فضل سورة يس في صحيح البخاري
فضل سورة يس في صحيح البخاري موضوع يتردَّد صداه، ذلك أن سورة يس قد انتشر في فضلها أحاديث وآثار عديدة، لذلك يرغب الراغبون في التثبُّت من صِحَّة ما ورد في فضلها، حرصًا منهم حتَّى يعبدوا ربَّهم على بصيرة، فنُبيِّن من خلال موقع زيادة حقيقة ثبوت شيء عن فضلها في صحيح البخاري.
فضل سورة يس في صحيح البخاري
لم يرد حديثٌ صحيح عن فضل سورة يس في صحيح البخاري، ولا في غيره من كتب السنّة الصِّحاح، بل إنَّ الأحاديث التي وردت عن فضل سورة يس في كتب السنة أعلاها في الصحة ضعيف، وهي بين الضعيف ضعفا يسيرا والضعيف والضعيف جدا، والمنكر والموضوع والمكذوب.
البعض حين يعرف هذه الحقيقة: أنَّه لم يرد حديث صحيح عن فضل سورة يس، يضعف تعظيم السورة العظيمة في قلبه، وقد عَظُمَ الخطب إن لم نعرف قدر سورة من القرآن العظيم، وإنَّه لمن المصائب والفواجع الفهم الخاطئ للدين، والانشغال بالفرع عن الأصل.
إنَّ آية من سورة يس خير مِمَّن في السماوات ومن في الأرض من المخلوقات، وخير من الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدَّوابّ والناس أجمعين، إنَّها من كلام الله، إنَّها الفضائل قد أتتنا خالصة، إنَّه كلام تكلم به الله، فهو صفة من صفاته ليس بمخلوق تنقصه الفضائل!
اقرأ أيضًا: دعاء سورة يس بعد صلاة الفجر
موضوعات ومقاصد سورة يس
سورة يس هي السورة السادسة والثلاثون من سور القرآن، هي سورة مَكِّية، عدد آياتها 83 آية، فواصلها قصيرة، تَهزُّ وجدان النفوس المؤمنة، وقد بيَّنت الأدلة ومظاهر القدرة، ووجَّهت العقول إلى قضية البعث والنشور، والإيمان والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم.
ذُكِرَ فيها الله تبارك وتعالى، إلاهًا معبودًا، وربَّا خالقًا، وبين يدي آي السورة، تأسِرُكَ النعم، وتَرى حسن الصَنعة، وتظهر آثار العظمة، وأمارات القدرة، ولطائف التدبير، فهل يزهد زاهِد بعد ذلك في سورة يس؟!
شعارات من سورة يس
نظرًا إلى ما تضمنته السورة من مقاصد وشعارات عظيمة ظنّ البعض أن ما ورِد من فضل سورة يس في صحيح البخاري صحيحًا، إلا أنه افتراء عليه.. ففضلها كفضل سور القرآن كله.
أولًا: اترك أثرًا
قال تعالى: “إنَّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدَّموا وآثارهم“، فالآثار تُكتَب، فانظر إلى ما تتركه لنفسك من أثر في حياتك وبعد موتك، والآثار نوعان:
آثار صالحة وهي كل خير فعلته، أو تسببت فيه إرضاء لله، ومن الآثار التي تبقى لك أن تدلَّ الناس على الخير، كنشر القرآن، فلو شجَّعت أحدا على حفظ القرآن، فإنَّ لك بكلِّ حرف يقرؤه حسنة، والحسنة بعشرة، والله يضاعف لمن يشاء، فلو قام بحفظ القرآن كاملا، فإنَّ لك بحفظه، وبكلِّ مرة يقرأ فيها القرآن مثل أجره، ولو علَّم غيره، فإن لك أجره وأجر من علَّمه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
كذلك من ينشر على مواقع التواصل علما نافعا، ومن يعمل العمل فيكون قدوة لغيره، وهذا النوع من أعظم أنواع الآثار: أثر الدعوة إلى الله.
