فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج
فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج ينتظره المسلمون حول أرجاء الوطن العربي بالشوق كل عام، فمن رزقهم الله بنعمة زيارة بيته الحرام سيثقون بعرفة وما له من فضل عظيم، ومن لم يستطيعوا الحج يشاركون أخوتهم الحجيج بصيام ذاك اليوم العظيم لما له مكانة راسخة في الوجدان.
ثبت عن الرسول قوله: “مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ” وفي رواية أخرى: “إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ” ( رواه ابن حبان عن جابر وأحمد في مسنده).
ونزلت به الآية “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا” (المائدة 3).
فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج
رُوي في السنة النبوية الشريفة الصحيحة بالأحاديث المتواترة عن الرسول – عليه أفضل الصلاة والسلام – فضل صيام يوم عرفة، وسائر العمل الصالح في هذا اليوم المبارك.. فقد رُوي في صحيح مسلم وغيره أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ التي بَعْدَهُ”.. فظاهر الحديث يؤكد أن صيام يوم عرفة يكفر أعمال سنتين.
وورد في صحيح مسلم أيضًا “مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ” وذلك يؤكد على فضل صيام هذا اليوم المبارك وسائر العمل الصالح فيه.
تعقيب: هذا الحديث ليس ضمان على أن من يوفقه الله تعالى بصيام يوم عرفة لابد أن يعيش للسنة المقبلة؛ وإنما الحديث الشريف فيه إخبار للمؤمنين إنه من يوفقه الله بصيام ذاك اليوم مرجو تكفير ذنوبه التي سيرتكبها في عامه القادم – وكل ابن آدم خطاء ولا يخلو أحدنا من صغار الذنوب- وما استنبطه العلماء بهذا المعنى لا يتعارض مع قوله تعالى في سورة لقمان “ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” فلا يعلم الغيب إلا الله.
اقرأ أيضًا: استجابة الدعاء يوم عرفة وما فضل هذا اليوم
صيام التسع الأوائل من ذي الحجة
تبين للفقهاء أن صيام التسعة أيام الأول من شهر ذي الحجة دون يوم العيد من السنة (لأنه منهي عن الصيام يوم العيد) لقول السيدة حفصة – رضي الله عنها وأرضاها – “ربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر والركعتين قبل الغداة”. (رواه الإمام أحمد والنسائي)
فصيام التسعة أيام كلها من السنة وليس فرض، ويوم عرفة لغير الحاج.
جُل العمل الصالح في هذه الأيام مستحب بجانب الصيام لحديث البخاري (رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء”).. والمقصود بالعشر هي العشر الأوائل من ذي الحجة.. والعمل الصالح على كل الأوجه من صلاة وتكبير وتسبيح وتلاوة القرآن وإخراج الصدقات.
وفي هذا الصدد أورد الإمام السندي في حاشيته عن سنن ابن ماجة: “ ثم المتبادر من هذا الكلام عرفا أن كل عمل صالح إذا وقع في هذه الأيام فهو أحب إلى الله تعالى من نفسه إذا وقع في غيرها، وهذا من باب تفضيل الشيء على نفسه باعتبارين وهو شائع“
التهنئة بيوم عرفة
يرى العلماء إنه لا حرج في تهنئة المسلمون بعضهم بيوم عرفة وغيره من الأيام المحبوبة إليهم، لأن هذه من أمور العادات، والأصل في الأمور هي الإباحة.. ومن فتاوى الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – “التهنئة بالعيد وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
مواصلة الصيام من يوم عرفة إلى صباح أول أيام العيد للإفطار على الأضحية
تعمد التأخير بالإفطار بعد أذان المغرب مكروه، وهو بدعة إذا كان المقصود من ذلك هو التقرب إلى الله تعالى لمخالفة حديث الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” (متفق عليه).. وقال بذلك الإمام الشافعي رحمه الله، إنما السنة في هذا الموضع أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يأكل شيء حتى يعود من صلاة العيد ويفطر من الأضحية لحديث بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: “كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتى يرجع فيأكل من أضحيته” (رواه الإمام أحمد والترمذي).
ولا يوجد دليل على أن الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أمر بالوصل في صيامه إنما كانت تلك من الصفات التي أختصه الله تعالى بها لحديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما “واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فواصل الناس، فنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقالوا: إنك تواصل، قال إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى” (متفق عليه).
لذلك لا يشرع لمن صام يوم عرفة أن يتمم الصيام إلى صباح أول ايام العيد.
أفضل الأعمال في يوم عرفة لغير الحاج
كل الأعمال الصالحة والعبادات وسائر الطاعات يجب على غير الحاج الحرص عليها في يوم عرفة لما لذلك اليوم من فضل عظيم نحو:
- صيام يوم عرفة.
- الصلوات الخمس في جماعة.
- الإكثار من النوافل الرواتب وغيرها.
- تلاوة القرآن الكريم.
- صلة الرحم.
