شرح نص الصديق الشافع
شرح نص الصديق الشافع نص الصديق ينسب للشاعر جميل بن معمر، ونسبه كالاتي هو جميل بن عبد الله بن مَعْمَر العُذْري القُضاعي وكنيته أبا عمرو، ولد بالعام الثاني والثمانون من الهجرة الموافق عام سبعمائة وواحد من الميلاد.
شرح نص الصديق الشافع
هي قصيدة غزلية جرت على البحر الطويل.
موضوع القصيدة نص الصديق الشافع، وفيها يستنجد جميل بالصديق لتحقيق وصله الروحي مع حبيبته تخفيفًا لمعاناته، داعيًا الله وصلها بعد الموت.
نص القصيدة
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما على عذبة الأنياب طيبة النشر
فإنكما إن عجتما لي ساعة شكرتكما حتى أغيب في قبري
ألما بها ثم أشفعا لي وسلما عليها سقاها الله من سائغ القطر
وبوحا بذكري عند بثنة وأنظرا أترتاح يوما أم تهش إلى ذكري
فان لم تكن تقطع قوى الود بيننا ولم تنس ما أسفلت في سالف الدهر
فسوف يرى منها اشتياق ولوعة ببين وغرب من مدامعها يجري
وأن تك قد حالت عن العهد بعدنا وأصغت الي قول المؤنب والمزري
فسوف يرى منها صدود ولم تكن بنفسي من أهل الخيانة والغدر
أعوذ بك اللهم أن تشحط النوى ببثنة في أدنى حياتي ولا حشري
وجاور إذا ما مت بيني وبينها فيا حبذا موتي إذا جاورت قبري
هي البدر حسنا والنساء كواكب وشتان بين الكواكب والبدر
لقد فضلت حسنا على الناس مثلما على ألف شهر فضلت ليله القدر
أيبكي حمام الأيك من فقد ألفه وأصبر؟ مالي عن بثينة من صبر
يقولون: مسحور يجن بذكرها وأقسم ما بي من جنون ولا سحر
لقد شغفت نفسي يا بثين بذكركم كما شغف المخمور يابثن بالخمر
ذكرت مقامي ليله البان قابضا على كف حوراء المدامع كالبدر
فكدت ولم أملك اليها صبابة أهيم وفاض الدمع مني على نحري
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر
تجود علينا بالحديث وتارة تجود علينا بالرضاب من الثغر
فيا ليت ربي قد قضى ذاك مرة فيعلم ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألت مني حياتي بذلتها وجدت بها إن كان ذلك من أمري
مضى لي زمان لو أخير بينه وبين حياتي خالدا آخر الدهر
لقلت ذروني ساعة وبثينة على غفلة الواشين ثم أقطعوا عمري
مفلجة الأنياب لو أن ريقها يداوى به الموتى لقاموا من القبر
إذا ما نظمت الشعر في غير ذكرها أبى وأبيها أن يطاوعني شعري
فلا أنعمت بعدي ولا عشت بعدها ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر
بثينة ُ قالتْ يَا جَميلُ أرَبْتَني فقلتُ كِلانَا، يا بُثينَ، مُريبُ
وأرْيَبُنَا مَن لا يؤدّي أمانة ولا يحفظُ الأسرارَ حينَ يغيبُ
بعيدٌ عن من ليسَ يطلبُ حاجة وأمّا على ذي حاجة ٍ فقريبُ
تقسيم القصيدة حسب أطراف الحوار
من البيت الأول إلى البيت الثامن الحديث موجه إلى الخليلين الصديق.
أما البقية فخطابه موجه إلى الله تعالى.
1- المقطع الأول
- الإيقاع في المقطع الأول
- الروي الراء حرف مجرور يعبر عن قوة وجراءة جميل في التعبير عن حبه لبثينة.
- تريد أسلوبي تزايد الوضع (ألما، اشفعا، بوحا)
- النداء في المقطع الأول
- خليلي غياب أداة النداء يشير إلى القرب بين المشاعر وخليله.
- الخليلان شخصيتان لا وجود لهم وهميتان، وكانت عادة شعرية قديمة فاستدعاها؛ للتخفيف عن حاله وغربته.