آثار خبيثة كل سوء فعلته، أو تسببت فيه، ولم تراقب فيه الله، والآثار السيئة من أخطر الأشياء التي قد تهلك الإنسان من غير أن يشعر، فمثلا من ينشر مقطعا على مواقع التواصل لا يرضي الله، فإنَّ عليه وزره، ووزر كلِّ من شاهده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وهذه الأوزار تتبع الإنسان في قبره، فقد يموت الإنسان ويبقى أثره السيء، وهو محاسب عليه ما لم يتب.
اقرأ أيضًا: دعاء سورة يس للرزق وكثرة المال
ثانيًا: سبب النزول
كانت ديار بني سلمة بعيدة عن مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم، فوجد بنوا سلمة أن بعض المناطق حول المسجد قد خلت، فأرادوا نقل منازلهم إليها لتكون قريبة من المسجد، فبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال لهم: (إنَّهُ بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قربَ المسجد)، قالوا: نعم يا رسول الله! قد أردنا ذلك، فقال: (يا بني سلِمة، ديارَكم، تُكتبُ آثارُكم، ديارَكم، تُكتبُ آثارُكم).
فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم عن ترك ديارهم، وأخبرهم أنَّ آثار خطواتهم من منازلهم البعيدة إلى المسجد تكتب لهم فتكون في صحائف حسناتهم، ونزل قول الله تعالى من سورة يس: “ إنَّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدَّموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين“.
ثالثًا: كن داعيًا
الصفحة الثانية من سورة يس ذكرت قصة مؤمن آل يس مع أصحاب القرية التي جاءها المرسلون، وبطل هذه القصة كان قدوة في الدعوة إلى الله، وترك أثرا باقيا إلى يوم القيامة، فنحن نتعلم منه الآن من خلال القرآن الكريم كما تعلم من قبلنا، وسيأتي من بعدنا من يتعلم من قصته في القرآن.
مؤمن آل ياسين يدعى حبيب النجار، كان من أهل هذه القرية التي جاءها المرسلون، وقيل إنها أنطاكية، أرسل الله إلى أهل هذه القرية اثنين من المرسلين فكذبوهما، فأرسل الله إليهم رسولا ثالثا ليُقوِّي دعوة أخويه الأوَّلين، فكذبوا الرسل الثلاثة؛
لمَّا وجد حبيب النَّجار تكذيب أهل القرية للمرسلين، قرَّر المساهمة في دعوة قومه إلى الله، فجاء من أقصى المدينة متكبِّدا عناء المسير إذ كان بيته بعيدا عن القرية في أبعد مكان في المدينة، جاء يسعى على قدميه بهمَّة تصف حُبَّه لدينه، وحرصه على هداية قومه قائلا لهم: “يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون“؛
ثم يردف متحدِّثا عن ربِّه بكلمات تصف حبَّه الذي حرَّكه للقيام بهذه المهمة العظيمة رغم أنَّه لم يكن من المرسلين، فيقول: “وما ليَ لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنِّي شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إنِّي إذا لفي ضلال مبين * إنِّي آمنت بربِّكم فاسمعون”
يعطيهم المثال على نفسه متلطِّفا معهم وحتى لا يحرجهم، فيقول إن أنا استبدلت الله تعالى الذي فطرني والذي ينفعني ويضرُّني بآلهة أخرى ليست بآلهة، ولا تنفع ولا تضر، فإنِّي بهذا أكون في ضلال مبين، لذلك أنا آمنت بربِّكم، فاسمعوا منِّي، وآمنوا بالله، فما كان منهم إلا أن قتلوه.
فقيل له: ادخل الجنة، فلمَّا رأى الجنة تذكَّر قومه، وهو لا زال يتمنى لهم الخير والهداية حتى بعد أن قتلوه، فقال متمنيا: “يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين” ولم ينزل الله على أهل هذه القرية بعد قتله أي رسل أو أنبياء، وإنما أهلكهم بصيحة واحدة من العذاب.
صفات الداعية في سورة يس
مؤمن آل يس هو قدوة لكلّ داعية لذلك نركزّ على صفات هذا الرجل المؤمن صاحب القلب النقيِّ الصافي:
- الأسلوب الحسن واللطيف في مخاطبة أهل القرية وحاول إقناعهم باللين وضرب المثل والتلميح، وتَرَكَ الاستنتاج المنطقي لهم.
