ولقد نصركم الله ببدر تفسير الآية لابن كثير والقرطبي
ولقد نصركم الله ببدر وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم، وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث مئة وبضعة عشر من أصحابه، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير لقريش قدمت من الشام، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم، وخرجوا في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة، فالتقوا هم والمسلمون في ماء يقال له “بدر” بين مكة والمدينة فاقتتلوا، ونصر الله المسلمين نصرا عظيما.
يمكنك الاطلاع على الكثير من المعلومات الهامة عن غزوة بدر من خلال قراءة هذا الموضوع: ما هي السورة التي نزلت في معركة بدر؟ وتاريخ ومكان وقوع غزوة بدر
تفسير ولقد نصركم الله ببدر لابن كثير
- قوله : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) أي: يوم بدر، وكان في جمعة وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغ فيه الشرك وخرب محله، [ هذا ] مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعون بعيرا، والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض، والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد.
- فأعز الله رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيض وجه النبي وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى – ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين: ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) أي: قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله، لا بكثرة العدد والعدد، ولهذا قال في الآية الأخرى: ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا [ وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ] والله غفور رحيم ) [ التوبة : 25 – 27 ] .
- وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك قال: سمعت عياض الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض – وليس عياض هذا الذي حدث سماكا – قال: وقال عمر، رضي الله عنه: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة, قال: فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت، واستمددناه، فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني وإني أدلكم على من هو أعز نصرا، وأحصن جندا: الله عز وجل، فاستنصروه، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة, قال: وقال أبو عبيدة: من يراهني؟ فقال شاب: أنا، إن لم تغضب, قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عري.
- وهذا إسناد صحيح وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بندار، عن غندر، بنحوه، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه.
- وبدر محلة بين مكة والمدينة، تعرف ببئرها، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له: ” بدر بن النارين “, قال الشعبي: بدر بئر لرجل يسمى بدرا.
- وقوله: ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) أي : تقومون بطاعته.
يمكنك الاطلاع على غزوات الرسول بالتفصيل من خلال قراءة هذا الموضوع: كم عدد غزوات الرسول بالتفصيل؟ وماذا تعني الغزوة؟
تفسير ولقد نصركم الله ببدر للبغوي
- قوله تعالى: ( ولقد نصركم الله ببدر ) وبدر موضع بين مكة والمدينة وهو اسم لموضع، وعليه الأكثرون وقي : اسم لبئر هناك، وقيل : كانت بدر بئرا لرجل يقال له بدر، قاله الشعبي وأنكر الآخرون عليه.
- يذكر الله تعالى في هذه الآية منته عليهم بالنصرة يوم بدر، ( وأنتم أذلة ) جمع : ذليل وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فنصرهم الله مع قلة عددهم، ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ).
تفسير ولقد نصركم الله ببدر للقرطبي
قوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون
فيه مسائل:
- الأولى: قوله تعالى: ولقد نصركم الله ببدر كانت بدر يوم سبعة عشر من رمضان، يوم جمعة لثمانية عشر شهرا من الهجرة، وبدر ماء هنالك وبه سمي الموضع, وقال الشعبي: كان ذلك الماء لرجل من جهينة يسمى بدرا، وبه سمي الموضع والأول أكثر, وقال الواقدي وغيره: بدر اسم لموضع غير منقول, وسيأتي في قصة بدر في ” الأنفال ” إن شاء الله تعالى, و ( أذلة ) معناها قليلون; وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا, وكان عددهم ما بين التسعمائة إلى الألف, وأذلة جمع ذليل واسم الذل في هذا الموضع مستعار، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضي عند التأمل ذلتهم وأنهم يغلبون, والنصر العون ; فنصرهم الله يوم بدر، وقتل فيه صناديد المشركين، وعلى ذلك اليوم ابتني الإسلام، وكان أول قتال قاتله النبي – صلى الله عليه وسلم – .
