أسباب النسيان في علم النفس

أسباب النسيان في علم النفس كثيرة تخضع لعدة عوامل، كما أن هناك الكثير من النظريات التي استطاعت تفسير حدوثه وكيفية التعامل معه، وبشكل عام فإن العلاقة بين الذاكرة والنسيان وطيدة ومعقدة، وفي مقالنا على موقع زيادة نعرض أهم التعريفات والنظريات في هذا الأمر وطرق علاجه.

أسباب النسيان في علم النفس

يعرف النسيان في علم النفس بعدة مفاهيم، اتفقت جميعها على أنه عدم القدرة على استرجاع المعلومات وهو العملية العكسية لعملية التذكر والاستدعاء وقد يكون هذا النسيان جزئي أو كلي ويمكن أن يقاس من الناحية المعرفية من المعادلة “النسيان= مقدار التعلم – كمية التذكر“.

فحدوث النسيان لا يعني بالضرورة محو المعلومات واختفائها من الذاكرة، ولكنه ضعف قدرة الاستدعاء لها وتحديد مكانها، أما عن أسباب النسيان في علم النفس، فلم يتفق العلماء على نظرية محددة، بل تنافسوا في تفسير كيفية حدوثه فنتجت عدة نظريات تتكلم عن أصل النسيان وكيفيته ومنها:

1- التلف والاضمحلال (Decay Theory)

ترجع أصول هذه النظرية للعالم اليوناني أرسطو فهو أول من تكلم عنها، ومن بعده أتى ثورندايك الذي كان يتبنى إحدى نظريات التعلم المعروفة بالاستجابات حيث كان يرى أن الاستجابات تصمد أو تختفي بالممارسة أو الإهمال أو ما يعرف بالتعلم والتجربة.

فهنا يمكننا القول بإن النسيان يحدث نتيجة عدم ممارسة ما اكتسبه الإنسان بالتعلم والتجربة، مثلًا كالتوقف عن ممارسة رياضة ما وحين تعاود الأمر بعد عدة سنوات تجد به شيئا من الصعوبة، وتحتاج لوقت لكي تتم عملية استعادة المعلومات المتعلقة بهذه المهارة وفي حالة.

يرى أصحاب هذه النظرية أنه في حالة مرور وقت كبير على آخر استجابة أحدثها الإنسان تجاه شيء ما، فقد تضمحل المعلومات المخزنة بصدد ممارسة هذه المهارة وتختفي من الذاكرة نهائيًا.

اقرأ أيضًا: كثرة النسيان في عمر الشباب

2- الإحلال والتداخل (Displacement and Interference)

تنطلق هذه النظرية في شرحها لأسباب النسيان في علم النفس لعدة عوامل تتضافر معًا فتؤدي للنسيان، أولها هو مبدأ الإحلال بمعنى أن المعلومات تخزن وتحل محل بعضها البعض فتمحو الأقدم منها، وذلك يحدث تحديدًا في الذاكرة قصيرة المدى التي تمتلك قدرة استيعابية صغيرة إذا ما قورنت بغيرها من الذاكرات.

أما فيما يخص عامل التداخل، فهذه النظرية تعزي النسيان لتداخل المعلومات في بعضها وتشابك مساراتها مما يعوق مسيرة استرجاعها أو تذكرها، أي أن الأمر في حقيقته مجرد تشابك حادث بين المسارات التخزينية للمعلومات وهذا التشابك يكون:

  • تشابك قبلي: يكون هذا النوع في حالة وجود خبرات سابقة هي التي تعيق المتلقي من استقبال الخبرات الجديدة وتأخذ مكانها فلا تسمح باستقبال الجديدة.
  • تشابك بعدي: يتم تخزين الخبرات الجديدة وتؤدي لصعوبة استدعاء الخبرات الأقدم وتكف مرحلة استدعاؤها لتصدرها المشهد.

3- الفشل في الاسترجاع (Failure of retrieval)

هذه من نظريات أسباب النسيان في علم النفس وترى أن المشكلة الرئيسية في تحديد موقع المعلومات داخل الذاكرة فتصعب عملية التذكر لهذا السبب وبالتبعية لما سبق، فهذه النظرية تعتقد في عدم وجود نسيان كلي بل أن المعلومات تظل في الذاكرة ولكنها تختفي في مكان ما مجهول، أي أن المشكلة كلها صعوبة في التذكر والاستدعاء.