- السعي بهمَّة، وبذل الجهد في الدعوة إلى الله ” وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى”.
- من غايته الدعوة إلى الله لا يأبه للشهرة والمجد.
- النصيحة يجب أن تكون خالصةً لله وهدفها جلب الخير أو دفع الضرر لا التشهير أو التصغير.
- الشهادة أثناء نشر الدين، جزاؤه الجنَّة ” قيل ادخل الجنَّة”.
رابعًا: سبِّح بحمد ربك
الآيات من 33 إلى 44 من سورة يس تعرض جانبا من جوانب عظمة الله وقدرته، وحسن صنعته، وعظيم تدبيره في خلقه، وتلطُّفه إلى عباده بالنعم، لا يملك العبد بعد قراءة هذه الآيات وبحث ما فيها من المعاني إلا أن يسجد لله العظيم مسبحا ومنزِّها ومُقدِّسا، حامدا على النعم، ومستشعرا قدرة المنعم.
اقرأ أيضًا: كيفية قراءة سورة يس على الظالم
خامسًا: كن فيكون
إذا قرأ العبد عن حال أهل النار وحال أهل الجنة، واستشعر أدلَّة القدرة، وآيات العظمة، ورأى في آخر هذه السورة ذكر البعث والحساب، وكيف أنَّ الله قادر مقتدر على إعادة هذا الإنسان للبعث والحساب كما خلقه أول مرَّة فإنَّ حاله أن يمتثل؛
فإذا قال له الله “كن” كان كما أراد الله له أن يكون، فيفعل ما يأمره الله به، ويجتنب ما ينهاه الله عنه، حتى ينجو يوم الفزع الأكبر، ويؤتى كتابه بيمينه، فيكون ممن يحاسبهم الله حسابا يسيرا، ويكون من أهل الجنة الذين هم يومئذ “في شُغُلٍ فاكهون * هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون“؛ ولا يكون من أهل النار الذين يقولون: “يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا” ويقال لهم “هذه جهنَّم التي كنتم توعدون * اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون“.
سادسًا” الشيطان عدوٌّ مبين
يُنسِي الشيطان الإنسان الغاية من خلقه، فقد أضلّ بني آدم منذ الأذل، لذلك على الإنسان أن يتخذ الشيطان عدوَّا، ويعامله معاملة العدوّ، بأن يعرفه معرفة جيدة، ويحذر مكائده، ويبتعد عن الأخلاق والأفعال والعادات التي يُروِّج لها الشيطان كثيرا، ويوسوس بها، ويصدُّ الكثيرين من الناس عن الحقِّ من خلالها، ومنها:
- الكبر.
- العناد.
- الحسد.
- التسويف.
- طول الأمد.
- الرياء.
- العجب بالنفس.
- اليأس من رحمة الله.
- الاغترار بعفو الله.
- استصغار الذنوب.
- الانشغال عن تعلُّم أمور الدين.
- الغفلة عن الآخرة بزينة الدنيا ومتاعها وحطامها.
- التهويل من أمر الدنيا، والتهوين من أمور الآخرة
- سائر المداخل التي يغوي الشيطان بني آدم منها، ويتخيَّر منها مواطن ضعفه، ويتحيَّن منه أوقات غفلته.
لكنَّ آيات القرآن فيها دواء ووقاية وحماية من كلِّ هذه الأدواء التي يبثُّها الشيطان، وفيها شفاء لما في الصدور، وإن وقع في الصدور شيء من تلك الأدواء، فبتعرُّضها للقرآن تشفى بإذن الله.. وقد كان ذلك المقصد مما قيل عن فضل سورة يس في صحيح البخاري، ولكن لا يجب نشر ما لم يقال على لِسان رسول الله، مهما كان المراد خيرًا.
إنَّ ما ذكرناه عن سورة يس لا يعدُّ شيئا في فَلَكِ أفضالها الواسع، ولا يعدُّ إلا القليل مما نتعلمه من آيات هذه السورة المباركة، وأمَّا ما ورد في فضل سورة يس في صحيح البخاري من أحاديث ضعيفة، فإنَّه فرع في فضائلها وليس أصل.