حديث واذا مرضت فهو يشفين
واذا مرضت فهو يشفين وردت في محكم التنزيل قالها الله تعالى – بالرسم الصحيح – على لسان نبيه إبراهيم – عليه السلام – في الآية رقم 70 من سورة الشعراء قال: ” الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ”.
في رحاب هذه الآية الكريم تتجلى أنوار كثيرة وضحها لنا العلماء في التفاسير وسوف نستعرضها من خلال موقع زيادة.
واذا مرضت فهو يشفين
للولهة الأولى نلاحظ تأدب سيدنا إبراهيم في الكلام عن ربه في قوله: ” وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” فأسند المرض إلى ذاته بالرغم من إنه يمكن أن يكون لأسباب عضوية أو حوادث قدرية وأسند الشفاء إلى الله تعالى وهذا من التأدب مع الله كما قالت الجن: ” وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا” (الجن10) ففعل الشر مبني للمجهول بينما قالوا أراد بهم ربهم رشدا فأسندوها إلى الخالق سبحان وتعالى.
وكذلك قال العبد الصالح الذي قابله سيدنا موسى عليه السلام عندما خرق السفينة: ” أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا” فأسند الإفساد للسفينة لنفسه رغم أن العلم هذا هو نعمة جاءته من الله.
هكذا يقول نبي الله إبراهيم إنني إذا وقعت في المرض لا يقدر على رفعه إلا الله مهما اتخذت من أسباب فالشافي هو الله.
كما يقول المفسرون أن نبي الله إبراهيم – عليه السلام – عطف ” وَإِذَا مَرِضْتُ” على ” هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ” لأنه لم يكن مريض في تلك الحالة (ذلك الوقت) واستخدام (إِذَا) التي يعرفها النحاة بـ(أداة شرط تفيد العمل في المستقبل) أي أنه يقصد لو طرأ على جسدي أي مرض في المستقبل.
إقرأ أيضًا: دعاء الشفاء من المرض
المعدة بيت الداء
ومن المفسرون مثل الشيخ أبو زهرة – رحمه الله – قال أنه ذُكر المرض و شفاء الله من المرض بعد الطعام والسقاية، في الإشارة إلى أن بعض الأمراض سببها الإفراط في الطعام، كما قال الحارث بن كلدة (أشهر أطباء العرب): ” المعدةُ بيتُ الدَّاءِ”.
قول الرسول عن المرض
عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – قال: ” دخلتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُوعَكُ وعكًا شديدًا، فمسستُه فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! إنَّك لتُوعكُ وعكًا شديدًا، قال: إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رجلان منكم، قال: قلتُ: ذلك بأنَّ لك أجرَيْن، قال: وذاك بذاك، ثمَّ قال: ما من مؤمنٍ يُصيبُه أذًى من شوْكٍ فما سواه إلَّا حطَّ اللهُ عنه خطايا كما تحُطُّ الشَّجرةُ ورقَه”.
في هذا الحديث يروي لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في وعكة (الوعكة هي الحمى) فلمس عبد الله بن عباس النبي وشعر به، فقال له يا رسول الله إنك في مرض شديد فرد عليه النبي – صلى الله عليه وسلم- إنه يمرض بمثل المرض والحمى التي تصيب رجلان منكم.
قال عبد الله بن مسعود له: وهل لك أجرين على هذا المرض فرد عليه قال: نعم.
ثم يردف رسول الله بقوله أن أي مسلم يصيبه أي مرض أو أذى فبه يكفر الله عنه سيئات كما يتساقط الورق من الأشجار فشبه النبي صلى الله عليه وسلم تكفير ذنوب المسلم بالأذى الذي يصيبه مثل الشجرة التي تهب عليها رياح الخريف فتتساقط أوراقها وتجردها.
وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي – صلى الله عليه وسلم تقول: “ما مِن مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المُسْلِمَ إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بها عنْه، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشاكُها”.
في هذا الحديث يؤكد أن أي ألم أو هم أو حزن يصيب المسلم ولو كان بسيط مثل شوكة انغرست في الجلد دون قصد فإنه يرتفع بها درجته و تحط عنه خطاياه وتطهر العبد من الذنوب والخطايا.
إقرأ أيضًا: دعاء قصير لشخص تحبه بدوام الصحة والشفاء من المرض
زيارة المريض
من الآداب والقيم الإسلامية التي حثنا عليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم بشدة هي عيادة المريض بالزيارة والسؤل والتخفيف عنه ففي الحديث الذى رواه أبي هريرة – رضي الله عنه – قال” إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يَومَ القِيامَةِ: يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي” ( صحيح مسلم 2569).
في هذا الحديث الشريف يقول الرسول أن الله تعالى يوم القيامة يكلم العبد ويقول (مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي) والله أراد مرض عبده ولكن أضاف المرض إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا لها العبد وهذه الزيارة، فيرد العبد كيف أزورك يا الله و أنت رب عالمين (أي أن المرض يكون للعباد) .
قال له الله تعالى: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؛ أي أن لو عدت المريض ستجد جزاء ذلك في يومك هذا.
فالله تعالى لا يمرض وهذا مستحيل لأن المرض من صفات النقص للمخلوقات، والله منزه عن كل نقص، لكن المرض المراد هنا مرض العبد.
فضل أطعام الطعام وسقاية العباد
في نفس الحديث السابق يقول الله تعالى للعبد يا أبن آدم اسْتَطْعَمْتُكَ (طلبت الطعام) فلم تطعمني فيرد العبد عليه: يا الله كيف أطعمك و أنت رب العالمين وأنت القوي العزيز وأنت تُطعِمُ ولا تُطْعَمُ أنت يا الله الغني عن العالمين، و العبد العاجز هو من يحتاج إلى الطعام، فيرد الله عليه أن العبد فلان طلب منك الطعام فلم تطعمه، فلو أطعمته لوجدت عندي جزاء ذلك.
ثم يقول الله تعالى للعبد: يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي( أي طلبت منك الماء)، فيرد العبد يا الله كيف اسقيك و أنت رب العالمين الغني عن عباده أجمعين الغني عن كل شيء، فيقول الله عز وجل أن العبد فلان طلب منك الماء فلم تسقيه، ألم تعلم إنك لو سقيته لكنت ستجد جزاء ذلك عندي.
إقرأ أيضًا: اللهم اشفي مرضانا وأدعية أخرى من السنة لشفاء المرضى
دعاء الله تعالى رفع المرض
فالدعاء مع الأخذ بالأسباب الطبية هم سبيلا المسلم لرفع المرض مع الاحتساب في الأجر عند الله، والله تعالي يحثنا على الدعاء في كتابه العزيز كثيرًا نحو قوله: ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” (البقرة186) وفي قوله: ” أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ” (النمل 62).
بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال المفسرين والفقهاء في جملة واذا مرضت فهو يشفين إرشاد الرسول – صلى الله عليه وسلم – لنا عن المرض وعن عيادة المريض ودعاء الله تعالى رفع المرض، حفظكم الله تعالى من كل سوء.