هل رفض الزواج قدر
هل رفض الزواج قدر؟ وهل الزواج مكتوب من المهد؟ عندما يرى البعض أن الحب هو المقياس الحقيقي للزواج حتى يُكتب له النجاح يصطدمون بما يحصده الواقع من تجارب قاسية كان في بادئها الحب وفي نهايتها الطلاق جراء عدم الصمود أمام تقلبات الحياة وعوائقها، فيغيب التفاهم ويستحيل الحب وَحشة وضغوط، من هنا يسعنا إدراك أن الحب لا يبني استقرارًا بمفرده، بل هو ركن منيع من كافة تلك الأركان التي يُبنى عليها هذا الميثاق الغليظ، في هذا السياق تأتي كثيرٌ من التساؤلات، نشير إليها من خلال موقع زيادة.
هل رفض الزواج قدر
إن صحّ التعبير فالمكتوب هو شيء غامض يجهل البعض فهمه وإدراك حقيقته، فنستند هنا إلى الحديث القائل: “إنَّ أولَ ما خلق اللهُ القلمُ، فقال لهُ: اكتبْ، قال: ربِّ وماذا أكتبُ؟ قال: اكتُبْ مقاديرَ كلِّ شيءٍ حتى تقومَ الساعةُ، يا بنيَّ إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: من مات على غيرِ هذا فليسَ مِني” (صحيح).
كذلك فمنذ بداية التكوين، وأنت جنين، يكتب الله لك رزقك وأجلك وعملك، يكتب لك شقائك أو سعادتك، من هنا نخلص إلى نتيجة أن الرزق أيضًا مكتوب، أي أنه تم تقديره من الخالق وتم تقدير أسبابه، فلا يزيد ولا ينقص، إنما يُصبح بالمقدار المكتوب للعبد، أما عن تلك الأسباب فهي عمل العبد وطلبه لمسببات الرزق، فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖوَإِلَيْهِ النُّشُورُ” (الآية 15 سورة الملك).
لكننا حينما نتفكر في الآية الكريمة في قول الله تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚوَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚإِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)” (سورة الطلاق)، نرى أن الرزق غير محدد، أي أنه على العبد أن يسعى بكل ما يسر الله له من الأسباب التي تؤهله لنوال ذلك الرزق، فلن يأتي دون سعي.
ما ذكرناه عن الرزق نؤكد عليه بصدد الزواج، فكذلك الحال بالنسبة له هو مكتوب ومقدر، هذا ما علينا ذكره في إطار الجواب على سؤال هل رفض الزواج قدر، فقد كُتب هذا الرجل لتلك المرأة دون غيرها، والأمر أيضًا معتمد على الأسباب والتفكر من قبل العبد.
فالله قد خلق العبد ليختار ما يتعلق بإيمانه أو كفره، أي ما بين طاعة الله أو معصيته والعياذ بالله، فقد قال الله تعالى: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖفَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (سورة الكهف الآية 29)، أما عن الأمور الأخرى من مرض أو عافية، ميلاد وموت، المنح والابتلاء، المال والزواج والأبناء والمواهب، كل تلك الأمور من قبيل الأرزاق التي هي بيد الخالق وتصل للعبد بمشيئة الرحمن.
فإن كان قبول الزواج وإتمامه، فهذا بمشيئة الخالق وقدرته، ويعد نعمة من نعمه، بيد إن تم رفض الزواج ربما يظن العبد أن الله منعه رزقًا، لكنه لا يعلم أن الله قد أعطى أمانًا للعبد من الضرر، ففي منع هذا الرزق حكمة لا يعلمها إلا هو، لذا يقال في هذا الصدد “الخيرة فيما يختاره الله”، وهذا للجواب الوافي على سؤال هل رفض الزواج قدر؟
فمن صلب وأساس العقيدة أن يترسخ في الإيمان والنفس والوجدان أن الله وحده هو الرزاق، وأن كل ما في الدنيا بمقدار معلوم، فالله يرجع إليه سبحانه مقادير الأمور ومآلها، فإن شاء أمر ما سيحدث، وإن لم يشأ فلن يحدث وإن اجتمع الإنس والجن كلهم أجمعين.
اقرأ أيضًا: علاج سحر تعطيل الزواج مجرب
ما بين التخيير والتسيير
علينا أن نعي ما هو حيز التخيير والتسيير بالنسبة لنا؟ فنحن نسعى للكمال، نجتهد حتى نشهد إنجازًا، فأحدهما حينما ينجح في مجال عمله -بفضل رعاية الخالق ومجهوداته وأخذه بالأسباب- لا يفكر في كون هذا مكتوبًا أم كان الأمر بيده من البداية فهو من اختار الاجتهاد وكان بوسعه ألا يختار.
على غرار ذلك نفكر في الرزق والزواج، ألا وهو نوع من الرزق أيضًا، فهنا علينا أن نتساءل هل الرزق مكتوب لنا دون أن نسعى إليه؟ هل يأتي لنا الزوج الصالح دون أن نختاره بأنفسنا وبكافة مداركنا؟ وعند غلق باب من الرزق أمامنا، هل كنّا سببًا في الأمر أم أنه مكتوبًا فقط؟ لكن قبل الإجابة علينا أن نعي حقيقة مؤكدة، أن الأمر كله بيد الله، فهو من خلق الدنيا بكافة موازينها وأقدارها، فكل شيء مكتوب لا محالة في اللوح المحفوظ.
ربما يعتقد البعض ممن يطرحون أسئلة كسؤال هل رفض الزواج قدر أن الله كيفما أمرنا بالأخذ بالأسباب والسعي فإننا نملك القدرة على التدخل في الأمر، من حيث منعه أو تأخيره أو حتى تغييره، إلا أننا نشير أن تلك الأسباب التي أمرنا الله باتباعها هي ذاتها بتقدير الخالق، فهو من سخّر الأسباب لنا في الدنيا.
فإن كُتب للعبد أن يتزوج من فُلان بعينه، فإنه سيسخر من الأسباب ما تدفعه إلى الدخول في مسببات هذا الطريق، وسيقوم بالتيسير على العبد حتى يفطن أن الأمر فيه كل الخير له، بل ويبعث الطمأنينة في قلبه ونفسه حيال الأمر فيجعل له فيه الراحة والمآل.
أما عن استكمال الجواب على سؤال هل رفض الزواج قدر، فقد علمنا أن الله ما يكتب إلا خيرًا بالعبد الصادق، لذا فعلى من تعرض إلى الرفض في أمر الزواج أو من كان يرغب في زيجة معينة ولم يكتب له الله التوفيق فيها، أن يدرك أسباب الرفض، حتى ينير الله بصيرته بالحكمة من وراء هذا القدر، فلا يسخط ولا يعصي أمر الله.
كذلك الأمر يتطلب حتمًا النية الصادقة، فتلك بمثابة المتمم لمراد العبد ورغباته، أن يُحسن نيته لله، ويعي الهدف الصحيح من الزواج، فقط على العبد أن يدعو الله دومًا أن ييسر له الزوج الصالح المعين الذي تُقر به الأعين وتستكين إليه النفس ويُعف به البدن.
اقرأ أيضًا: هل الزواج من الثانية ظلم للأولى
الزواج قرار واختيار
ارتباطًا بتوضيح الجواب الوافي على سؤال هل رفض الزواج قدر، وبناءً على ما سبق ذكره، لا ينبغي إغفال أن مسألة الزواج ذاتها هي محض اختيار، فلا يوجد ما يشير بأن الأمر مكتوب دون سعي واختيار من المرء وهذا لا ينفي ما ذكرناه سلفًا ولا يناقضه، فالحديث عن الرزق شيء ومسألة الاختيار شيء آخر، فالعبد مأمور في مسألة الزواج أن ينتقي ما هو صالح ويسعى إليه.
ما نعنيه أن أي شيء يريد الإنسان أن يجنيه عليه أن يتخذ الأسباب الدافعة إلى تحصيله، وإن قُدر له كان من نصيبه، أما إن لم يُقدر فتلك مسألة أخرى تتعلق بالإيمان بالقدر خيره وشره، فقد قال الله تعالى في سورة القصص: “وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗمَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚسُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)”.
فالمؤمن الحق يعي أنه لا راحة لنفسه إلا بتسليم الأمر للخالق، فهو من خلق النفس، ويعلم ما فيها وإن خفي، فلا سعادة إلا بحسن الظن بالله وأقداره، أما عن ترك الأسباب فهو من الأمور غير الواجبة، فهناك فرق.. التواكل دون سعي، والتوكل مع السعي، وهذا لا نذكره تفصيلًا في هذا الصدد إنما نذكر منه شاهدًا على ما نقول في جواب “هل رفض الزواج قدر؟”.
إن كان العبد في حيرة من أمره، ولا يدري أيقبل زيجة ما أم يرفضها، ويتساءل هل رفض الزواج قدر أم أن هناك أسبابًا يجب وضعها في الاعتبار، هنا ننصح بضرورة اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- فهو القادر على هداية العبد إلى طريق الرشد والنور، وعليه أن يتبع ما يلي:
- تقوى الله: فقد وعد الله المتقين من عباده أن يجعل لهم المخرج والرزق الوفير، وأن ييسر لهم أمورهم ويهديهم إلى الرشد والصواب.
- الاستغفار: فالله قد جعل الاستغفار من أسباب الرزق، والزواج من الرزق، فقد قال الله تعالى: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)” (سورة نوح).
- صلة الرحم: الحرص على بر الوالدين من منجيات المهالك حيث دعائهما الدائم بالخير ونوال الراحة والطمأنينة.
- الإكثار من الدعاء: بل والإلحاح فيه، فالله يحب دعوة الداعي، مع انتقاء أحب الأوقات إلى الله للدعاء، مع مراعاة الدعاء على يقين الإجابة.
- حُسن الانتقاء: من أكثر ما يجب وضعه في الحسبان عند الزواج، فالرجل الصالح لا يُقاس بقدرته على الاستيفاء بتلك الشروط التعجيزية، إنما بدينه وخُلقه، كذلك الأمر بصدد اختيار الزوجة.
- الثقة في الله: من أهم ما يجب على المرء فعله، أن يثق بقدرة الخالق ورحمته، فلا يموت دون أن يستكمل ما كتبه الله له من الرزق بأنواعه.
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ” (صحيح).
كذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ” (صحيح مسلم)، استشهادًا بالسنة النبوية الشريفة للتأكيد على جواب سؤال هل رفض الزواج قدر، وتوضيح الأمور على هذا النحو.
اقرأ أيضًا: هل الزواج من رجل مطلق ناجح
إنما الحياة الدنيا هي دار الابتلاء، فيجب أن يحمد المرء ربه على ما أعطى وما أخذ، فالأمر كله بيد الله، جنبًا إلى جنب مع إيمانه بوجوب السعي والمثابرة واحتساب الأجر عند الله سبحانه، فإنما الأرزاق أقدارٌ مكتوبة لا يملك العبد سلطة تغييرها.