وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى هي مفتتح الآية 260 من سورة البقرة التي أتت تصديقًا لما قبلها وتعليمًا لنا نحن أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتنقل بين أزهار بستان شرح الفقهاء للآية الكريمة، متناولين غريب الألفاظ بها وبعض الإعراب النحور المؤثر في المعنى والتفسير النقلي لها ومن الفائدة التربوية لها.
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل:
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (البقرة 260).
الآية الكريمة تتناول إحدى الآيات التي ساقها الله تعالى على يد سيدنا إبراهيم عليه السلام (بجانب المعجزات الأخرى) وهي معجزة إحياء الموتى، فقص علينا الله تعالى هذا في الآية الكريمة، عندما سأله سيدنا إبراهيم بأن يرى كيف يحيي الموتى فقط ليطمئن قلبه فكما نرى في الآية إن سيدنا إبراهيم كان مؤمن بالله تعالى ولم يتطرق الشك إلى قلبه.
فأمره الله تعالى بأخذ أربع من الطيور وذبحها وتقطيع الطيور وتفريق ما قام بتقطيعه على عدد من الجبال، بعد ذلك دعاها النبي إبراهيم عليه السلام فلبت الطيور النداء، وجمع الله تعالى الأجزاء المتفرقة وأصبحت حية كما كانت من قبل، فسبحان الخالق البارئ.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أين ولد سيدنا إبراهيم
غريب الألفاظ في الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
يقول ابن قتيبة في (غريب القرآن ص96) ” فَصُرْهُنَّ: أمِلْهُنَّ إليك، واجْمَعهن، وضُمَّهنَ إليكَ، أو صِحْ بِهِنَّ، وصِرهنَّ- بكسر الصَّاد -: قطِّعهنَّ”
كما يفسر معنى “سعيًا” بأن السعي في اللغة هو المشي السريع، إلا أنه في هذا الموضع قيل أن المعنى هو “عدوًا” أو المشي على أرجلهم، ذلك لأن الطيور لا يقال عنها إذا طارت لفظ “سعيًا” (غريب القرآن لابن قتيبة صفحة رقم 97).
غريب الإعراب في الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
قول الله تعالى: “يَأْتِينَكَ سَعْيًا” فكلمة (سعيًا) جاءت تجمع بين موقع الحال من ضمير الطير، وحال المخاطُب كما قال مكي في (مشكل إعراب القرآن 1/139).
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام كاملة
المناسبة فيما قبلها
وردت تلك الآية الكريمة التي نحن في خضم الحديث عنها للدلالة على البعث بعد الموت من قدرة الخالق عز وجل، بعدما قال الذي حاج إبراهيم في ربه ادعائه الإحياء والموت في الآية 258 من سورة البقرة:
“أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”
اللطائف التربوية في الآية
نجد في الآية الكريمة الكثير من الفوائد التربية، قد ذكر منها الفقهاء:
- يحتج الشيخ ابن عثيمين بالآية الكريمة على أنه لا حرج على العبد أن يطلب من الله تعالى ما يزيد به يقين قلبه، ذلك لأن الرؤية بالعين زيادة باليقين.
- إثبات الكلام لله عز وجل بما يليق بعظيم سلطانه.
- فائدة نحوية بلاغية بأنه يجوز الاقتصار في الرد على السؤال بحرف دال على الإجابة وذلك في قوله “بلى”.
- أن الله تعالى يمن على عباده بما يزيد به إيمانهم.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: فضل الصلاة الإبراهيمية 1000 مرة
البلاغة في الآية الكريم
تذخر الآية بمواطن الإعجاز، نذكر منها قول الفقهاء في:
- “رَبِّ” نداء غرضه الدعاء فيه استعطاف لله عز وجه، فيه استدعاء للإجابة من العبد.
- “أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” مبالغة في الوصف مع توكيد للخبر بـ (إن، الجملة الاسمية، استخدام صيغة فعيل).
- الإيجاز بالحذف لم تُذكر بقية القصة لأنها مدركة بالبديهة.
حديث الرسول عن وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
قد حدث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ومن بعدهم أمته أجمعين حول الآية الكريمة المفتتحة بـ(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى …) فعن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“نَحْنُ أَحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبْرَاهِيمَ إذْ قالَ: (رَبِّ أَرِنِي كيفَ تُحْيِي المَوْتَى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلَى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة: 260] ويَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، ولو لَبِثْتُ في السِّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ” (صحيح البخاري 3372).
يقول الشارحون في هذا الحديث أنه قيل بعد نزول الآية الكريمة: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي …” فقد تساءل بعض الناس كيف يشك سيدنا إبراهيم نبيًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم:
“نَحْنُ أَحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبْرَاهِيمَ” هنا النبي صلى الله عليه وسلم يرد المبالغة في نفي لاشك عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، فيقول إذا كنا نحن لا نشك في قدرة الله عز وجل في إحياء الموتى فكيف يشك إبراهيم!؟ فهو أولى بالابتعاد عن الشك، ولكن إبراهيم عليه السلام سأل الله تعالى أن يريه إحيائه للموتى ليطمئن قلبه، كما قال اله تعالى على لسانه في الآية :”… قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي…”.
يكمل الرسول صلى الله عليه وسلم بذكر نبي الله لوط عندما جاءه الضيوف وخاف عليهم من قومه وقال كما في سورة هود: “قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)” فتعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قول هذه فهو يتمنى أن يكون له معين من البشر يحمي ضيوفه من أذى قومه وهو في ذات الوقت يأوي إلى ركن شديد الله القوي الجبار.
ثم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم نبي الله يوسفًا إعجابًا بصبره وجلده في محنته في السجن وقوة إيمانه.