من هن بنات الرسول عليه الصلاة والسلام
من هن بنات الرسول عليه الصلاة والسلام أربعة كانوا جميعهم من خديجة –رضي الله عنها-، ولكن ما هي سيرتهم وممن تزوجوا وكيف ساعدوا في إقامة دين الله عز وجل ونشره في الأرض؟
هذا ما سنتحدث عنه في موضوعنا اليوم ضمن سلسلة الموضوعات الدينية التي ننشرها لكم على موقع زيادة.
من هن بنات الرسول عليه الصلاة والسلام
أخرج الإمام البيهقي عن الزهري –وهو تابعي رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: “أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدْ، فَوَلَدَتْ لَهُ القَاسِمْ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى (أي كان يقال له يا أبا القاسم)، وَالطَّاهِرَ، وَزَيْنَبُ، وَرَقَيَّةُ، وَأُمُّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينْ”، فقد كانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلدٍ –رضي الله عنها- من أشراف القوم وساداتهم قبل الإسلام، فكانت تستأجر بمالها مِن الرجال مَن يقوم على تجارتها وقوافلها إلى بلاد الشام واليمن، فلما سمعت بأمانة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه أمَّنته على تجارتها وكانت تعطيه أزيد ما تعطي غيره من التجار.
كان أثر دخول النبي صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة –رضي الله عنها- واضحًا جليًا كعين الشمس، فقد ازدادت مكسب تجارتها الضعف بعدما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم تاجرًا عندها، فلما رأت خديجة –رضي الله عنها- ذلك حدَّثت صديقتها نفيسة بنت أمية برغبتها في الزواج منه، وكانت عند ذلك ابنة أربعين سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يزل في خمسٍ وعشرين من عمره، ولكنها لم تأبه لعامل السن لما رأت منه من صدقٍ وأمانة وحسن تصرفٍ في التجارة وأخلاقٍ كريمة.
يقول الإمام الحافظ بن حجرٍ –رحمه الله-: ” قالت نفيسة بنت أمية: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً (أي: في الخفاء) أعرض عليه نكاحها، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان مات في الجاهلية، وحين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أيماً بنت أربعين سنة، وكان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فآثرت أن تتزوج برسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابت بذلك خير الدنيا والآخرة”.
ذرية النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة –رضي الله عنها- وأنجبت له ولدان: وهما القاسم وعبدالله (وكان يلقب بالطاهر)، وقد ماتا صغارًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أنجبت له جميع بناته –رضي الله عنهن- أجمعين، فقد كانت أمًا لكلٍ من: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء بنات محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ماتوا جميعًا أيضًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ابنته فاطمة فقد توفيت بعد وفاته بستة أشهر فقط.
أسماء بنات النبي صلى الله عليه وسلم بالترتيب
1- زينب رضي الله عنها
ذكر بعض مؤرخي التاريخ الإسلامي أن خديجة –رضي الله عنها- أنجبت القاسم أول ما أنجبت، ثم تبعته زينب رضي الله عنها وعن أبيها، فهي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وثاني ذريته.
كان ميلاد زينب بنت محمدٍ -رضي الله عنها- قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات، أي في عام 600 للميلاد، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم آنذاك ثلاثون عامًا، فلما كبرت زوجها النبي صلى الله عليه وسلم من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع وكانت تحبه حبًا جمًا، فلما حان وقت البعثة ونزل أمر الله –تعالى- لنبيه قائلًا: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) نفَّذ النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه فبدأ دعوته بأهل بيته، فكانت أول من أسلم من النساء هي خديجة بنت خويلدٍ زوجته، وأسلمت أيضًا زينبُ -رضي الله عنها- واتبعت دعوة أبيها صلى الله عليه وسلم، ولكن زوجها أبو العاص لم يرغب في ترك دين آبائه وأجداده واتباع دين الإسلام، فكانت تدعوه للإسلام مرارًا وتكرارًا ولم يستجب لها.
بقيت زينب –رضي الله عنها- مع أبي العاص بن الربيع في مكة حتى بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فعلى الرغم من بقاءِ أبي العاص وإقامته على شِرْكِهِ إلا أنه لم يُكِنَّ لها أو لأبيها أي بغضٍ أو تمني للأذي، فلم يكن بقاءه على الشرك لاعتقاده الراسخ بصحة عبادة الأصنام، بل كان لمجرد أنه لا يريد ترك دين الآباء والأجداد، ويدل على ذلك رفضه دعوة المشركين له بتطليق زوجته انتقامًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد دعوه قائلين له: “فارق صاحبتك (أي: زوجتك) ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت”، فكان رده عليهم حينئذٍ: “لا والله إني لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش”، فكان وفيًا لها رغم أنها لم تكن على دينه ودين آباءه.
2- رقية رضي الله عنها
كانت رقية –رضي الله عنها- ثاني أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أختها زينب، وهي أيضًا بنت السيدة خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها-.
