معلومات عن خالد بن الوليد
معلومات عن خالد بن الوليد الصحابي الجليل الذي كان أحد عظماء أمة الإسلام وعمالقته، فقد كان خالدٌ -رضي الله عنه- محاربًا صنديدًا زمن الجاهلية وضد الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية، ولم يزل أيضًا جنديًا مغوارًا في الإسلام بعد ذلك.
لكن سيرة سيف الله المسلول تحتاج إلى تفصيلٍ طويل وشرح مستفيضٍ لكي نفهم كل جوانبها، فدعونا نبدأ ذكر سيرة هذا الصحابي المقدام ضمن سلسلة الموضوعات الدينية التي نقدمها لكم عبر موقع زيادة.
معلومات عن خالد بن الوليد
تبدأ قصة عظيمنا اليوم في شبه الجزيرة العربية، تحديدًا في قبيلة بني مخزومٍ القرشية القاطنة في بلد الله الحرامِ مكة، حيث وُلد للوليد بن المغيرة سيد قبيلة بني مخزومٍ القرشية طفلٌ أسماه خالدًا.
ولد خالدُ بن الوليد بن المغيرة في العام الثلاثين قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الموافق للعام 592 ميلاديًا.
يلتقي نسب خالد بن الوليد بالرسول صلى الله عليه وسلم في جده السادس، فهو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة، و(مُرَّة) هو الجد السابع للنبي صلى الله عليه وسلم.
نشأ خالد بن الوليد نشأةً عسكرية، وذلك يرجع للقصة التالية:
كانت قريشٌ تحكم مكة في الجاهلية، ولكن قريش لم تكن قبيلةً واحدة كما يفهم البعض، ولكنها كانت بمثابة القبيلة الأصل التي يتفرع منها عدة قبائل أخرى، وقد كانت قبيلة “بني مخزوم” أحد فروع هذه القبيلة الأصل، وكانت قريشٌ توزع الحكم بين قبائلها الفرعية، فاختصت قبيلة “بني أمية” بأمور السياسة والسلطة، واختصَّ “بنو هاشمٍ” وبنو “عبد الدار” بالسلطة الروحية والدينية وخدمة حجاج بيت الله الحرام، وكان “بنو مخزومٍ” أصحاب السلطة العسكرية والحربية، فكان أفراد تلك القبيلة متشبعين بالقوة منذ صغرهم، فكانوا أقوياء البنية يجيدون مهارات الحرب وركوب الخيول والمبارزة بالسيوف ورمي الرماح وكل ما يخص فنون الحرب في عصرهم.
فلم يكن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بمنأى عن ذلك، فهو ابن سيد تلك القبيلة المسئولة عن القوة العسكرية، فمن الطبيعي أن يكون خالد ذا حنكةٍ عسكريةٍ منذ التأسيس، مُجيدًا لفنون وتكتيكات واستراتيجيات الحرب.
إقرأ أيضًا: نسب خالد بن الوليد ومن هو خالد بن الوليد واهم صفاته
سبب تأخر إسلام خالد بن الوليد
لم يشأ خالد بن الوليد أن يسلم منذ اللحظة الأولى أن يترك دين آباءه وأجداده ويعتنق دين الإسلام، وذلك لم يكن حبًا منه في عبادة الأصنام التي كان أهل مكة يعبدونها زمن الجاهلية، فهو لم يكن متدينًا أصلًا زمن الشرك، بل كان ذلك بسبب تأثره بأفكار والده الوليد بن المغيرة.
كان الوليد بن المغيرة قاسيًا باطشًا في معاملته مع أهل بيته، فلم يكن أحدٌ منهم يمتلك الجرأة لمعارضة ما يقول أو مناقشة ما يفعل، وكان الوليد كارهًا لدين الله عز وجل، مغترًا بما فيه من عزٍ وسلطةٍ وجبروت ونعمة كثرة الولد، بل كان يرى أنه الأحق بالنبوة من محمد صلى الله عليه وسلم، ومن شدة كفره أنزل الله –تعالى- فيه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة فقال عن الوليد: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّاۖ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا)، فقد اجتمع معظم المفسرين على أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة الخزومي دونًا عن غيره لكي يبلغه النبي صلى الله عليه وسلم بما سيلقاه من عذابٍ في الدنيا والآخرة جزاءً لكبره واغتراره بماله وولده.
نفهم مما سبق أن تأخر إسلام خالد بن الوليد كان يرجع إلى قسوة أبيه وكرهه لدين الله عز وجل، فقد ورث خالدٌ -رضي الله عنه- عن أبيه كرهه للإسلام ولنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.
