناس.

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صعد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ) الراوي: عبد الله بن عمر، المصدر: سنن الترمذي.

هنا يدعونا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عدم ذكر الآخرين بما يكرهونه، أو محاولة معرفة المعلومات التي لا تهمنا عنه، وهذا ليس فقط حماية من سوء الظن بل أيضًا هو الطريق الأمثل للابتعاد عن المقارنة القادرة على تدمير حياة البشر بالكامل.

اقرأ أيضًا: انا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء حديث قدسي

4ـ عدم التخوين

يجب أن ينظر الشخص للخير الذي يُقدمه الآخرين له لتزداد ثقته بهم، فلا يضع في باله أنهم يمكن أن يخونه في أي وقت، أو يحاول طوال الوقت أن يثبت ما إذا كانوا قد خانوه أم لا، فقد قال سعد بن أبي وقاص: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهَى أن يَطْرُقَ الرجلُ أهلَهُ لَيْلًا بَعْدَ صلاةِ العشاءِ).

5ـ الاجتهاد في إنصاف الخصم

إذا كان الشخص لديه خلاف مع أحد الأفراد، وجاءت سيرة هذا الفرد بقيامه بفعلٍ ما، يبدأ بذكر الصفات السيئة في هذا الفرد والحكم عليه هذا بسبب الخلاف الحادث بينهم، ثم يندم على ذلك إذا زال الخلاف ويلجأ إلى التوبة من سوء الظن بالناس، لذلك علينا اتباع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(فمَنْ أحبَّ منكم أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النارِ، ويَدْخُلَ الجنةَ، فلْتَأْتِهِ منيتُهُ وهوَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأْتِ إلى الناسِ، الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إليه، ومَنْ بايَعَ إمامًا فأعطاه صفْقَةَ يدِهِ، وثُمَرَةَ قلبِهِ، فلْيُطِعْهُ ما استطاعَ، فإِنْ جاءَ آخرُ ينازِعُهُ فاضربوا عُنُقَ الآخرَ) الراوي: عبد الله بن عمرو، المصدر: صحيح الجامع.

يوضح هذا الحديث أن النبي يدعونا إلى أن نقول الحق عن الآخرين كما نحب أن يتم قول الحق عنا.

6ـ الانشغال بالذات

إن الانشغال بالنفس من أكثر الأمور التي يُمكن أن تبعد الشخص عن مسار الخطايا والقبح، فعند تركيز الشخص على ذاته لن يكون لديه الوقت لكي يفكر فيما يفعله غيره من الناس وإذا كان هذا صائب أم خاطئ، بل سيكون أكثر انشغال بذاته عن الآخرين.

كما سيكون لديه القدرة على إعطاء الأعذار لهم عند قيامهم ببعض الأخطاء في حقه، فالشخص المشغول بتحسين نفسه واكتساب الصفات الجيدة تكون لديه سعة الصدر من أجل تحمل الآخرين ومساعدتهم على تحسين الصفات السيئة لديهم.

7ـ الأنس بالله

إن الأنس بالله يجعل الفرد غير مهتم بتصرفات البشر، بل إنه يرى الصورة الحقيقة للحياة فهي زائلة في النهاية، فعندما يصل الشخص إلى شعور الأنس بالله، يكون راضي بأقل القليل الذي يقدمه له الناس من حب.

هذا لأن قلبُه يكون مكتفي بالفعل، مما يجعله قليل التركيز والحكم على ما يفعلونه من سلوكيات، فهذه الفئة من الناس تتمثل نظرتهم إلى الله في الأبيات القادمة:

فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ

وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ

وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ

وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ

وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ

فتكون نظرتهم إلى الله أنهم لا يهتمون بأي أحدٍ سواه، فلماذا يتم الاهتمام بالبشر طالما نحن مستأنسين برب البشر.

8ـ تثبيت الأخبار

لقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)) سورة الحجرات، فهنا دلالة من الله على أهمية حسن الظن، فالأمر غير متوقف على الأقران والأحباب، بل يجب علينا ألا نسيء الظن حتى في الأشخاص الفاسقين الفاعلين للفواحش.

