شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي

شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي تزخر اللغة العربية بكثير من الكل، بضروب من الشعر لا مثيل لها، فهي لغة القرآن في المقام الأول، ويعتبر أبو الطيب المتنبي من أشهر شعراء العرب، وله قصائد جمة في مناسبات مختلفة، وفي هذا المقال عبر موقع زيادة سنسلط الضوء على إحدى قصائده، لذا سنقدم لكم شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي.

اقرأ أيضًا: أجمل قصيدة شعر لتميم برغوثي عن فلسطين

نص قصيدة واحر قلباه للمتنبي

شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي

صنفت هذه القصيدة على أنها واحدة من أروع القصائد العربية، وقد عاتب فيها الشاعر المتنبي سيف الدولة الحمداني، إذ أنه انقاد وراء كلام الحاسدين والحاقدين وسمع منهم، وقد أطلق على هذه القصيدة أيضًا اسم البردة، وجاءت أبياتها كما يلي:

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ .. وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ.

ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي .. وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ.

إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ .. فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ.

قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ .. وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ.

فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ .. وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ.

فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ .. في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ.

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنع .. تْلَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ.

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها .. أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ.

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً .. تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ.

عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ .. وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا.

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ .. تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ.

يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي .. فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ.

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً .. أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ.

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ .. إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَم.ُ

سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا .. بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ.

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي .. وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ.

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا .. وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ.

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي .. حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ.

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً .. فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ.

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها .. أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ.

رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ .. وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ.

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ .. حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ.

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني .. وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ.

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً .. حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ.

يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ .. وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ.

مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ .. لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ.

إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا .. فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ.

وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ .. إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ.

كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ .. وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ.

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي .. أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ.

لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ .. يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ.

أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ .. لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ.

لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا .. لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ.

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا .. أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ.

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ .. وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ.

وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ .. شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ.

بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ .. تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ.

هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مقه .. قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ.

اقرأ أيضًا: قصيدة إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه كاملة

شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي

شرح القصيدة

لا يمكن أن ننكر عبر شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي أنه قد بدأ المتنبي هذه القصيدة كعادته في كثير من شعره بمدح صديقه سيف الدولة الحمداني فقال:

واحر قلباه ممن قلبه شبم.

ومن بجسمي و حالي عنده سقم.

مالي أكتّم حباً قد برى جسدي.

وتدّعي حب سيف الدولة الأمم.

بدأ المتنبي قصيدته ببيان بعض الصفات الخاصة بسيف الدولة، وهي بالطبع صفات حسنة، فأثنى على سيف الدولة خير ثناء، وأشاد بعظمته وقوته وشجاعته، التي لطالما مكنته من كسب كثير من المعارك، وكانت خير معين له على أن يذاع صيته بين قبائل العرب.

هذا بالطبع بعد تأوه كبير خرج من قلبه على أسفه وحزنه من سيف الدولة، حيث أوضح المتنبي أنه يكن له كل الحب والتقدير والاحترام، في الوقت الذي ابتعد عنه سيف الدولة ولم يبادله أية مشاعر، بل وانقاد وراء الحاقدين.

إن كان يجمعنا حب لغرته.

فليت انا بقدر الحب نقتسم.

قد زرته و سيوف الهند مغمدة.

وقد نظرت اليه و السيوف دم.

يستطرد المتنبي في حديثه ويقول، أنا أعلم أنه يشاركني في حبي لك كثير من الخلق، فأنت شخص محبوب، لكن إن شاركني غيري حبك، فامنحني مزيد من الاهتمام على قدر حبي، لأنني أحبك أكثر من أي شخص تعرفه، ومما يجعلك تمنحني اهتمام أكثر من غيري، أنا خدمتك في أوقات الحرب قبل السلم.

فكان أحسن خلق الله كلهم.

وكان أحسن ما في الأحسن الشيم.

فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ.

في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ.

في هذه الأبيات عبر مقالنا عن شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي، يقول المتنبي أنه دائمًا ما كان أفضل الناس في الأخلاق، وأسبقهم في القيم، ويقول أن العدو الذي فاته قتالك وفر، قد ظفر بحياة جديدة، فلو لقاك وقاتلك لقتلته في الحال، هذا وإن كان فر العدو خلق سيء منه، إلا أنه منحه نعمة الحياة الجديدة.

قد ناب عنك شديد الخوف واصطنع .