أسر أخو خالد بن الوليد يوم بَدْر واشتعال فتيل أُحُد
لم يشارك خالد بن الوليد في معركة بدرٍ الكبرى التي كانت أول صدامٍ عسكريٍ بين القرشيين والمسلمين، ولكن المسلمين انتصروا في هذه المعركة نصرًا ساحقًا وغنموا الكثير من الغنائم والأسرى في تلك المعركة.
كان من بين أسرى بدرٍ سبعة عشر رجلًا من بني مخزوم قبيلة خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وكان من بين هؤلاء الأسرى أخو خالد بن الوليد، وهو الوليد بن الوليد بن المغيرة، فلم يتركه المسلمين إلا بعد أن دفعت لهم قريشٌ 4000 درهم ليفتدوه بها.
أراد مشركي مكة الانتقام مما حدث لهم يوم بدرٍ من هزيمةٍ وإنزال للهزيمة الساحقة بهم، فضيقوا على بعض المسلمين الذين لا يزالون موجودين بمكة وأخذوا ما معهم من أموالٍ وتم تشريدهم خارج مكة، فقوبل ذلك بردٍ ساحقٍ ماحقٍ من المسلمين بالتضييق على قافلة قريشٍ القادمة من بلاد الشام، فكان ذلك إنذارًا ببداية حرب أخرى بين المسلمين والمشركين كانت تلك هي غزوة أحد في العام الثالث للهجرة.
خالد بن الوليد يوم غزوة أُحُد
كان النصر يوم أحدٍ في بدايةِ الأمر للمسلمين، حتى نزل الرماة المأمورون بحماية ظهور المسلمين في الحرب من على جبل الرماة وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في ذلك الوقت كان أغلب صناديد الكفر في قريش وأعتاهم قوةً قد ولوا الأدبار وهربوا فارين من جيش المسلمين الذي أنزل بهم هزيمة ساحقة أخرى عند جبل أُحُد، ولم يكن أيٌ من المشركين يفكر في العودة إلى ساحة المعركة بعد الفرار، فقد رأو قوةً من المسلمين لم يروا نظيرها من قبل.
اختلف رأي خالد بن الوليد عن بقية جيش المشركين آنذاك، فقد ظل يترقب وينظر بعين الحذر إلى جيش المسلمين منتظرًا حدوث ثغرةٍ ولو بسيطةٍ فيه يستطيع من خلالها العبور إلى قلب جيش الإسلام والفتك به.
لم يطل انتظار خالد بن الوليد لرؤية ما يتمنى، فقد حدثت بالفعل ثغرةٌ كانت سببًا في هزيمة المسلمين بعد ذلك.
إقرأ أيضًا: متى كانت غزوة أحد؟ وكيف تم الإستعداد لها ومجريات الغزوة من البداية حتى النهاية
هزيمة المسلمين
كانت تلك الثغرة هي جبل الرماة الذي أصبح بلا رماة تقريبًا، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة بعد النزول حتى وإن رأو أن المشركين يولون الأدبار وينهزموا شرَّ هزيمة، ولكنَّ أحدًا منهم لم يستمع لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى عشرةٍ من أصل خمسين راميًا مسلمًا كانوا فوق الجبل، فاستغل خالد تلك الفرصة وأقنع من استطاع أن يقنعه من المشركين بالانقضاض على جبل الرماة وسفك دماء من بقي فوقه، فصعد خالد بن الوليد ومن معه جبل الرماة وأداروا القتل فيمن كانوا فوق سفحه فأصبح المسلمون بلا غطاءٍ يأمِّنهم من شر أعدائهم.
انقض خالد بن الوليد ومن معه على المسلمين الذين كانوا مشغولين بجمع غنائم المعركة وتوزيعها آنذاك، فاضطربت صفوف المسلمين وشُلَّت حركتهم حتى أن الأمر كاد أن يصل يومئذٍ لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم آخر نبيٍ لهذه الأمة، إلا أن الله -تعالى- لم يشأ لهذا أن يحدث مطلقًا، ولكن حدثت بعض الإصابات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رُوي عن سهل بن سعدٍ الساعدي -رضي الله عنه- أنه قال: “كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَومَئذٍ، وجُرِحَ وجْهُهُ، وكُسِرَتِ البَيْضَةُ علَى رَأْسِهِ”، فكان يقصد بذلك يوم أحدٍ وما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم يومها، والرباعية هو صف الأسنان الأمامي للإنسان، والبيضة هي الخوذة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتديها على رأسه في الحرب.
خالد بن الوليد يوم غزوة الخندق
في العام الخامس لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعت قوة قريشٍ مع قوة يهود المدينة وبعض الحاقدين على قيام دعوة الإسلام والمناهضين لها على أن يغزو المدينة ويقتلوا جميع من فيها بمن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكونون بذلك قد قضوا على دعوة الإسلام العظيمة وأبادوها في مهدها، فلما كان ذلك اجتمعت قوة المسلمين وحفروا خندقًا حول المدينة لئلا يدخل الأحزاب عليهم المدينة فيديرون فيهم عملية القتل والذبح، وكانت تلك مشورة سلمان الفارسي -رضي الله عنه-.
