تدوين السنة في عهد الصحابة
تدوين السنة في عهد الصحابة مهم وله الكثير من الدلالات، حيث إن السنة النبوية هي كل ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو عمل أو صفة أو تقرير، لذا فالسنة النبوية من ثوابت العقيدة وأحد شقي الاستدلال النقلي من الشريعة الإسلامية، وسنوضح من خلال موقع زيادة العديد من أسباب تدوين السنة في عهد الصحابة وتفاصيلها.
تدوين السنة في عهد الصحابة
السنة النبوية هي العنصر الشارح لِما غمض من أحكام القرآن الكريم على المسلمين، لكن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت درجات الإيمان في أعلى مراتبها، وقد مر تدوين السنة بعدة مراحل وهي كالتالي:
1- التدوين في عهد النبي
لكون النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى فقد خاف أن يلتبس الأمر على المسلمين وقتها أو يقوموا بعمل كتاب مضاد أو شارح للقرآن في فترة بناء الدولة، فمنع الصحابة من تدوين السنة، كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: “لا تَكْتبوا عنِّي شيئًا سِوَى القُرآنِ، من كتبَ عنِّي شيئًا سِوى القُرآنِ فليَمحُهُ”.
ثبت في بعض الآثار أن بعض الصحابة قد قاموا بتدوين بعض من السنة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان ذلك من تلقاء أنفسهم دون أمر من النبي بذلك كصحيفة عبد الله ابن عمرو ابن العاص المسماة بالصادقة، وأخرى لعلي بن أبي طالب مكتوب بها أحكام فكاك الأسير والدية؛ كما ثُبت أن النبي أمر بتدوين الأنصبة والديات والجزيات وكميات الزكاة وإرسالها لعماله في الأمصار المختلفة.
اقرأ أيضًا: أول من دون السنة النبوية
2- التدوين في عهد الخلفاء الراشدين
جاء عهد الخلفاء الراشدين فامتنع أبو بكر عن تدوين السنة خوفًا من الفتن الحادثة وأن يصبح مع الناس كتابين، حتى عهد عمر ابن الخطاب الذي تشاور في أمر جمعها، وعندما استخار في الأمر امتنع عن التنفيذ قائلًا:” إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني – والله – لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً “.
على الرغم من عدم تدوين السنة إلا أن الكثير من الصحابة دعا طلابه الثقات إلى كتابة بعض منها، أو محاولة جمع الرسائل المبعوثة وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن حفظها كان الدلالات القوية على علم الصحابي في هذا الوقت، ويُعد ذلك أحد خطوات تدوين السنة في عهد الصحابة.
3- التدوين في عهد التابعين
تعتبر كتابة السنة في عهد الصحابة من أهم الخطوات للوصول لمرحلة تدوين السنة في عهد الصحابة فقد قام بعض التابعين مثل: إبراهيم بن يزيد التميمي، وعبيدة بن عمر السماني، وسعيد ابن جبير بالامتناع عن تدوين السنة حين طُلب منهم ذلك حتى الكاتبون منهم.
قام والي مصر عبد العزيز بن مروان بطلب تدوين السنة من كثير بن مرة الحضرمي فلم يستجب، ثم حاول ابن الوالي عمر بن عبد العزيز ذلك بمحاولة إعادة الطلب من أبي بكر ابن حزم، وانتشر الخبر عند العامة.
4- التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز
لمعرفة طرق تدوين السنة في عهد الصحابة نتتبع كتابتها في المرحلة الجادة لها في عهد الخليفة حفيد عمر ابن الخطاب عمر بن عبد العزيز عندما وجه بخطاب للإمام محمد بن شهاب الزهري الذي وافقه على طلبه، وهنا بدأ التدوين والتتبع الفعلي لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عهد هذا الخليفة.
5- التدوين في عهد الطبقة الثالثة
يعد تدوين كل ما صُدر عن النبي في عهد الصحابة قبل الطبقة الثالثة من التابعين التي هي إحدى طبقات المجتهدين المذكورين في بعض الأحاديث النبوية غير مكتملًا، فشيخ التدوين في هذه الطبقة هو الإمام مالك وصنف فيها كتابه الموطأ ثم تبعه الكثير من العلماء من هذه الطبقة كالإمام أحمد.