تلك المهابة مالا تصنع البهم.

ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها.

أن لا يواريهم أرض ولا علم.

يستطرد المتنبي في وصفه لشجاعة سيف الدولة، ويقول أن شدة شجاعتك، ومهابة عدوك لك، قد نابت عنك أكثر مما ناب عنك رجالك وجيشك الجرار، ولم يكتف المتنبي بذلك، بل مدح سيف الدولة حتى بعد أن جعل عدوه يهرع ويفر منه، بأنه لا يتركهم بل يتتبعهم في أوكارهم ومساكنهم، حتى يقضي عليهم بشكل تام.

أكلما رمت جيشا فانثنى هربا.

تصرفت بك في اثاره الهمم.

عليك هزمهم في كل معترك.

وما عليك بهم عار اذا انهزموا.

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ.

تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ.

هنا من خلال شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي، يقول أن هروب العدو يزيد الممدوح الهمة في تقفي أثره وتتبعه، وأنه لا يقبل الدنية في أي أمر من أمور حياته، فعلى الرغم من أنه لا ينال عار ولا معرة بتركه أعدائه يفرون، إلا أنه أبى إلا هزيمتهم، وتكون غايته الأساسية هي قطع رقابهم وبتر نسلهم.

يا أعدل الناس إلا في محاكمتي.

فيكَ الخصام وأنت الخصمُ والحكم.

أعيذها نظرات منك صادقة.

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم.

وما انتفاع أخي الدنيا بناظره.

اذا استوت عنده الانوار و الظلم.

في هذه الأبيات عبر رحلتنا عن شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي، يحاول المتنبي ملامسة قلب سيف الدولة، وأن يثير اهتمامه ويلفت نظره إليه، فيعاتبه بأسلوب رقيق للغاية، ويقول له أنت الذي دومًا عرفت واشتهرت بين الناس بالعدل ورقة القلب، لمَ لم يكن هذا صنيعك معي، ولمن أشكوك؟، أنت حكمي الذي أرضيه، وفي نفس الوقت أنت خصمي الذي أشكو منه!.

ثم يعبر عن مدى صدق حبه لسيف الدولة، ويقول أن الفرق بين حبه الصادق، وحب غيره ممن يتكلفون ويظهرون ما ليس حقًا، كالفرق بين النور والظلام.

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا.

بانني خير من تسعى به قدم.

أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي.

وأسمعَت كلماتِي من بهِ صممُ.

أنامُ ملء جفوني عن شواردها.

ويسهرُ الخلقُ جرَّاها ويختصمُ.

هنا ينتقل المتنبي إلى غرض آخر من القصيدة وهو المدح، حيث يمدح نفسه ويثني عليها على مسمع ومرأى من الجميع، وهذه الأبيات بشكل خاص، تعتبر من أشهر أبيات الفخر في الشعر العربي، وفيها يبين المتنبي أنه أديب لا مثيل له، لدرجة أن أدبه يقرأه الأعمى وشعره يسمعه الأصم.

كما أنه لم يقف عند هذا الحد من الفخر، بل بين قدرته على نظم القصائد بفطرته، دون الحاجة إلى السهر والتعب كأقرانه من الشعراء، فهو ينظم القصائد بسهولة بالغة، بينما غيره يسهر الليالي الكثيرة حتى يستطيع أن ينظم قصيدة واحدة متناسقة، وكل من في المجلس يعلمون أنه أفضلهم، ويستمر المتنبي في مدح نفسه فيقول:

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي.

حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ.

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً.

فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ.

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها.

أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ.

هنا يتحدث المتنبي عن نفسه ويقول، أن بعض الجهال قد يغرهم كثرة حلمي وضحكي وتبسمي في وجوههم، يحسبون اني لا أعلم بأمرهم، وحقد قلوبهم تجاهي، كلا عليهم أن يعلموا أن الأسد حين يظهر نابه لا يكون هذا تبسمًا، بل هو تمهيدًا لافتراس قادم، فاحذروا أن تثيروا غضبي.

رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَد.

وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ.

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ.

حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ.

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني.

والسيف والرمحُ والقرطاس والقلمُ.

يواصل المتنبي مسيرته في شدة الفخر بنفسه فيقول أن شهرته لا يتخيلها أحد ولا تقف فقط على المخلوقات الحية، فيعرفه كل جماد وحي، حتى أن الخيل والصحراء والليل بظلامه وظلماته يعرفونه، وكذلك لم ينس أن يجعل لنفسه فخر في أن أدوات الحروب (كالسيف) تعرفه لشدة شجاعته، أما عن كونه أديبًا يكثر الكتابة والتدوين، فالقرطاس والقلم يميزونه عن غيره ويعرفونه.