- وفي صحيح مسلم عن بريدة قال: غزا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبع عشرة غزوة ، قاتل في ثمان منهن . وفيه عن ابن إسحاق قال : لقيت زيد بن أرقم فقلت له : كم غزا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ؟ قال تسع عشرة غزوة . فقلت: فكم غزوت أنت معه ؟ فقال: سبع عشرة غزوة. قال فقلت: فما أول غزوة غزاها ؟ قال : ذات العسير أو العشير . وهذا كله مخالف لما عليه أهل التواريخ والسير.
- قال محمد بن سعد في كتاب الطبقات له : إن غزوات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبع وعشرون غزوة ، وسراياه ست وخمسون ، وفي رواية ست وأربعين ، والتي قاتل فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : بدر وأحد والمريسيع والخندق وخيبر وقريظة والفتح وحنين والطائف . قال ابن سعد : هذا الذي اجتمع لنا عليه.
- وفي بعض الروايات أنه قاتل في بني النضير وفي وادي القرى منصرفه من خيبر وفي الغابة . وإذا تقرر هذا فنقول : زيد وبريدة إنما أخبر كل واحد منهما بما في علمه أو شاهده. وقول زيد : ” إن أول غزاة غزاها ذات العسيرة ” مخالف أيضا لما قال أهل التواريخ والسير. قال محمد بن سعد : كان قبل غزوة العشيرة ثلاث غزوات ، يعني غزاها بنفسه . وقال ابن عبد البر في كتاب الدرر في المغازي والسير.
- أول غزاة غزاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غزوة ودان غزاها بنفسه في صفر ; وذلك أنه وصل إلى المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، أقام بها بقية ربيع الأول، وباقي العام كله . إلى صفر من سنة اثنتين من الهجرة : ثم خرج في صفر المذكور واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودان فوادع بني ضمرة ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا ، وهي المسماة بغزوة الأبواء . ثم أقام بالمدينة إلى شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة ، ثم خرج فيها واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا ، ثم أقام بها بقية ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى، ثم خرج غازيا واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وأخذ على طريق ملك إلى العسيرة .
- قلت : ذكر ابن إسحاق عن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع فلما نزلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقام بها شهرا فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة فوادعهم ; فقال لي علي بن أبي طالب : هل لك أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء – نفر من بني مدلج يعملون في عين لهم – ننظر كيف يعملون ؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فيه ; فوالله ما أهبنا إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقدمه ; فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعلي : ( ما بالك يا أبا تراب ) ; فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال : ( ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين ) قلنا : بلى يا رسول الله ; فقال : ( أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه – ووضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده على رأسه – حتى يبل منها هذه ) ووضع يده على لحيته . فقال أبو عمر : فأقام بها بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ، ووادع فيها بني مدلج ثم رجع ولم يلق حربا . ثم كانت بعد ذلك غزوة بدر الأولى بأيام قلائل ، هذا الذي لا يشك فيه أهل التواريخ والسير ، فزيد بن أرقم إنما أخبر عما عنده ، والله أعلم . ويقال : ذات العسير بالسين والشين ، ويزاد عليها هاء فيقال : العشيرة . ثم غزوة بدر الكبرى وهي أعظم المشاهد فضلا لمن شهدها ، وفيها أمد الله بملائكته نبيه والمؤمنين في قول جماعة العلماء ، وعليه يدل ظاهر الآية ، لا في يوم أحد . ومن قال : إن ذلك كان يوم أحد جعل قوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر إلى قوله : تشكرون اعتراضا بين الكلامين . هذا قول عامر الشعبي ، وخالفه الناس .
يمكنك التعرف على أسباب غزوات الرسول والنتائج المترتبة عليها من خلال قراءة هذا الموضوع: اول غزوة للرسول وما هي أسبابها والنتائج التي ترتبت عليها
رأينا ان الذي حدث أن التقى عنده المسلمون والمشركون من قريش في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وكان عدد المشركين قريبا من ألف رجل، ومع ذلك كان النصر حليفا للمسلمين ولذلك نزلت اية ولقد نصركم الله ببدر.