آثار سوء الظن

في ضوء مناقشة التوبة من سوء الظن بالناس، سنناقش العوامل الناتجة عن سوء الظن بالآخرين، والتي تتمثل في النقاط الآتية:

  • يؤدي سوء الظن إلى الكثير من المشاكل مع شريك الحياة، فتفسير أقوال وأفعال شريك الحياة بصورة خاطئة قادر على القضاء على المودة والحب بين الزوجين.
  • ينتج عن سوء الظن الاضطرابات بين أفراد العائلة، فيمكن أن تظل أختين في حالة خصام لسنوات بسبب سوء الظن والتفسير الخاطئ للحديث.
  • لا يتوقف الأمر على عادة سوء الظن فقط بل ينتج عنه الكثير من الخصال السيئة مثل الحقد على الآخرين، والتدخل في شؤنهم، وعدم حب الخير للآخرين بل تمني زوال النعم التي لديهم، وزوال الرضا والسكينة من القلب.
  • سوء الظن ينتج عنه الأفعال السيئة والمحرمة التي يمكن أن يقع فيها الشخص، فسوء الظن هو بداية الخيط الذي يجر به الناس إلى طريق الضلال.
  • يُعتبر سوء الظن دلالة على الجهل، والشعور بالنقص، وعدم السواء النفسي.
  • نفور الأحباب والأصدقاء من حول الشخص نتيجة لعدم تقبلهم للفهم الخاطئ طوال الوقت، بل ويتحول بعضهم إلى أعداء في بعض الأوقات.

قصص عن سوء الظن بالآخرين

في صدد الحديث عن التوبة من سوء الظن بالناس، يجب معرفة عاقبة الأشخاص الذين يسيئون الظن بالآخرين من خلال سرد بعض القصص باتخاذها كعبر في الحياة العامة، وذلك عبر السطور الآتية:

1ـ عزيز مصر

أفترت زليخة امرأة العزيز ظلمًا على نبي الله يوسف، ويتمثل هذا في قول الله تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)) سورة يوسف.

فظن عزيز مصر أن نبي الله يوسف قد قام بهذه الفاحشة، ولكن أتضح بعد ذلك أنها هي الكاذبة وهو الصادق من خلال واحدة من أروع وأبهر المعجزات، حينها ندم عزيز مصر على ظُلمُه ليوسف عليه السلام.

2ـ قوم عاد

لقد كذب قوم عاد نبي الله هود فأساء أكثرهم الظن به، فظن الكثير منهم أنه فقط يريد الشهرة والجاه وأنه كاذب، ففضلوا عبادة التماثيل التي لا تساعد ولا تؤذي على عبادة الله، وكذبوا ما رأوا بأعينهم من دلائل ومعجزات على وحدانية الله، فما كان جزائهم على سوء الظن غير الندم والذل والعذاب، فقد قال الله تعالى في سورة فصلت:

(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16)).

3ـ أهل الطائف

عندما كذب أهل مكة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتجه النبي إلى الطائف سيرًا على الأقدام حتى لا يشعر المشركين به، وكانت المسافة طويلة جدًا من مكة إلى الطائف، كالمسافة بين القاهرة والإسكندرية، وما بذل النبي كل هذا العناء إلا لكي يدعوهم إلى الحق ويبعدهم عن الباطل.

فأساء أكثرهم الظن بالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام، بل وكذبوه أيضًا، فطلب منهم النبي أن يكتموا عنه ولا يخبروا الآخرين عما حدث، حتى لا تصل الأخبار إلى مكة، فرفضوا وضربوه بالحجارة حتى سال دمه، وما كان جزائهم إلا الندم على ما فعلوا بعدما انتشر دين الإسلام بين العرب، فهنا قد تأكدوا أنه حقًا نبي وليس بكاذب، وأنهم قد أهانوا سيد الخلق جميعهم.

اقرأ أيضًا: حسن الظن بالله عند المصائب

3ـ قوم نوح

لقد ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعوا قومه حوالي ألف سنة تقريبًا، يدعوهم إلى ترك عبادة التماثيل والتوحيد بالله، فأساءوا الظن به وكذبوه، ولم يهتموا أبدًا لندائه حتى زوجته وابنه أساءوا الظن به، فظل نبي الله نوح يبكي سنوات من أفعال قومه، فقد قال الله تعالى في سورة نوح:

(قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا (5) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا (6) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا (7) ثم إني دعوتهم جهارا (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا (9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10)).

فأغرقهم الله في المياه جزاء لهم على سوء ظنهم بنبي الله، ثم مصيرهم بعد ذلك كان جهنم، فقد قال المولى عز وجل في سورة نوح: (مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (25)).

إن سوء الظن بالناس أمر قادر على جعل حياة الشخص كالجحيم، فلا يجد للسعادة أو الاطمئنان عنوان، لذلك على الناس أن تطهر قلوبها من هذه العادة.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.