- الهدف منها إيصال المحبة والسلام.
- تعبر عن مرحلة البين والهجر وهو أمر تقليدي في الغزل البدوي.
- ونادرًا في الغزل البدوي ما توجد التجليات الحسية للمرأة؛ وهذا ينسجم مع ما يؤمن به العذريون.
- مضمون الرسالة، هو طلب الزيارة الشفاعة، والدعاء بأشواقي للحبيبة وكذلك هو تقليد شعري قديم، يوضح مودة الشاعر وإخلاصه لعشيقته بثينة.
- وقدم الشاعر افتراضين الأول افتراض الوفاء (لم تكن ولم تنسى)، أما الافتراض الثاني هو الخيانة ولخص نتيجته سيرى منها رفض.
الخطاب الموجه إلى الله تعالى
- شرحه، هو خطاب موجه إلى الله تعالى، متخذ التضرع والدعاء مستعيذا من البعد عن حبيبته ويبرزه في صورة الشر.
- شرح المدح، يا حب أفاد المدح
- أن يمدح في شعره، المذموم في الواقع (الموت) ليتفق ما يؤمن به العذريون من شوق للموت؛ للوصول الروحي.
شرح أخر قصيدة الصديق الشافع
- وتنوعت الأساليب الإنشائية فيها، من خطاب موجه للخليلين والله تعالى.
- شوق للحبيبة، ورغبة في وصلها بعد الموت.
النداء
- مخاطبة الخليلين، سُنّة وعادة شعريّة داوم عليها شعراء الجاهليّة.
- المُنادي جميل الشاعر.
- المنادى، الخليلان (الصديقان الوهميان)
- هما من العناصر المساعدة للشاعر لتجاوز مخنته.
الأداة
- يبين توتر وعصبية الشاعر نتيجة ابتعاده عن حبيبته.
الأمر
- يلتمس منه زيارة الحبيبة؛ لإبلاغهما السلام وطلب الشفاعة.
الدعاء
- وهذا الدعاء يبين قيمة الحبيبة بداخله.
- ورجا التأكد من بقاء الحبيبة على العهد.
2- المقطع الثاني
- استعمل الشاعر التركيب التلازمي ليضع فرضيتين.
- الفرضية الأولى، بقاء الحبيبة على العهد وفيّة (الشوق، اللوعة، الدموع…).
- الفرضية الثانية، خيانة الحبيبة للعهد (الصدود، الرفض).
النفي
- نفى بعد شكّه، بنكوثها للعهد؛ للتعبير عن ثقته حبيبته ومدى ووفائها وإخلاصها لحبّه.
3- المقطع الثالث
الدعاء
- يناجي الله، الذي كتب عليه هذا الحب، مترجية أن يقرّبه منها في الحياة وفي الممات.
التأليف
- كثرة الضمائر، يترجم تعدد الأطراف في العلاقة، من عاشق ومعشوقة ومساعد في العلاقة.
سبب شهرته
- كان قد أحب وافتتن ببثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، كانت من بنات جلدته.
- ولما أشتد عوده تقدم لخطبها من أبيها، فرفضه وزوجها من غيره، فما زاده هذا إلا هيامًا وولعًا بها، وظل يتواعدها سرًّا فتناقل الناس أخبارهما.
- فانطلق يكتب الشعر بها، فاتفق عليه قومها ليأخذوه إذا أتى فحذرته بثينة فاستخفى وقال
فلو أن الغادون بثينة كلهم غياري وكل حارب مزمع قتلي
لحاولتها إما نهاراً مجاهراً وإما سرى ليلٍ ولو قطعت رجلي - وكانت قبيلة عُذرة تقع في وادي القرى(العلا) بين الشام والمدينة.
- واشتهرت هذه القبيلة بالجمال والعشق، حتى قيل لأحد أبناءها “ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث -أي تذوب- كما ينماث الملح في الماء؟ ألا تجلدون؟ قال: إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها”.
- وقيل لأخر منهم من أنت؟ فقال “من قوم إذا أحبوا ماتوا، فقالت جارية سمعته عُذريٌّ ورب الكعبة”.