- غض البصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الدعاء في يوم عرفة لغير الحاج
يوم عرفة من المواقف التي ينبغي للمسلم تحري الدعاء بها بجد و إخلاص النية لله لما له من فضل عظيم أخبرنا به الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فضل ذاك اليوم وفضل العمل فيه والدعاء فيه أفضل دعاء.
فعن طلعة ابن عبيد الله أن رسول الله –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: “أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له”.
عن عمر ابن شعيب إن جده سمع رسول الله –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” (رواه الترمذي).
وقال عبد الرحمن المباركفوري في كتابه (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) عن هذا الحديث: “ولا يخفى أن عبارة هذا الحديث لا تقتضي أن يكون الدعاء قوله لا إله إلا الله.. إلخ بل المراد أن خير الدعاء ما يكون يوم عرفة أي دعاء كان وقوله وخير ما قلت إشارة إلى ذكر غير الدعاء فلا حاجة إلى جعل ما قلت بمعنى ما دعوت ويمكن أن يكون هذا الذكر توطئة لتلك الأدعية لما يستحب من الثناء على الله قبل الدعاء”.
كما روى الترمذي عن الإمام علي – رضي الله عنه وأرضاه – حديث غريب ليس بسند قوي: “قال: أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجئ به الريح”.
إقرأ أيضًا: اجر صيام يوم عرفة وما هو فضل هذا اليوم
التلبية في يوم عرفة لغير الحاج
لا يشرع التلبية في يوم عرفة لغير الحاج لأنها من شعائر الحاج والعمرة لذلك لا يشرع لغير الحاج القيام بها على أساس إنها فرض أو سنة.
في هذا الصدد قال الإمام الشوكاني في كتابه “نيل الأوطار”: (قال ابن عبد البر: قال جماعة من أهل العلم: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج).. فالقيام بعبادة معينة في وقت مخصوص بغير دليل شرعي هو بدعة.
صيام يوم عرفة للحاج
ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى عدم استحباب صيام يوم عرفة بالنسبة للحاج على المشعر ولو كان قويًا قادرًا على الصوم.
أما عن المالكية والحنابلة صيامه مكروه، ويرى الشافعية إنه خلاف للأولى لحديث الترمذي “عن أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ – رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ. أخرجه البخاري. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَبِى بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ“.
يرى الفقهاء تعليل ذلك بأنه:
- يضعف الحاج عن الوقوف بعرفة والدعاء به، فكان تركه أولى.
- قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: “يسن فطره للمريض والمسافر والمريض مطلقًا”.
- وقيل إنهم ضيوف الله وزواره.
- وقيل “يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلًا، فقد ذهبت العلة”
إما فقهاء الحنفية فيرون استحبابه للحاج مالم يُضعفه عن الوقوف بعرفة ويخل بعزيمته بالدعاء في هذا اليوم المبارك، لو أضعفه الصيام كره له.
الفائدة التي تعود على المسلمين في الدنيا من يوم عرفة
تذكر الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا اليوم وصفاته عندما وقف في هذا المكان المبارك، وما في ذلك من تهذيب للنفس بالدعاء والذكر.
- شعور المسلم بأخيه المسلم وحاجاته؛ مما يحمل القادرون منهم على البذل والسعي على مطالب إخوانهم.
- تبادل العلم والأخلاق الحميدة بين المسلمين مما يعود بالنفع على الجميع.
- تذكر الوقوف الأكبر بين يدي الله تعالى يوم القيامة.
- تذكر أن المسلمون كلهم سواسية فلا فضل لغني عن فقر ولا عربي عن أعجمي، والشعور بالوحدة بين كل المسلمين.
- حصول الألفة والمحبة بين المسلمين، لانهم ألتقوا من كل أقطار الأرض في هذه البقعة المباركة لتقوى الله فقط.
- معرفة المسلم بأخبار أخيه الذي يبعد عنه مئات الأميال.
- الاستسلام التام والانقياد لله تعالى فلا يعرف أحد منهم الحكمة التفصيلية في هذا المكان بالتحديد ولا هذا الميقات الزماني بالتحديد.
اقرأ أيضًا: دعاء يوم عرفة مكتوب مفاتيح الجنان
إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة
لم يثبت عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأي حديث صحيح أنه إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فإنه الحجة فيه تعادل سبع حجج في غيره.
لكن مما لا شك فيه إنه إن مواقة يوم عرفة ليوم الجمعة في يوم واحد يزيد من شرف هذا اليوم، فيوم الجمعة يوم عظيم وله من الفضائل ما له، وكذلك يوم عرفة
لكن القول بفضل ذلك أو مضاعفة الأجر لا يكون إلا بتوقيف من الشريعة وصحيح الخبر عن الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا لم يرد.
بذلك نكون قد نقلنا الأثر النبوي الشريف و قول الفقهاء عن فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج وفضل يوم عرفة وصيام التسع الأوائل من ذي الحجة و فضل الدعاء في يوم عرفة، وبعض الأحكام التي تتعلق بصيام يوم عرفة رزقكم الله وإيانا زيارة بيته الحرام وكل ما كان من توفيق فهو من رحمة الله جلا علاه وما كان من تقصير فهو منا ومن الشيطان.