تجربتي مع الصدمة النفسية

تجربتي مع الصدمة النفسية كان لها الفضل في توسيع مداركي؛ فالحياة ليست وردية اللون دائمًا، تارة نكون فوق السحاب، تنهمر دموعنا فرحًا، وتارة تنزف أعيننا الدموع ذاتها ألمًا وخذلانًا، عراقيل كثيرة نمر بها ونستطيع القيام مجددًا، لكن ما استعصى علي تجاوزه كانت تجربتي مع الصدمة النفسية، والتي سأسردها لكم من خلال موقع زيادة.

تجربتي مع الصدمة النفسية

تجربتي مع الصدمة النفسية

بدأت تلك التجربة المريرة منذ عدة أعوام، منذ أن لاحظ الجميع هدوئي التام في يوم كان الأصعب على مر سنين عمري، يوم وفاة أمي، كان الأمر أشبه بالكابوس الذي لا يستطيع عقلي استيعابه، خاصة بعد تماثل أمي للشفاء بعد فترة مرضية طويلة.

تلقيت الخبر ولم أستطيع أن أنطق بكلمة واحدة، حينها كان كل ما بداخلي يتحدث، مشاهد كثيرة، سنوات تمر الآن أمام عيني، من التي فارقتني؟ أيمزحون؟ أم أنني ما زلت نائمة، في مشاهد العزاء أدركت أن الأمر ليس بمزاح، ولكنها حقيقة أرفضها، واقع حتمًا سأعيشه ولكنه سيكون قاسيًا للغاية.

التي رحلت لم تكن أمي فقط، كانت أختي ورفيقتي وابنتي، وكنت مدللتها التي لا تعرف شيئًا عن الحياة الواقعية سوى أن أمي بخير، إذن كل شيء بخير، كنت في السابعة عشر من عمري وفي ذاك اليوم شعرت أنني قفزت للسبعين دون التفوه بكلمة واحدة تصف ما شعرت به.

حينها أدركت أنني انزلقت في منحدر الصدمة النفسية وبدأت أعراضها بالتتابع، ولكن لم استسلم لذلك الوضع؛ فقد تماثلت للشفاء وهذا ما ستعرفون تفاصيله تباعًا فيما يلي.

اقرأ أيضًا: ما هو الاضطراب النفسي

أعراض الصدمة النفسية

تعددت الأعراض في تجربتي مع الصدمة النفسية بسبب أنني لا أستطيع ترك المكان الذي يجبرني على التذكر، والحزن وكانت من أبرز تلك الأعراض:

  • الاستسلام للحزن التام مع الاحتفاظ بمظهر اللامبالاة.
  • بدأت الهواجس تنتابني مع الشعور بعدم الرغبة في التأقلم مع الواقع.
  • الشعور بالإجهاد البدني والذهني على الرغم من مكوثي في مضجعي بشكل دائم آنذاك.
  • التعرق الشديد، الصداع المستمر، تسارع ضربات القلب والشعور بالغثيان بشكل دائم
  • المعاناة من الكوابيس والذكريات ونوبات شلل النوم (الجاثوم)، وهو شلل مؤقت يحدث لمدة ثواني أثناء النوم.
  • العزلة والانطوائية والجلوس في الظلام الدامس لفترات طويلة.
  • عدم الرغبة في الأكل أو أي شيء .
  • رفض الاستماع إلى الآخرين، خاصة من يحاولون إقناعي بأنه قضي الأمر ورحلت أمي عن عالمنا.
  • لم ينتهى الأمر هنا فحسب فمن أقسى الأعراض التي راودتني آنذاك هي رغبتي في إنهاء حياتي، اعتقادًا مني أن ذلك سوف يحل المشكلة.

طالت المدة كثيرًا دون جدوى، أنا كما أنا، ويتجدد حزني، هنا أدركت حجم ما أنا به، ولكن ما الذي عليّ فعله، بدأت أبحث عن حل وأخبرت أهلي أنني أرغب في زيارة طبيب نفسي لعل وعسى يستطيع تخفيف حدة الصدمة.

دور الطبيب النفسي في علاج الصدمة

اليوم الذي قررت فيه الذهاب لطبيب، هو ذاته اليوم الذي بدأت فيه البكاء بعد حديث طويل مع المعالج، حيث شرعت في سرد تجربتي مع الصدمة النفسية له، ولكنه سرعان تدارك الأمر وأخبرني أن ما أنا به يسمى صدمة حادة، وهي نوع من 4 أنواع للصدمات النفسية سنتعرف عليهم سويًا فيما يلي:

  • الصدمة الحادة: هي صدمة ناتجة عن حادث مؤلم ومفاجئ
  • الصدمة المزمنة: هي صدمة نتيجة تكرار نفس الحدث المرهق
  • الصدمة المعقدة: هي الصدمة التي تنتج عن أحداث خطيرة ومتعددة
  • الصدمة الثانوية: هي التي تحدث نتيجة تأثر شخص ما بشخص يعاني من صدمة نفسية.

بعد تحديد نوع الصدمة التي تعرضت لها شرع الطبيب في التحدث إليّ موضحًا أن أسباب الصدمة النفسية تختلف من شخص لآخر، وفيما يلي سأعمل على عرض ما قاله لي الطبيب في ذلك الشأن.

