هل الرقص حرام
هل الرقص حرام وهل هذا السؤال صحيح من الأساس؟ أم أن هناك صيغة أخرى لهذا السؤال يجب أن تكون هي الصيغة الصحيحة؟
في الحقيقة أن هذا السؤال ليس صحيحًا على عمومه هكذا، ولكن يجب علينا أن نخصص كلامنا ونحدده تحديدًا أكثر دقة وتخصيصًا، وهذا لأن الرقص قد يكون في حالات مباحًا وقد يكون في حالات أخرى محرمًا بالكلّية، وهذا يرجع للحالة التي يحصل عندها الرقص أو يكون فيها.
في هذا المقال من خلال موقع زيادة سنعرف متى يكون الرقص مباحًا ومتي يكون مستحبًا ومتى يكون مكروهًا ومتى يكون محرمًا؟
هل الرقص حرام
في البداية يجب أن تعرف عزيزي القارئ أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يظهر مانع أو دليل يدلُّ على كراهتها أو تحريمها، فمثلًا ثمرة العنب: هي في الأصل حلال للأكل والشرب كعصير وما إلى ذلك، فإذا دخل عليها مانع التخمر أو تركت لفترة حتى فسدت، تصير حرامًا لأنها تخمّرت فتأخذ حكم الخمر.
وكذلك الرقص مباحٌ في أصله من حيث أنه حركات تحرك بها المرأة جسدها كسائر حركات الإنسان المباحة من المشي والجري والقيام والقعود ونحو ذلك، وهذه الحركات كلها مباحة فيكون الرقص كذلك.
كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ جالسًا فسمِعنا لغطًا وصوتَ صبيانٍ ، فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فإذا حبشيَّةٌ تَزفنُ والصِّبيانُ حولَها ، فقالَ: “يا عائشةُ تعالَي فانظُري”. فَجِئْتُ فوضعتُ لحييَّ علَى منكبِ رسولِ اللَّهِ ، فجعلتُ أنظرُ إليها ما بينَ المنكبِ إلى رأسِهِ ، فقالَ لي : “أما شبعتِ، أما شبعت”. قالت: فجَعلتُ أقولُ لا لِأنظرَ منزلتي عندَهُ.
والحديث من رواية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وخرّجه الألباني بإسناد صحيح وذكره الإمام الترمذي في صحيحه، وقصة هذا الحديث باختصار أن صبية صغارًا كانوا يلعبون ويلهون وفي وسطهم جارية حبشية (أي: من بلاد الحبشة أو دولة إثيوبيا والصومال حاليًا) ترقص وسطهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مارًا بالقرب منهم فقال لعائشة -رضي الله عنها-: “يا عائشةُ تعالَي فانظُري” فذهبت عائشة تنظر لهم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها ذلك بل تركها حتى تستمتع وتملِّي عينها بهم.
ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها ذلك ولا على الصبية لأنهم لم يفعلوا حرامًا، فقد كان ذلك في إطار اللهو واللعب المباح وليس فيه ما يخلّ بتعاليم هذا الدين، وإلا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم فعلهم ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى فلا يتكلم إلا بالحق ولا يسكت على باطل.
وليس في الحديث ما يدلٌّ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نظر إلى الجارية وهي ترقص أو ما شابه ذلك.
وهذا الحديث دليل بيِّن على أن الرقص في أصله مباحٌ ما لم تشبه شائبةٌ تغير من حكمه.
متى يكون الرقص واجبًا؟
قد تستغرب عزيزي القارئ أن الرقص في بعض الأحيان قد يكون واجبًا، ولكن هذا ما سوف نبينه في السطور القادمة، فالرقص يكون واجبًا إذا كانت الزوجة ترقص لزوجها من باب أنها زوجته وحلال له، ففي هذه الحالة إذا أمر الزوج زوجته بذلك وكانت قادرة عليه وجب عليها طاعة زوجها، لأن الأصل في طاعة المرأة لزوجها أن تكون في الأشياء المباحة وأن تكون الزوجة قادرة على فعل ما يطلبه منها، فإذا تحقق الشرطان وجبت طاعة الزوج.
والرقص هنا لا يكون مجرد طاعة للزوج فحسب، بل يكون أيضًا لتوطيد العلاقة الزوجية وتقويتها فيما بين الزوجين إلى أبعد الحدود.