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً.

حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ.

يقص الشاعر قصص عن بطولاته ويقول أنني كنت أسير في الأرض الجدباء التي لا يوجد بها عمار ولا زرع، حتى تعجبت مني الجبال الصغيرة والكبيرة، ورافقتني الوحوش في طريق وكانت هي التي تخشى مني، ولست أخشاها.

يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ.

. وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ

مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَة.

لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ.

يعاود المتنبي أدراجه إلى الغرض الرئيسي من القصيدة وهو لوم سيف الدولة وعتابه، ويقول أنه يعز عليه فراق صديقه، وأن لا شيء في الحياة قد يغنيه عنه أو يأخذ مكان صديقه في قلبه، ويتمنى فقط لو أحبه سيف الدولة وبادله شعوره.

إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا.

فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ.

وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ.

إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ.

كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ.

وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ.

يعبر الشاعر عن شعوره بالأسف والحزن الشديدين، ويقول لصديقه إذا كان سماع الكلام السيء من الأعداء سره وراقه، فإنه سيتحمل مزيد من الألم في سبيل أن يسمع صديقه ما يحلو له، كما يواسي نفسه ويقول أنه إن لم تكن تجمعهم علاقة حب ومودة، فيكفي أن تكون بينهم علاقة معرفة.

ويمدح نفسه ثانية ويقول أن أعدائه يحاولون البحث عن سبب منطقي ليكرهوه بسببه، فلا يجدون له إلا كل جميل وحسن، ويلفت نظرهم أن ما يفعلونه شيء لا يحبه الله، بل يبغضه، وهذا تعنيف منه لسيف الدولة.

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي.

أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ.

لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ.

يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ.

أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ.

لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ.

هنا يقول أن ما يصيفونه به من نقص وعيوب، تبعد عنه ويبرأ منها كبعد الشيب والهرم عن الثريا، كما يقول أن البعد عن أصدقائه سيكلفه قطع مسافة تعجز عن قطعها الإبل ووسائل السير والركب.

لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا.

لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ.

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا.

أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ.

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ.

وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ.

في هذه الأبيات يقول المتنبي لصديقه سيف الدولة، أن على الرغم من كونه في مجلسه وفي بلاده، إلا أنه يشعر أنه غريب وغير مرحب به، لذلك على الرغم من كل ما في البلاد من خيرات ورفقاء، فهو يشعر بالوحدة بشكل مستمر، إذ أنه فقد أصدقائه كلهم بمجرد بعد سيف الدولة عنه، وهي من افضل وأجل الحكم التي تحدث عنها الشاعر في هذه القصيدة.

كما تعتبر هذه الأبيات بمثابة تهديد لسيف الدولة بخروج المتنبي من بلاده وبعده عنها، وبالتالي سيصيب سيف الدولة خسارة كبيرة لشخص لطالما ارتبط به، وربما يصيبه بذلك معرة حقيقية.

وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ.

شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ.

بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ.

تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ.

هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ.

قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ.

هنا يقول المتنبي لسيف الدولة أن مثله ليس كمثل الخساس من الشعراء ( يقصد شعراء غير العرب)، ذلك أنهم لا يتمتعون بفصاحة لسان ولا قوة بلاغية، وعلى الرغم من ذلك يصغى إليهم سيف الدولة إليهم ويسمع لهم، كما أنه يساوي بينهم وبينه في العطاء.

وفي آخر الأبيات عبر سطور شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي، يوضح المتنبي أن ما يقوم به من نظم أبيات وقصائد إنما هو من قبيل العتاب لسيف الدولة الذي ينبع من خلال الحب الدفين بين المحبين، ومن المعروف أن العتاب يبقي الحب بين المحبين ويديمه.

اقرأ أيضًا: شرح قصيدة وصف الطبيعة للشاعر احمد شوقي

وبذلك نكون ذكرنا لكم شرح قصيدة واحر قلباه للمتنبي، هذا وهي قصيدة مليئة بالأبيات والأغراض التي تتنوع وتتعدد مقاصدها وغاياتها، لذلك يمكنكم تخير بعض الأبيات واهدائها إلى أحبتكم، حفظ الله الود بينكم، وأدام عليكم المحبة.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.