عدل عمر بن الخطاب
عدل عمر بن الخطاب فاق حدود العدل لدى البشر، فإذا ذُكِر عمر ذُكر العدل، وإذا ذُكر العدل ذُكر عمر، كما أن الإمام أحمد قد روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ)، فهذا دليل على عدل عمر وإقامته للحد دون استثناء، لذلك.. دعونا نستعرض لكم قصص عن عدل الفاروق عمر بن الخطاب حتى نتعظ منها، ولنتخذه قدوة لنا.
قصص عن عدل عمر بن الخطاب
هناك العديد من القصص التي تثبت عدل الفاروق، ومن تلك القصص:
اقرأ أيضًا : اهم اعمال عمر بن الخطاب الحضارية والعبادية والحربية
رجل مصري يستنجد بعمر بن الخطاب
في كنز العمال عن أنس: أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم.
قال: عذت معاذًا.
قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط.
ويقول: أنا ابن الأكرمين فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقدم.
فقال عمر: أين المصري، خذ السوط فأضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر أضرب ابن الأكرمين!!
قال أنس: فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه.
ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو.
فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه.
فقال عمر: لعمرو مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.
في هذه القصة يروي لنا أنس ابن مالك أن رجل جاء من مصر إلى أمير المؤمنين – عمر بن الخطاب رضي الله عنه – واستجار به من ظلم وقع عليه وقال له أنه كان يسابق أبن عمرو بن العاص (والي مصر في ذلك الحين) فما سبقه الرجل المصري ضربه بالسوط (الكُرْباجُ) وضل يقول له أنا أبن الأكرمين أي كيف تسبقني وأنا أبن الوالي.
فما كان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلا أن أرسل إلى عمر بن العاص رسالة مع رسول بأن يحضر إليه ومعه أبنه.
فلما حضر عمرو بن العاص من مصر؛ سأل عمر بن الخطاب عن الرجل المصري وأمره بضرب ابن عمر بن العاص كما ضربه وقال: “عمر اضرب ابن الأكرمين”.
ويصف أنس ابن مالك أن الرجل ظل يضرب حتى أشفق الناس على المضروب، ولم يكتفي أمير المؤمنين بذلك بل أمره أن يضرب عمرو بن العاص نفسه لأنه هو من استقوى به أبنه وقال له موبخًا: “مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”، فرد عليه بأن الرجل لم يأته ولم يكن يعلم أن هذه الحادثة حدثت.
اقرأ أيضًا : قصة عمر بن الخطاب: حياته وإسلامه وجهاده وخلافته وفضائله
قصة عمر بن الخطاب وبكاء الأطفال
روى ابن الجوزي في صفة الصفوة عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى.
فقال عمر لعبد الرحمن: هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق؟ فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما.
فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك.
ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك؟
ثم عاد إلى مكانه فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها: ويحك ما لي أرى ابنك لا يقر منذ ليلة؟
قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى.
قال: ولم؟
قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم.
قال: وكم له؟
قالت: كذا وكذا شهرًا.
قال: ويحك لا تعجليه، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء.
فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين.
ثم أمر مناديًا فنادى أن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام.
في هذه القصة يحكي ابن عمر كان يحرس بعض التجار ذات يوم في المسجد وكان يصلي أثناء نوبات الحراسة، فسمع صبي يبكي فذهب لأمه يطلب منها أن تسكته وتحسن إليه، وتكرر الأمر عدة مرات، كل مرة يذهب إليها ويقول: “اتقي الله وأحسني إلى صبيك”– كانت المرأة لا تعرفه- لكن في أخر مرة استفسر عن سبب بكاء الطفل وقال لها إن أبنك لا يكف عن البكاء طوال الليل، فقالت له المرأة أنها تحاول أن تفطمه وهو يرفض سألها كم عمره، فردت عليه بعمر الطفل و تبين له إنه أقل من عمر الفطام.
فقال لها عمر: ولما تفطميه؟
ردت المرأة: لأن عمر لا يفرض فريضة من بيت المال للأطفال الرضع فأنا أفطمه حتى استطيع أخذ نفقة له من بيت المال.
فقال لها إياك لا تعجلي فطامه.
ثم صلى بالناس الفجر، ومن كثرة البكاء لم يكاد يبين القراءة، ثم سلم وقال لنفسه: “يا بؤسا لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين”، أي يا ترى كم طفل كنت السبب في قتله وتجويعه لهذا السبب، فنسب الفعل لنفسه رغم إن أمهات الأطفال هن من يستعجلون فطامهم.
ثم أمر أن ينادي منادي في البلاد ألا يستعجلون فطام الأطفال، فمن اليوم سيتم فرض نصيب لكل طفل وإن كان يرضع، وأمر أن يُكتب بذلك إلى أفاق المسلمين كلها.
اقرأ أيضًا : لقب عمر بن الخطاب ونشأة عمر بن الخطاب
قصص أخرى تحكى عن عدل الفاروق
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان عمر يصوم الدهر وكان زمان الرمادة، إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد في الزيت إلى أن نحروا يومًا من الأيام جزورًا فأطعمها الناس، وغرفوا له طيبها فأتى به.
فإذا قدر من سنام ومن كبد فقال: أنى هذا؟
قالوا: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم،
قال: بخ بخ، بئس الوالي أنا إن أكلت أطيبها وأطعمت الناس كراديسها، أرفع هذه الجفنة أحضر لنا غير هذا الطعام، فأتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز.
ثم قال: ويحك يا يرفًا أرفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام وأحسبهم مقفرين فضعها بين أيديهم.
يروي لنا زيد ابن سالم قصة حكاها له أباه أن سيدنا عمر كان كثير الصوم، وفي عام الرماد (عام المجاعة الذي منع فيه المطر وجاع الناس، سبب تسميته بعام الرماد أن الأرض فيه أجدبت ولونها أصبح أسود، مثل: الرماد) كان أمير المؤمنين في تلك الأيام يأكل خبز في الزيت؛ وفي إحدى الأيام كانوا قد ذبحوا جمل كبير فأكل الناس وجاء رجل بقدر به سنام الجمل وكبد الجمل، فاستشاط وقال: أي أسوء والي على المسلمين إذا أكلت هذا الطعام وتركت الرعية يأكلون الطعام السيء، فرفض أن يأخذ الطعام وأمر أن يذهب به إلى أهل بيت يحسبهم من الفقراء لم يذهب إليهم منذ ثلاث أيام، وأكل هو خبز منثور في زيت.
وبعدما استعرضنا لكم أهم القصص التي ذكرت عدل عمر بن الخطاب، علينا أن نتعلم ونتعظ منها، وأن نتبع خطاه وخطى رسول الله، وبذلك.. نتمنى أن نكون قد أعطينا الفاروق جزءً من حقه، وأن نكون قد ساعدناكم في التعرف على تلك القصص، والتعلم منها.