متى يكون الرقص مستحبًا؟
إذا كان الرقص بغرض التمرين لتقوية اللياقة البدنية للجسم، أو كانت المرأة تريد الترويح عن زوجها والتسْرِية عنه ففعلت ذلك دون طلب مسبق منه، أو كانت المرأة وسط جماعة من النساء من أقاربها أو أصحابها فرقصت معهم، ففي هذه الأحوال يكون الرقص مستحبًا ما لم يدخل عليه محرّم من المحرمات التي سنتطرق لها في هذا المقال.
متى يكون الرقص مباحًا؟
يكون الرقص مباحًا إذا أرادت الزوجة فعل ذلك لمجرد التفريج عن نفسها في خلوتها دون أن يقترن الرقص بما يجعله محرمًا.
متى يكون الرقص مكروهًا؟
قد يدخل حكم الكراهة في بعض حالات الرقص، وقبل أن نعرف هذه الحالات دعونا نتعرف على معنى الكراهة في الفقه.
فالمكروه عند علماء الفقه وأصوله يطلق على مَا يثاب تاركه امتثالًا، وَلَا يعَاقَبُ فَاعِلهُ.
ومعنى ذلك أن من فعل مكروهًا أثبتت كراهته عند علماء الفقه فلا يعاقب بأخذ سيئة على فعله لذلك الفعل، وإذا لم يفعله فإنه يثاب على ذلك لامتثاله للأمر.
أما عن الحالات التي يكون فيها الرقص مكروهًا فتتلخص في أنه إذا خيف أن يلحق ضرر بمن ترقص فيكون رقصها في تلك الحالة مكروهًا، كأن ترقص المرأة وسط جماعةٍ من النساء من غير معارفها فتخشى منهم حسدهم لها على سبيل المثال، أو أن ترقص المرأة أمام صبي مميِّز فتخشى على نفسها من أن يصف هذا الصبي مفاتنها أو ما شابه.
والصبي المميز هو من كان عاقلًا بالحسن والقبيح من الأشياء، عارفًا بما يعرفه الكبار.
متى يكون الرقص محرمًا؟
الخلاصة في هذا الموضوع كما ذكرنا أن الرقص يكون حرامًا إذا ما اقترن بمحرمٍ، ولكن هذا لا يعد جوابًا كافيًا شافيًا لمن يسأل عن حكم الرقص في الإسلام، فمن البديهي أن يسأل سائل عن ماهية المحرمات التي إذا اقترنت بالرقص صار حرامًا قطعًا، وهذا ما سنذكره هنا إن شاء الله.
محرمات الرقص
- الرقص مع كشف التعري أمام الرجال: وهو أن تكون المرأة مظهرة لمفاتنها عارية مما يستر عورتها، ففي هذه الحالة يحرم الرقص حتى وإن كانت بكامل ثيابها لأنها ترقص لرجال غير زوجها، ومن المعلوم أن ذلك مما يثير شهوة الرجال تجاه تلك الراقصة، بل وقد يشجع على فعل الحرام فيما بعد.
وعلى ذلك فما نراه من رقص في الكازينوهات والنوادي الليلية وما إلى ذلك فهو من قبيل الرقص المحرم تحريمًا قطعيًا، ويأثم فاعله ومشاهده أيضًا.
- الانشغال بالرقص عن أداء المهام الشرعية والواجبات الأسرية: فمن المعلوم أن المرأة إذا انشغلت بالرقص والتسلية عن أداء مهامها الحياتية وواجباتها تجاه أولادها وزوجها وتجاه ربها أيضًا فلا يكون الرقص مباحًا في هذه الحالة، بل إنه يشكل عبئا على صاحبته حتى وإن كانت ملتزمة بالضوابط الشرعية.
- إذا صاحب الرقص شرب للخمر أو ما شابه: فقد ذكرنا أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يصاحبها ما يجعلها تأخذ حكم الحرام، والخمر هي مانع كافي لجعل أي شيء تقترن به حرامًا حرمة قطعية، وذلك يرجع إلى ما تؤدي إليه الخمر من إذهاب للعقل، فقد قال – تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وفي ختام هذا المقال عن هل الرقص حرام، ننوه إلى أن الكلام المذكور في هذا المقال هي حصيلة جهد وبحث في آراء الفقهاء وعلماء الحديث، فما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو نسيانٍ فمنا ومن الشيطان … والله أعلم.