إتقان العمل في الإسلام

إتقان العمل في الإسلام من أهم المبادئ التي علمنا إياها الدين الحنيف، فالله تعالى أمرنا بالإحسان في كل الأعمال الدينية والدنيوي منها؛ بعدما حضنا على العمل في الأساس، فلكل شخص مسلم عمل يجب أن ينتفع منه خلق الله.

إتقان العمل في الإسلام

إتقان العمل هو تنفيذه على الصورة المثلى له والوجه الأكمل على المتعارف عليه.

كلمة إتقان تقاربها في المعنى اللغوي عدة ألفاظ نحو: (جودة، إحسان).

كما أن تعاليم الدين الإسلامي تدعو إلى إتقان العمل والإحسان فيه، بالترغيب وجعله سبيل |إلى محبة الله تعالى، هو من قال:

“وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (البقرة 195).

فالله تعالى يحب المحسنين، ومن ينال حب الله تعالى ينال كل خير في الدنيا والأخرة.

عن كليب الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ منَ العامِلِ إذا عَمِلَ أن يُحْسنَ” (صحيح الجامع 1891).

في هذا الحديث يخصص الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ويخبرنا عن رب العزة أنه يحب العامل المتقن لعمله، وهذا كفيل وحده بأن يكون كل المؤمنين متقنين لأعمالهم.

اقرأ أيضًا: ايات قرانية عن اتقان العمل وما نتيجة الإتقان في العمل؟

الإتقان من صفات الله تعالى

فالإتقان قبل أن يؤمر به المسلم هو صفة من صفات الله تعالى، فقلد أتقن كل شيء خلقه، وقال عن نفسه:

“وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ  صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (النمل 88)

المتأمل لخلق الله في الكون وفي نفسه لن يجد خلل واحد فكل شيء متقن الخلق، قال تعالى في سورة الملك:

“الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)”.

الله اتقن خلق كل شيء وهو من أمر عباده بالإتقان.

المسلم مسئول عن إتقان عمله يوم القيامة

ورد في الشريعة الإسلامية إن إتقان العمل والإحسان فيه مسئولية يوف يسأل الله عباده عنها يوم القيامة فقال تعالى:

“وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (النحل 93).

كما أنه ليس المطلوب من المسلم أن يعمل فقط، لكن من واجبه إتقان هذا العمل، وإتقان العمل في الإسلام ليس شيء هامشي ثانوي؛ بل هو فريضة أمرنا بها الله تعالى حتى في الأشياء البسيطة مثل ذبح حيوان للأكل، فعن شداد بن الأوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“إنَّ اللَّهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتلةَ وإذا ذبحتُم فأحسِنوا الذِّبحةَ وليُحدَّ أحدُكم شفرتَهُ وليُرِح ذبيحتَه” (صحيح الترمذي 1409)

هذا الحديث الشريف جمع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم تعليمنا فضيلتين وهما إتقان العمل على أكمل وجه، وفضيلة الرحمة بالحيوان حتى الذي نذبحه، وأن فضيلة الإحسان تكون في كل شيء في جوانب الحياة.

اقرأ أيضًا: قصة قصيرة عن الامانة ومعنى الأمانة في اللغة وأهميتها

جزاء إتقان العمل في الإسلام

وعد الله تعالى المحسنين والمتقنين لأعمالهم خير جزاء، وأنه يوفيه أجره يوم القيامة وهذا وعد من الله تعالى، فقال:

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا” (الكهف 30)

اقرأ أيضًا: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه وآداب العمل في الإسلام

إتقان العمل في الإسلام أسلوب حياة

عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

” إن الله يحبُ إذا عملَ أحدكُم عملا أن يتقنهُ” (السلسة الصحيحة 1113).

في هذا الحديث الشريف يرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الله تعالى يحب الإتقان في أي عمل (عمل جاءت نكرة للعموم والشمول).