- وبالرجوع لشاعرنا جميل، فحبيبته بثينة كانت تُكنى أمّ عبد الملك، وقال فيها الشعر حتى وفاته، ومن شعره (مشطور الرجز)
يا أُمّ عبد الملكِ اصرميني فبيّني صُرمكِ أو صليني
حاله وبثينة
- حينما تنامى لقوم بثينة حديث الناس الذي تناقلوه عن جميل وإتيانه لمنزلها، جمعوا له حتى إذا أتاها ثانيًة.
- فحذرته بثينة منهم فاستخفى عنهم هاربًا، وهجاهم فاستعدوا عليه مروان بن الحكم وكان يومها والى المدينة، فنذر ليقطعن لسانه فلحق بجذام وقال
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ مُقيدٌ دَمي أَو قاطِعٌ مِن لِسانِيا
فَفي العيشِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِ مَذهَبٌ إِذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ المَثانِيا
وَرَدَّ الهَوى أُثنانُ حَتّى اِستَفَزَّني مِنَ الحُبِّ مَعطوفُ الهَوى مِن بِلادِيا
- وظل جميل بجذام حتى عزل مروان عن المدينة، فرجع لقبيلته ورجع يختلف ويتواعد بثينة سرًا.
- كان لها أخ يسمى حوَّاش عشق أخت جميل فاتفق وتواعدا للمفاخرة فظفر جميل.
- لما اجتمعوا لذلك قال أهل تيماء “قل يا جميل في نفسك ما شئت، فأنت الباسل الجواد الجمل، ولا تقل في أبيك شيئًا فإنه كان لصٍّا بتيماء في شملة لا تواري لبسته،
- وقالوا لحواش قل، “وأنت دونه في نفسك وفي أبيك ما شئت فقد صحب النبي صلى الله عليه وسلما”.
وفاته
- قال سهلُ بن سعد الساعدي “لقيني رجلٌ من أصحابي، فقال: هل لكَ في جميلٍ فإنهُ ثقيل؟ فدخلنا عليه وهو يكيدُ بنفسه وما يخيّل إليّ أن الموتَ يكرثُه (يشتدُّ عليه)”.
- فقال “ما تقولُ في رجلٍ لم يزنِ قطُّ، ولم يشرب خمرًا قطُّ، ولم يقتُل نفسًا حرامًا قطُّ، يشهدُ أن لا إله إلا الله؟ فقلتُ أظنُّه والله قد نجا، فمن هذا الرجل؟ قال أنا”.
- قلتُ “واللهِ ما سلمتَ (يُريد من الزنا) وأنت منذ عشرين سنة تنسب ببثينة، فقل إنّي لفي آخرِ يومٍ من أيّام الدُّنيا، وأوّل يوم من أيام الآخرة، فلا نالتني شفاعةُ محمد صلى الله عليه وسلم إن كنتُ وضعت يدي عليها لريبة قطُّ، قال فأقمنا حتى مات”.
- فمات جميل ومعه حبه، ويبقى شعره حيًا ومنه
لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها
أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها
فَما أَنا في طولِ الحَياةِ بِراغِبٍ إِذا قيلَ قَد سوّي عَلَيها صَفيحُها
أَظَلُّ نَهاري مُستَهاماً وَيَلتَقي مَعَ اللَيلِ روحي في المَنامِ وَروحُها
فَهَل لِيَ في كِتمانِ حُبِّيَ راحَةٌ وَهَل تَنفَعَنّي بَوحَةٌ لَو أَبوحُها
- ولما علمت بثينة بموته بكت عليه وحزنت حزنًا شديدًا وأنشدت
وإن ســلوي عــن جـميل لسـاعة مـن الدهـر مـا حانت ولا حان حينها
سـواء علينـا يـا جـميل بـن معمر إذا مــت بأســاء الحيــاة ولينهـا.
الحبَ فطرة فطرنا الله عليها، وما أجمله إن استخدم في الحلال وبأهله، ولا يصح في غير أهله، والمجاهرة بهذا متحدين بذلك الدين والأعراف، فليشد من يشد بالشاعر، ولكن ليبقى الدين سيد الموقف.