اقرأ أيضًا: من أول من دون الحديث تدوينا عاما
6- التدوين في عهد التابعين من الطبقات اللاحقة
دخلت السنة بعد موطأ الإمام مالك المشهود له من قِبل الشافعي بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله، إلى مرحلة جديدة وهي تدوين الروايات والتي أصبح أصدقها رواية البخاري الذي أصبح أستاذها بشهادة العلماء وتبعه فيها الإمام مسلم.
7- التدوين في العصور الحاضرة
أكمل العلم الآن دوره في حفظ السنة النبوية بوجود علم الجرح والتعديل القائم على الكشف على الأحاديث وتتبع رواتها والوصول لأصولها لإعطائها الرتب الصحيحة وإثبات وجودها من عدمه من قِبل علماء الحديث الموجودين بمؤسسة الأزهر الشريف.
أسباب تأخر جمع السنة
توجد العديد من الأسباب التي أدت بالمسلمين إلى الامتناع عن جمع السنة، طبقًا لِما ورد من معلومات وهو أوامر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم نهى الخلفاء الراشدين وغيرها، وتصنف هذه الأسباب كما يأتي:
1- عدم وجود مانع التدوين
أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمتنع الصحابة عن التدوين لكلامه لعدم التباس الأمر على المسلمين في الفهم ما بين كلام الله المنزل والوحي النازل عليه صلى الله عليه وسلم، ويكون بذلك طريقة لضياع الكتاب والسنة معًا، وعندما أنتفى هذا السبب في عهد بني أمية، استطاع الخليفة عمر بن عبد العزيز القيام بالأمر.
قبل اتخاذ قرار التدوين كان الخليفة عمر بن عبد العزيز قد علم وتأكد من عدم رفض أي من الصحابة المتبقين من هذا الأمر، وضرب مثلًا بأن جمع السنة سيكون فيه صونًا لها من التحريف كما فعل عثمان ابن عفان مع القرآن الكريم لمحاولة صونه بالجمع في مصحف واحد.
2- خوف ضياعها من الصدور
من المعروف بأن الفترة الراشدية وما تلاها من الحكم الأموي قد مات به العديد من الصحابة ما بين صراع الفريقين العلوي والأموي، لذا فكان قرار الجمع من الخليفة عمر بن عبد العزيز في الفترة هذه صائبًا حتى لا يموت من تبقى من مدركي السنة النبوية وشهودها، وتضيع بين الصدور.
على إثر ذلك قام العديد من العلماء بتتبع السنة في الصدور ما بين المشرق والمغرب حيث أصبح هذا التتبع من سمة طلاب العصر الباحث عن السنة في كل الأقطار والبلاد، وأصبح الكثير من الأئمة من أهل الحديث رحالة، مما ساعد على سرعة مكافحة خطر الضياع للسنة النبوية.
اقرأ أيضًا: ما الحكمة من الأمر بكتابة السنة
3- الخوف من اختلاط الحديث مع أشباهه
يعد حفظ السنة في عهد الصحابة بداية قبل العصر الأموي الذي يعتبر هو أول العصور الإسلامية الذي ظهرت به الفرق المختلفة بداية من موقعة التحكيم بين علي ومعاوية، لذا كانت السنة ضائعة ما بين الآراء والأهواء، وتعتبر السنة النبوية هي الشارحة لِما غمض في القرآن فكان من الضروري العمل على جمعها حتى لا تلتبس مع أشباهها من المؤلفات الموجودة بين النفوس لنصرة فئة على أخرى.
حرص الخليفة عمر بن عبد العزيز على جمع الأحاديث الصحيحة فقط والتي وردت عن ابن عمر وأبي هريرة فهم أكثر رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل ابن شهاب بذلك فرد الكثير من الأحاديث التي وجد بها الكثير من البدع والأمور الغير لائقة بسنة النبي أو بكلامه.
السنة النبوية هي الكتاب الموضح والشارح لكل ما التبس من أحكام على المسلمين، لذا كانت عملية تدوينها من أهم القرارات التي أكملها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.