بالإضافة لما سبق فإن عملية النسيان هنا تقوم على عدة عوامل، أبرزها غياب المنبهات المختصة بتنشيط الخبرات محل التذكر والذي قد يرجع لسوء التخزين، ويستدل على ذلك من أولئك الذين يكونوا تحت تأثير المخدر في حجرات الجراحة أو الصدمات الكهربية ويشرعوا في سرد معلومات لا علاقة لها ببعضها، وأن هذه المعلومات قابعة في الذاكرة وعند غياب الوعي بدأت في الخروج من مكمنها.

4- نظرية تغير الأثر (Trace change)

ترجع أصول هذه النظرية من نظريات أسباب النسيان في علم النفس لأصحاب مدرسة الجشطالت، بأن العقل يميل دائمًا كونه يمتلك طبيعة ديناميكية لتنظيم نفسه بنفسه، وترتيب الخبرات التي تلقاها في سنواته السابقة.

بسبب ذلك فقد يحدث فقد لبعض هذه المعلومات أثناء عملية الترتيب أو قد تتغير أثناء انتقال المعلومات في الذاكرة أو قد يتم دمجها مع خبرات أخرى ليكونا اتحادًا جديدًا من الخبرات وفي كل الحالات يؤدي ذلك للنسيان وصعوبة الاسترجاع.

5- نظريتي فرويد والدافعية

نظرية سيجموند فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي مختلفة عما سبق، فكان مولعًا بالحديث عن الدوافع اللاشعورية وتحديدًا الكبت، ورأى فرويد أن الكبت هو سبب النسيان فيتخلص الإنسان من ذكرياته المؤلمة والحوادث المريرة عن طريق التخلص منها في اللاوعي ونقلها من الوعي وذلك ليستطيع حماية الذات أو الأنا العليا كما يسميها.

بالإضافة لنظرية فرويد فرأى بعض المنتمين لمدرسة الدوافع النفسية والتي تنبثق من نظريات فرويد أيضًا أن عملية النسيان تحدث بسبب غياب الدوافع لتذكر الخبرات أو المعلومات، كما رأى البعض الآخر أن النسيان يحدث بسبب عدم انتباه العقل إلى تسجيل الخبرات من الأساس أو عدم استيعابه كونها خبرات أو عدم اكتمالها.

أنواع النسيان

بعد وضع بعض النظريات الخاصة بأسباب النسيان في علم النفس، فإنه تبعًا لذلك قد افترض العلماء وجود أكثر من نوع للنسيان وقُسمت الأنواع كالتالي:

1- النسيان الشرودي

يمكن ارجاع سبب هذا النوع من النسيان لتفسيرات مدرسة الجشطالت لأسباب النسيان في علم النفس، حيث إن الإنسان لم يولي الاهتمام الكافي للخبرة لكي يتم الاحتفاظ بها، أو لعدم تركيزه عليها كأن ينسى مكان وضعه لنظارته أو لموعد لم يعره انتباهًا كافيًا.

2-النسيان العابر

قد يحدث هذا النوع استنادًا لنظرية الاضمحلال، حيث إنه يحدث للمعلومات التي تخزن في الذاكرة قصيرة المدى التي يلزم لانتقال الخبرات منها لذاكرة أطول عمرًا أن يكون قد حدث تكرار للمثير لكي تتكرر الاستجابة، أو بمعنى آخر أن يكون الإنسان ردد المعلومة أو تعرض لها أكثر من مرة لتثبيتها.

3- النسيان ذات الإسناد الخاطئ

في هذا النوع من النسيان لا تكون المشكلة في المعلومة بقدر اختلاط الأمر على صاحبها بمصدر تلقيها، فقد يسند المعلومة أو القول لشخص غير الأصلي الذي صدرت عنه المعلومة، وذلك قد يحدث بسبب التركيز على المعلومة وإغفال المصدر أي أنه يمكننا إرجاعها أيضًا لتفسيرات الجشطالت لأسباب النسيان في علم النفس.

4- النسيان الحاجب

هذا النوع الذي لطالما تعرضنا له أثناء أداءنا للاختبارات الدراسية، حيث إن المعلومة تكون مخزنة بالفعل في الذاكرة ولكن يصعب عملية استرجاعها وإخراجها من مكانها، أي أنه ينبثق من نظرية الفشل في الاسترجاع لتفسير أسباب النسيان في علم النفس ويكون ذلك لفترات مؤقتة، فقد تتذكر المعلومة بمجرد خروجك من لجنة امتحانك أو بعدها بوقت بسيط.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن العلماء يرون أن الأمر يتدهور مع تقدم السن، لذلك يجد أغلب كبار السن صعوبة في التذكر لزيادة التعقيد بين المعلومات بسبب كثرتها وكثرة الخبرات.