تزوجت رقية –رضي الله عنها- من ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن أبي لهب، ولم تكد تسعد بزواجها حتى طلقت منه قبل الدخول بها، فقد كان أبو لهبٍ من ألدِّ أعداء الإسلام منذ بداية الدعوة، فلما جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة اغتاظ غيظًا شديدًا فأمر ابنه عتبة بن أبي لهب بأن يطلق زوجته رقية نكايةً في رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظًا فيه، وكذلك أمر ابنه عتيبة أيضًا، وقد كان عتيبة زوجًا لأم كلثوم بنت محمدٍ -رضي الله عنها-، فأمرهما قائلًا لهما: “رَأْسِي فِي رُؤُوسِكُمَا حَرَامٌ إِنْ لَمْ تُطَلِّقَا ابْنَتَي مُحَمَّدٍ” وقالت أمُّهما أم جميلٍ بنتُ حربِ بنِ أميةَ: “طَلِّقَاهُمَا يَا بَنِيَّ فَإِنَّهُمَا صَبِأَتَا” فطلَّقاهما، وكان ذلك بعدما أنزل الله –تعالى- سورة المسد في أبي لهبٍ وزوجته فقال الله –تعالى-: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ).
3- أم كلثوم رضي الله عنها
ولدت أم كلثوم –رضي الله عنها- في العام 604 للميلاد، أي قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بتسعةَ عشر عامًا، فكانت بذلك صاحبة الترتيب الثالث لبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث السن.
تزوجت أم كلثوم كما ذكرنا من عتيبة بن أبي لهب أخو زوج أختها رقية، فلما كان نزول سورة المسد في أبي لهبٍ وزوجته أمر أبو لهبٍ ابنه عتيبة أن يُطَلِّق أم كلثوم كما أمر عتبة بذلك فقال لهما: “رَأْسِي فِي رُؤُوسِكُمَا حَرَامٌ إِنْ لَمْ تُطَلِّقَا ابْنَتَي مُحَمَّدٍ”، كما قالت أمُّهما أم جميلٍ بنتُ حربِ بنِ أميةَ: “طَلِّقَاهُمَا يَا بَنِيَّ فَإِنَّهُمَا صَبِأَتَا” فطلَّقاهما.
وقد جاء في كلام الصحابة –رضوان الله عليهم- أن عتيبة لما طلق أم كلثوم أحبَّ أن يرضي والده فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: “كفرتُ بدينِك أو فارقت ابنتَك لا تجيئُني ولا أجيئُك”، ثم أمسك بقميص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومزَّقه، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “أما إني أسألُ اللهَ أنْ يُسلطَ عليك كلبَه”، فخرج عتيبة في تجارةٍ لقريشٍ إلى الشام، فلما وصلوا إلى مكانٍ يُسمَّى بالزرقاء، فرأو أسدًا في هذه البقعة من الأرض يقترب منهم، فقال عتيبة صارخًا: “ويلَ أمِّي هذا واللهِ آكلي كما قال محمدٌ قاتلي ابنُ أبي كبشةَ وهو بمكةَ وأنا بالشامِ”، أي أن هذا الأسد هو من دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليقتلني، فقد قتلني وهو في مكة وأنا بالشام على بعد مسافةٍ طويلةٍ منه، وقد كان الأسد يلاحقه هو دون من معه في القافلة حتى افترسه وأكله.
وبعد وفاة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عثمان بن عفانٍ من أختها أم كلثوم -رضي الله عنهم- أجمعين، فسمي عثمانُ بـ (ذي النورين) لذلك، فقد تزوج من ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توفيت أم كلثوم في شهر شعبان من العام التاسع للهجرة ودفنت بالبقيع كأختها رقية.
4- فاطمة الزهراء رضي الله عنها
كانت فاطمة –رضي الله عنها- أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهن إلى قلبه، فقد ولدت قبيل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت زوجة عليٍّ بن أبي طالب –رضي الله عنه-، كما أنجبت له الحسن والحسين –رضي الله عنهما- فكانا أعزَّ أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبَّهم إليه.
نضجت فاطمة –رضي الله عنها- في سنٍ صغيرة، فقد كانت ملازمةً لأبيها في كل ما يفعله، حتى كان اليوم الذي أُمِرَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة، فما كان من المشركين إلا أن آذوه إيذاءً شديدًا، ومن هذا الإيذاء فعل عقبة بن أبي معيط لما جاء بسلا جذورٍ (وهي أمعاء الناقة) ووضعها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فظل ساجدًا حتى جاءت فاطمة –رضي الله عنها- وأزالته عن ظهره الشريف، فلما فعلت ذلك رفع ظهره وأتمَّ صلاته ثم دعا عليهم فقال: “اللهمَّ عليك الملأَ من قريشٍ اللهمَّ عليك بعتبةَ بنِ ربيعةَ اللهم عليك بشيبةَ بنِ ربيعةَ اللهمَّ عليك بأبي جهلِ بنِ هشامٍ اللهمَّ عليك بعقبةَ بنِ أبي معيطٍ اللهم عليك بأُبَيِّ بنِ خلفٍ أو أميةَ بنِ خلفٍ”، ويقول عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: ” فلقد رأيتهم قُتِلُوا يومَ بدرٍ جميعًا ثم سُحِبُوا إلى القَلِيبِ غيرَ أُبَيٍّ أو أميةَ فإنَّهُ كان رجلًا ضخمًا فتقطَّعَ”، فلم تكد تغيب الشمس يومَ بدرٍ حتى قتلوا جميعًا وهلكوا.
إلى هنا نكون قد انتهينا من ذكر سيرة بنات الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجهم وأبناءهم، على أمل أن تكونوا قد استمتعتم بقراءة موضوعنا اليوم وأن يكون قد زاد من معلوماتكم عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته.