حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة

تحرير: عمرو في 19 أبريل 2023

حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة كونه من الآداب العامة لقضاء الحاجة الواجب أتباعها من قبل كل من ينتمي إلى الدين الإسلامي، فما أدلته من الأصول الفقهية؟ وما الأحكام المتعلقة به؟ هذا ما سنتناوله في موضوعنا داخل موقع زيادة.

بسبب شمولية الدين الإسلامي وكماله، وتمام النعمة على المؤمنين؛ من الطبيعي أن يتناول كل جوانب حياة المسلم من المهد إلى اللحد، فنجد موضوعنا الذي نتناوله اليوم.

حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة

عند البحث عن حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة في كتب الفقه الإسلامي وجدنا باب كامل في كتب الفقه تحت اسم “الآداب العامة لقضاء الحاجة في الإسلام” منها حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة وهو واجب على كل مسلم، وأسدل الفقهاء في قولهم هذا بحديث ورد عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال:

“أَرْدَفَنِي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ خَلْفَهُ. فأسَرَّ إلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ به أحَدًا مِنَ النَّاسِ وكانَ أحَبَّ ما اسْتَتَرَ به رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ، أوْ حَائِشُ نَخْلٍ” (صحيح مسلم 342).

قالَ ابنُ أسْمَاءَ في حَديثِهِ: (حَائِشُ نَخْلٍ ) يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ.

في هذا الحديث الشريف يعلنا الرسول صلى الله عليه وسلم أدب من آداب قضاء الحاجة كي لا تتكشف عورة المسلم أو يؤذي أحد وكان أحب شيء له لكي يقضي حاجته هو الهدف (أي المكان المرتفع من الأرض) فيستتر ورائه من أعين الناس أو حائط من النخل؛ وذلك بسبب طبيعة النخل المتقارب من بعضه جدًا فإنه يخفي كامل الإنسان، وفي هذا دليل واضح على حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة.

إن لم يجد الإنسان ما يستتر به عند قضاء الحاجة

في بعض الأحيان يكون الرجال في الصحراء لرحلات الصيد، أو التخييم أو ما إلى ذلك، فلا يجد المرء ما يستتر به فما حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة في هذه الحال؟

بالطبع الرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا ما الحل في مثل هذا الموقف ففي حديث المغيرة بن شعبة قال:

“كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في سفرٍ، فأتى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حاجتَه فأَبْعَدَ في المَذْهَبِ” (سنن الترمذي 20).

أي أن النبي صلى الله يعلمنا إن لم نجد ما نستتر به عند قضاء الحاجة أن نبتعد قد الإمكان عن الناس بحيث لا يرانا أحد، وأكد الحديث السابق حديث آخر قاله عبد الرحمن بن قراد، قال:

“خرجتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى الخلاءِ وكان إذا أراد الحاجةَ أبعَدَ” (السلسلة الصحيحة 3/149).

فهذا الحديث يؤكد نفس ما قُلناه آنفًا، أن المسلم إذا لم يجد ما يستتر به لقضاء حاجته يجب عليه الابتعاد كل البعد عن أعين الناس.

ذكر الله قبل دخول الخلاء

بعد أن علمنا حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة، فإن هناك ذكر يجب أن يقوله المسلم عند التوجه للخلاء لقضاء حاجته، ورد في حديث عن أنس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“إنَّ هذه الحُشوشَ مُحتَضرةٌ، فإذا أتى أحَدُكم الخلاءَ فلْيَقُلْ: أعوذُ باللهِ مِن الخُبُثِ والخبَائثِ” (سنن أبي داود 6).

يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن المسلم منا إذا أراد الدخول إلى الخلاء (موضع قضاء الحاجة عامة) أن يدعو الله ويقول:

“أعوذُ باللهِ مِن الخُبُثِ والخبَائثِ”.

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الشيطان الرجيم إظهارًا لعبوديته لله، ولتعليمنا نحن.

كذلك في معنى “الخُبُثِ والخبَائثِ” أختلف المفسرون في معناها فقيل:

الخبث هو ذكور الشياطين والخبائث هي إناثهم الذين يلقون كيدهم على المؤمنين.
الخبث هم الشياطين، والخبائث هي المعاصي.
الخبث هو الشر عند بعض المفسرين وهو الكفر عند آخرين.