5- نسيان التحيز

يسمى في بعض الأحيان أيضًا بالذاكرة الانتقائية، حيث يميل العقل لتذكر خبرات ومعلومات معينة حسب المشاعر التي تثيرها فيه، ورفض وإهمال معلومات أخرى بسبب شعوره تجاهها، وهو الأمر الممكن إرجاعه لنظرية الكبت الفرويدية حسب أسباب النسيان في علم النفس.

اقرأ أيضًا: أسباب عدم التركيز والنسيان

الذاكرة ومستوياتها

تعرف الذاكرة في علم النفس بأنها مكان تخزين الخبرات ودوامها، أو أنها عملية اكتساب المعلومات والاحتفاظ بها وما يلي ذلك من عمليات للاحتفاظ بالمعلومات، ونضيف إلى ذلك أنه بعد البحث في موضوع الذاكرة، فتوصل العلماء أن لها ثلاث مستويات، والتي نذكرها بشيء من التفصيل فيما يلي:

1- الذاكرة الحسية (ٍSensory memory)

هي الذاكرة التي تخزن فيها المعلومات تبعًا لما استطاعت أعضاء الحس تخزينه، مثل الروائح المميزة للطعام والعطور التي ما أن نشمها نتعرف عليها، أو مذاق الأطعمة المختلفة التي قامت بتسجيلها فنعرف أي طعم نحب وأيهم نكره.

بالإضافة لما سبق، فإن الذاكرة الحسية هي أيضًا ما يجعلنا نتعرف على ملمس الأشياء واحتمالية وجود خطر، والتي نعمل عليها في الأطفال، فعند تعرضهم للشيء الساخن أو للكهرباء لا قدر الله، فإن الشعور يرتبط بالحس ويختزنان سويًا في ذاكرته فيحذر من التعرض لها مجددًا لعلمه المسبق بنتيجة التعرض إليها.

2- الذاكرة قصيرة المدى أو العاملة (Short term or Working memory)

تعتبر الخط الثاني في تخزين المعلومات، وتمتاز بعدة مميزات أبرزها:

  • تمر أولًا عبر الذاكرة الحسية وتستقر فيها المعلومات لفترة تتراوح لمدة ثلاثين ثانية فقط، كما تخضع للكثير من التغيرات والتحويلات.
  • تخضع لتنقيح وإعادة صيغة لكي تكون على صورة يستطيع العقل استقبالها والتعامل معها، والأكثر من ذلك أنها قد تقرر أهمية المعلومة بإرسالها للذاكرة طويلة المدى أو سطحيتها فتبقيها مخزنة فيها.
  • بالإضافة لذلك فهي الذاكرة المسئولة عن استقبال المعلومة من الذاكرة طويلة المدى في حال أراد الشخص تذكرها، فتصل إليها فيتذكرها الإنسان.
  • لا تستقبل سوى المعلومات الواجب الانتباه إليها فقط وقدرتها الاستيعابية محدودة جدًا فلا تتذكر أكثر من 9 وحدات كحد أقصى لها.
  • تعتبر حلقة الاتصال بين الذاكرة طويلة المدى والذاكرة الحسية.

3- الذاكرة طويلة المدى (Long term memory)

المحطة الأخيرة في مسار المعلومة أو الخبرة المكتسبة، والمكان الذي تستقر فيه المعلومات بصورة نهائية، وتتميز بالآتي:

  • تخزن المعلومات بما يعرف بطريقة التمثيل بحيث تربط المعلومة بصورة عقلية وتعمل على ترميزها.
  • أهم ما يميزها مساحتها التخزينية الهائلة، وتشير كل الإحصائيات أنه لا يوجد إنسان إلى الآن استطاع استخدامها بكافة طاقتها.
  • تمتلك كمًا ضخمًا من القدرات التمثيلية للمعلومات، فتستطيع الاحتفاظ بشكل صورة ما أو نصوص أو أحداث تتضمن الصوت والصورة والحس مجتمعين معًا.
  • يصعب في كثير من الأوقات استدعاء المعلومات منها بسبب التداخل بين خيوط المعلومات سويًا أو لعدم وجود المثير أو السبب الكافي لاستدعائها.