أسباب الصدمة النفسية

تختلف أسباب الصدمات وقوة تأثيرها ومدة التعافي منها حسب قوة الشخص ومواجهته حقيقة الأمر، ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالصدمة النفسية ما يلي:

  • الكوارث الطبيعية
  • جرائم العنف كالقتل أو السطو
  • الاعتداء الجسدي أو الجنسي
  • الاعتداء اللفظي
  • فقدان شخص عزيز
  • حوادث الطرق الخطيرة
  • التعنيف المستمر
  • الحوادث والحروب الإرهابية
  • الاصطدام بحقيقة أمر قوي كنت في تغافل عنه

هنا بدأت أن أستفيق في محاولة للخلاص من تلك الحالة وطلبت من الطبيب وضع قدمي على أول طريق التعافي، حينها طلب مني اتباع عدد من الخطوات حتى نبدأ هذه الرحلة.

اقرأ أيضًا: اضطراب ما بعد الصدمة

خطوات التعافي من الصدمة النفسية

ابتسم الطبيب قليلًا وهو يقول أتعلمين أن قرارك في التعافي ليس بسهل، ولكن دعيني أخبرك أنك بالفعل بدأتي مشوار التعافي إذ أن أولى خطواته:

  • الاعتراف بوجود مشكلة نفسية والرغبة في حلها.
  • مواجهة الواقع والاعتراف به، وأنه قد حدث الأمر بالفعل، وليس علينا سوى تجاوزه؛ حتى، وإن لزم الأمر البكاء أو الصراخ فهو أمر طبيعي لإخراج المشاعر.
  • الانخراط في المجتمع والخروج من العزلة والمحاولة في التحدث إلى الآخرين، وإبلاغهم بما أعاني حتى يقومون بالدعم وتفهم الأمر.
  • ممارسة الرياضة في محاولة لاستعادة النشاط الجسماني وتجديد الدورة الدموية واكتساب طاقة إيجابية.
  • الابتعاد تمامًا عن أي مصدر للطاقة السلبية.
  • السفر بهدف الترفيه لمدة قصيرة.
  • عدم الجلوس في الأماكن المظلمة لفترات طويلة.
  • عدم السهر في محاولة لإعادة الإشراقة لوجهي من جديد لأن للشكل العام أثره في مواجهة الصدمة النفسية.
  • اتباع الإرشادات التي أوصاني بها وعدم تجاوز جرعة العلاج.

من هنا توجهت إلى أخوتي وأبي لأخبرهم بما أواجه، واطلب منهم الدعم المعنوي وألفت انتباههم لدورهم ودور أي  شخص لديه من يعاني من صدمة نفسية.

دور المحيطين في تجاوز الصدمة

عدت إلى منزلي ولكن هذه المرة لم أدخل إلى غرفتي دون التحدث وبكيت كثيرًا وطلبت من أبي احتضاني، ثم بدأت أخبرهم عن تجربتي مع الصدمة النفسية، وأنني بحاجة إلى بعض الخطوات منهم، وهى:

  • تقديم الدعم المعنوي وتشجيعي على تخطي هذه الأزمة.
  • التحدث إليّ كثيرًا وعدم تركي لأفكاري.
  • الخروج معًا في محاولة لاستعادة التكوين الأسري.
  • تذكيري بموعد العلاج والجلسات.
  • تشجيعي على العودة لممارسة حياتي بشكل طبيعي .
  • عدم الشفقة المزيفة تجاهي فهذا بدوره قد يؤدي إلى انتكاستي، فكل ما اطلبه هو العون فقط.
  • عدم إخبار الغرباء بما أعاني، فهذا ليس من شأنهم ولن يحصد إلا أقاويل مستفزة ولها تأثير سلبي.
  • تغيير ألوان المنزل حيث لا يمكننا تركه ولكن على الأقل تغيير بعض الملامح الكئيبة به، فهذا من شأنه سيغير حالنا جميعًا للأفضل.

حقًا كان لأهلي والطبيب دورًا كبيرًا في تجاوزي لتلك الأزمة بل ولاستخراج الجوانب الإيجابية من تلك التجربة، والتي سوف أمليها عليكم أملًا في زرع الأمل في قلب من  مر بتجربة كتجربتي مع الصدمة النفسية.

الجوانب المستفادة من الصدمة النفسية

على الرغم من كونها أسوأ تجربة على الإطلاق إلا أنها غيرت حياتي وشخصيتي كليًا؛ فقد استفدت منها عدة عوامل وهى:

  • أن الحياة لن تقف فيجب علينا تجاوز الأمور ما دام حزننا لن يغير شيء.
  • أنه إذا كنا نعاني من مشكلة فعلينا مواجهة الأمر وليس الهروب منه.
  • أن الحزن هو الشيء الوحيد الذي يولد كبيرًا ويقل حجمه مع الوقت.
  • أن الأهل والأصدقاء الحقيقيون هم السند بعد الله وقدرتنا على التعافي تتعزز بهم.
  • أن كل الصدمات لها جانب إيجابي وأن الإنسان بفطرته قوي فلا يجب عليه الاستسلام لما يضعفه.

اقرأ أيضًا: العلاقة بين نقص الفيتامينات والحالة النفسية

هذه كانت تجربتي مع الصدمة النفسية كيف بدأت وأين انتهت، وأتمنى أن تكون هذه التجربة بمثابة أمل لمن يقف في منتصف حزنه، وأن يعلم أن الحزن ليس بسرمدي.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.