استطاع خالدٌ في تلك المعركة أن يعبر ببعض الجنود إلى الجانب الآخر من الخندق، ولكن أحد الصحابة ومعه 200 آخرين استطاعوا صدَّ هذا الهجوم وردعه.
أرسل الله –تعالى- على الأحزاب ريحًا عاصفةً اقتلعت خيامهم من أماكنها، فجاء في الآية الكريمة في سورة الأحزاب قول الله –تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَاۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)، فعاد كلُّ من كان في هذه الغزوة من الأحزاب أدراجه بعد ذلك.
إسلام خالد بن الوليد
ذكرنا أن خالد بن الوليد لم يكن متدينًا بشكلٍ كافٍ زمن الجاهلية، وكان بقائه على الشرك خوفًا من أبيه الوليد الذي كان يبغض الإسلام بُغضًا شديدًا، ولكن خالدًا لم يكن من ذوي العقل الصدأ كفار قريش، بل كان حاد الذكاء محللًا للمواقف التي تحدث أمامه، وذلك ليس بالغريب عنه، فهو الذي تربى في بيئةٍ ساعدته على تأمل المواقف وتحليلها لو ضع الاستيراتجية الأمثل للفوز في الحرب.
تأمل خالد بن الوليد –رضي الله عنه- فيما حدث منذ بداية الدعوة من انتصارٍ للمسلمين وهزائم متتالية لجيش مكة وأعوانهم، فرأى أن اتباع هذا الدين هو الحق المطلق، ولكنه كان أيضًا في حيرة من أمره؛ هل يتبع دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم أم يظل على دين آباءه وأجداده؟ هل يبقى على ما توارثه من عاداتٍ وعقائد فاسدةٍ كان هو نفسه غير مقتنع بها أم يتبع الدين الحق؟
قطع هذا الشك والحيرة رسالةً من أخيه الوليد يخبره فيها بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر اسم خالد بن الوليد إلا ويتبعه بثناءٍ عليه وتمني لدخوله الإسلام.
وفي العام الثامن من الهجرة خرج خالد بن الوليد من مكة مهاجرًا إلى المدينة لإعلان إسلامه، فلقي في طريقه عثمان بن طلحة وعمرو بن العاص –رضي الله عنهم- أجمعين، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا معلنين إسلامهم، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فرحًا شديدًا وقال: “رَمَتْكُمْ مَكَّةُ بِأَفْلاَذِ كَبِدِهَا”.
حنكته العسكرية في معركة مؤتة
جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن حارثة قائدًا عامًا للجيش الإسلامي في المعركة ضد جحافل دولة الرومان، في الحديث الشريف الوارد في صحيح البخاري بسند صحيح أن رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَمَّرَ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وإنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ”، فتوفي القادة الثلاثة واتفق المسلمون على تولية خالدٍ الإمارة لعلمهم بخبرته في مجال الحروب والنزاعات والتكتيكات العسكرية.
فاستطاع خالد –رضي الله عنه أن يناوش جيش الروم ويباغتهم ويفر بجيشه بأقل قدرٍ من الخسائر، فحفظ للمسلمين كرامتهم في أول معركةٍ لهم ضد جحافل دولة الرومان، كما ألحق العديد من الأضرار والخسائر الفادحة بجيش الروم.
إقرأ أيضًا: صفات عثمان بن عفان الجسدية والخلقية ونسبه وإسلامه وزواجه وغزواته
وفاة خالد بن الوليد
توفي سيف الله المسلول بعد رحلةٍ طويلةٍ قضاها مدافعًا عن الإسلام ومحاربًا له ولإعلاء رايته، ففي اليوم 18 من شهر رمضان في العام 21 للهجرة، توفي خالد بن الوليد –رضي الله عنه في حمص بالشام، وقد كان يرغب في الموت شهيدًا فكان من آخر أقواله أن قال وهو يُحتضَر: “لقد حضرت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبر إلَّا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتفَ أنفِي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجُبناء”.
رحم الله خالدًا وأسكنه فسيح جناته وجزاه عما فعل خير الجزاء.
يمكن لمن أراد الاستزادة من سيرة سيف الله المسلول مشاهدة هذا الفيديو من هنا.
في نهاية موضوعنا فقد ذكرنا ما جمعناه من معلومات عن خالد بن الوليد وسيرته وغزواته، ولكن هذه المعلومات جميعها ليست شيئًا في حياة سيف الله المسلول فقد كانت حياةً طويلةً عامرةً بالجد والإقدام والشجاعة، فلا يسعنا إلا أن نقول رضي الله عنه وعن كل من ساهم في إعلاء راية الإسلام عاليةً خفَّاقة.