عملتي التذكر

كما ذكرنا سابقًا في تحليل عوامل النسيان في علم النفس فإن النسيان في نظر العلماء عملية عكسية للتذكر، لذا يجدر القول بإن عملية التذكر تقوم على عمليتين رئيسيتين وهما:

1- الاستدعاء أو الاسترجاع

تعرف باستحضار الماضي، واقتطاع جزء محدد ليتذكره الإنسان من حادثة أو من كتاب أو قصيدة، ويكون لأمر غير مرئي أو ماثل أمام الإنسان.

2- عملية التعرف

قدرة الفرد على فهم أن المعلومة التي توصل إليها جزئية من خبرة أكبر يستطيع استرجاعها وأنها ليست بالشيء الغريب عليه، ويفرق عن الاستدعاء في كونه يرتبط تذكره بوجود شيء ماثل أمام الإنسان بينما يغيب هذا الشرط عن الاستدعاء، وعدم قدرة الإنسان على إجراء هاتين العمليتين هو تحديدًا ما يعرف بالنسيان.

عوامل يومية تزيد من النسيان

بعد أن تعرفنا على أسباب الداء أي عوامل النسيان في علم النفس كعمليات عقلية غير مرئية، فنتعرف على انعكاس هذه الأسباب على الواقع بصورة يسهل ملاحظتها، وهذه الأسباب هي:

  • القلق والتوتر، فهما عاملان كافيان ليمنعا الفرد من التركيز واستقبال المعلومات أو حتى استرجاعها.
  • اضطراب النوم وعدم أخذ الحصة الكافية منه يعرقل الجسم عن إفراز الهرمونات اللازمة لتسجيل الأحداث وترتيبها من حيث الأولوية، كما يؤدي للعصبية الزائدة وزيادة التوتر.
  • تقدم العمر كما ذكرنا يزيد من تشابك المعلومات وصعوبة الوصول إليها في الذاكرة، وهو ما يسمى بالتراجع الطبيعي في قوة الذاكرة، وهو مرحلة متوسطة بين النسيان الطبيعي والخرف.

اقرأ أيضًا: كيف ننسى من نحب في علم النفس

علاج النسيان

هناك العديد من الخطوات الممكن اتخاذها لعلاج النسيان، وذلك طبعًا في حالة غياب المسبب العضوي القوي الذي يستلزم تدخلات طبية، وأبرز هذه العلاجات هي:

  • تدوين الملاحظات، فالكتابة تحفز الذاكرة البصرية وتزيد من وسائل الترميز داخل الذاكرة فيسهل استدعائها.
  • التكرار لأنه يساعد على نقل المعلومة من الذاكرة قصيرة المدى للذاكرة طويلة المدى، وبالتالي يمكن الاحتفاظ بها لوقت أطول.
  • تقسيم المعلومات الطويلة إلى أجزاء أقصر وربط الأجزاء بمعلومات سابقة لدى الإنسان بالفعل، ووجودها في سياق سهل التعامل معه بالنسبة للعقل.
  • حل الألغاز وألعاب العقل فذلك يحفز على استخدام المهارات التي تبقيه يقظًا ومتحفزًا لقبول المعلومات الجديدة.
  • الابتعاد عن تناول المواد التي تحتوي على السكريات بكميات كبيرة، لأن السكر يقلل من قدرة الوظائف العقلية على إتمام عملها.
  • أخذ كميات كافية من فيتامين د فنقصه يؤدي للإصابة المبكرة بالخرف، وضرورة التعرض للشمس لفترات قصيرة يوميًا لكي يستطيع أن يتحول فيتامين د للصورة الفعالة له في الجسم.
  • الطعام الصحي والإكثار من تناول الخضراوات والفاكهة وتناول المكسرات والأطعمة الغنية بأوميجا 3 التي تحافظ على وظائف الذاكرة وتزيد من نشاطها وكذلك الأعشاب المعروف عنها تقوية الذاكرة.

الذاكرة نعمة من الخالق، والنسيان في بعض الأوقات نعمة تنسينا التجارب المريرة فهو رحمة الله لعباده، وإن كان سببًا للمشكلات فعلينا تعلم المهارات اللازمة للحفاظ على نعمة الذاكرة التي وهبت لنا من دون حول ولا قوة منَا.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.