الحماية من أعين الجن في الخلاء

يعلمنا أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحتمي من أعين الجن في الخلاء عند خلع الملابس، ليس الستر عن البشر فقط فنقول: “الحمد لله” وورد ذلك في حديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال:

“سَترُ ما بين أعينِ الجنِّ، وعوْراتِ بني آدمَ، إذا دخل أحدُهم الخلاءَ أن يقولَ: بسمِ اللهِ” (صحيح الترمذي 606).

بالجمع بين الحديث السابق وهذا الحديث أصبح ذكر دخول الخلاء هو قول لأثنين معًا “بسمِ اللهِ، أعوذُ باللهِ مِن الخُبُثِ والخبَائثِ”، وهذا قال به الإمام النووي رحمه الله.

اختيار مكان قضاء الحاجة

كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس كل الأماكن على الأرض تصلح لقضاء الحاجة، فقد تؤذي الناس في بعض الأماكن وورد ذلك في حديث عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“اتَّقوا الملاعنَ الثَّلاثَ: البَرازَ في المواردِ، وقارعةِ الطَّريقِ، والظِّلِّ” (صحيح أبي داود رقم 26).

اتقوا هي اجتنبوا
الملاعن هي الأمور التي تجلب على صاحبها اللعان من الله تعالى ومن العباد.
الموارد هي مصادر المياه مثل الآبار والأنهار والبحيرات.
قارعة الطريق هي الأماكن في وسط الطريق حيث يمر الناس .
الظل هي الأماكن الظليلة حيث يرتاح الناس فيها من الحر، سواء كان تحت شجرة أو بيت أو ما إلى ذلك.

ففي هذا الحديث ينهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن قضاء الحاجة في مثل تلك الأماكن حتى لا يتأذى أحد بسبها.

عدم ذكر الله تعالى في الخلاء

يسن عن الرسول صلى الله عليه وسلم عدم ذكر الله تعالى في الخلاء (موضع قضاء الحاجة)، أو أثناء قضاء الحاجة، فعن جابر بن عبد الله قال:

“أنَّ رجلًا مرَّ علَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ يبولُ فسلَّمَ عليهِ فقالَ لَه رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا رأيتَني علَى مثلِ هذهِ الحالةِ فلا تسلِّم عليَّ فإنَّكَ إن فعَلتَ ذلِكَ لم أردَّ عليكَ” (صحيح ابن ماجه 287).

يحكي جابر بن عبد الله أن الرسول كان يقضي حاجته في مكان ما ومر عليه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه لأن رد السلام فيه اسم الله تعالى وأن اسم الله لا يُذكر في مثل هذا الأماكن وهذه الحالة التي يكون عليها المسلم.

ففي ذلك تنزيه اسم الله تعالى عن الذكر في مثل هذه الحالة، والهيئة.

غسل اليدين بعد قضاء الحاجة

من آداب قضاء الحاجة الواردة في السنة، أن يغسل المسلم يده بعد الاستنجاء، في ذلك ما ورد عن جرير بن عبد الله أنه قال:

“كنتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأتى الخلاءَ فقضى الحاجةَ ثمَّ قالَ يا جريرُ هاتِ طَهورًا. فأتيتُه بالماءِ فاستَنجى بالماءِ وقالَ بيدِه فدلَك بِها الأرضَ” (صحيح النسائي 51)

ففي هذا الموقف تعلم الصحابة من النبي أنه يجب عليهم غسل الأيد جيدًا بعد قضاء الحاجة، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بتدليك يده بتراب الأرض مبالغة في تنظيفها وإذالة ما علق بها من رائحة، وقال الفقهاء المحدثون أن الصابون ومواد التنظيف تغني عن التراب بالطبع في تنظيف الأيدي.

بذلك نكون قد نقلنا لكم ما قاله الفقهاء في حكم البعد عن أعين الناس عند قضاء الحاجة، وبعض آداب قضاء الحاجة من السنة الشريفة والأدلة عليها من الأصول، نرجو أن نكون قد وفقنا الله تعالى.