كما أنه يروى في بعض المصادر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث عند دفن أحد الصحابة، فكان يأمر أصحابه بأن يجعلوا اللحد مستقيم، حتى ظنوا أنها من السنة، فقال لهم أنها لا تنفع الميت في شيء لكن عليكم أن تتقنوا على عمل تقمون به، (روى هذه القصة البيهقي في كتاب شُعَبُ الْإِيمَانِ).

فإتقان العمل في الإسلام أسلوب حياة شامل كافة نواحيها، ولا يقتصر على الجوانب الدينية فقط.

اقرأ أيضًا: موضوع تعبير عن العمل وبعض الآيات والأحاديث عن فضل العمل

سبل إتقان العمل في الإسلام

وضحت الشريعة الإسلامية عدة جوانب يجب على العامل مراعاتها في عمله حتى يتقنه بشكل عام، من هذه الجوانب:

  • أن يقوم العامل بنفسه باختيار نوع العمل الذي يقدر على الإبداع به حتى يكون عنده القدرة والكفاءة التي تؤهله لإتقان العمل على أكمل وجه، كما قال الله تعالى:

“قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” (القصص 26).

أن الخير هنا بسبب قوته وأمانته وتقدمه لعمل الخير دون مقابل.

  • يكون العامل ملم بمتطلبات الوظيفة ليمكن من إتمامها على أكمل وجه، مثلما وصف سيدنا يوسف نفسه في قول الله تعالى:

“قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف 55)،

فهو عليم بما تتطلب الوظيفة، وبذلك يقدر على إتقانها.

  • الشعور بالمسؤولية تجاه العمل فهذا أدعى على إتقانه، فعن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“كُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإِمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِها راعِيَةٌ وهي مَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ في مالِ سَيِّدِهِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، قالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاءِ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَحْسِبُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: والرَّجُلُ في مالِ أبِيهِ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ.” (صحيح البخاري 2558).

في هذا الحديث يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسئولية الواقعة على كاهل كلٍ منا مما يستوجب عليه إتقان العمل لأنه سوف يسأل عنه يوم القيامة.

  • عدم الاكتفاء بإنجاز العمل والانتهاء منه بل العمل دائمًا على التحسين المستمر وتطويره.
  • مراقبة الله في كافة أحواله وطوال يومه.

اقرأ أيضًا: تعريف العمل في الاسلام وما هي شروطه وأهميته

عدم الإتقان بحجة أن الراتب لا يكفي

للأسف الشديد في الآونة تواجد بيننا قلة من الموظفين يتهاونون في تأديتهم عملهم والتفريط في الأمانة التي قبلوها دون إجبار من أحد، بحجة أن الراتب قليل أو أنه لا يتلقى القدر المناسب من أوقات الراحة، أو أن الأسعار ارتفعت جدًا وأصبح الراتب لا يكفي شيء…،  وما إلى ذلك من الحجج الواهية التي يبتكرها الكسالى تحت مسميات بلهاء مثل: “على قدر فلوسهم”.

فيفرط في الأمانة التي قبلها بنفس راضية أو سعى إليها في بعض الاحيان؛ رجم أنه يسمع قول الله تعالى في محكم التنزيل:

“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ  إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ  إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء 58).

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنَكَ، ولا تَخُنْ مَن خانَكَ” (سنن ابي داود 3534).

فكيف بعد هذا قد يجد إنسان مؤمن تبربر لعدم إتقان العمل، ولو حاولنا مسايرته في أقواله بأن الراتب قليل وظروف العمل وما إلى ذلك، أفلم يعلم قبل أن يتقدم إلى الوظيفة ويستمر بها شهور إنه يتقاضى ذاك الراتب ومتطلبات الوظيفة، فلما يستمر؟!

ليس من المفترض إذا ظلمه الأعلى منه أن يظلم الأقل منه فهذا ليس مسوخ لهذا أبدًا.

بذلك نكون قد تنالنا بالنظرة الباحثة موضوع إتقان العمل في الإسلام، نرجو أن نكون قد أفدناكم بحديثنا في هذا الموضوع، وأن نكون قد أثرينا معلوماتكم ولو بقدر بسيط.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.