هل يجوز الزنا للضرورة

هل يجوز الزنا للضرورة؟ وما هي الضرورات التي تُبيح المحظورات؟ في الواقع يعد معنى الزنا بشكل عام هو قيام الرجل والمرأة بعمل علاقة حميمية دون وجود رابط شرعي بينهما، وهو فعل محرم في جميع الأديان السماوية الثلاثة، وعلى الرغم من ذلك اختلف بعض العلماء والفقهاء في هذا الصدد، فمن خلال موقع زيادة سنتعرف إلى جواز الزنا للضرورة من عدمه.

هل يجوز الزنا للضرورة؟

هناك العديد من الذنوب التي قد يقوم بها العبد في الدنيا، والذنوب متفاوتة في درجاتها، فقد يختلف العقاب أو رصيد السيئات الخاص بنفس الذنب، فالقيام بذنب في الشارع لا يتشابه أثره وإثمه مع القيام بذنبٍ في المسجد، فالسرقة مثلا ذنب، لكن السرقة وأنت في بيت الله تحتج وتعتمر أو تصلي حرام مضاعف.

بالإضافة إلى وجود ذنوب أشد من ذنوب في عقابها وإثمها بالطبيعة، فالذنوب بشكل عام تُقسم بالترتيب إلى إثم، جناح، حوب، خطيئة، ذنب، زلل، سيئة، فاحشة، بالإضافة إلى المنكر والذلل، وبشكل مختصر الإثم هو القيام بما هو حرام، والتأخر عن أداء ما هو حلال، وهي خطيئة تستحق الذم على صاحبها.

أما الجناح فهو الميل إلى الإثم، والحوب أو التحوب هو ارتكاب الإثم، والخطيئة تعني ارتكاب الذنب بشكل متعمد، والميل إلى ما هو حرام عن عمد، أما الزلل فهو انحراف القدمين والضلال عن الطريق السليم، أما السيئة فهي القبيح، والفاحشة والمنكر بالإضافة إلى الوزر هم كبائر الذنوب، فالكبائر هي فحش واشتداد الذنوب، وارتكاب القبيح المعيب.

فبعد أن عرفنا أن الذنوب درجات وأنواع، وعرضنا لكم ترتيب الذنوب، وجب التنويه إلى كون الزنا يأتي ضمن الكبائر والتي تشتمل على الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، بالإضافة إلى أكل الربا ومال اليتيم، كما أن التولي يوم الزحف وهو الهرب من المعركة يعد من الكبائر، وقذف المحصنات والزنا في القائمة.

إذن فالإجابة عن سؤال هل يجوز الزنا للضرورة هي لا بكل تأكيد وبشكل قاطع، لا يجوز الإقدام على الزنا تحت مبرر الضرورة، وهذا باتفاق أئمة المذاهب الفقهية الأربعة وكبار شيوخها، ومن أجاز الزنا تحت هذا المبرر خالف شرع الله وتعدى حدوده، فكان له من الله ما يستحق، والله جلَّ جلاله ذكر في كتابه العزيز وتحديدًا في الآية رقم 32 من سورة الإسراء ما يلي:

{وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَحِشَة وَسَآءَ سَبِيلًا}، وفي هذه الآية نهي قاطع عن الزنا، فوصفه الله بالفاحشة، والفاحشة هي من كبائر الذنوب.

اقرأ أيضًا: ما هو الزنا وما هو حكمه

الضرورات تبيح المحظورات

قاعدة الضرورات تبيح المحظورات هي فرع من قاعدة يسميها العلماء الضرر يزال، وهي من أكثر القواعد التي يستند عليها الناس في سؤالهم هل يجوز الزنا للضرورة، في البداية وجب التنويه إلى كون هذه الحكمة أو القاعدة ليست بحديث.

فهي من الأقاويل التي يتم تداولها في بعض الأحيان بالكذب على لسان أشرف الخلق، وحذر رسولنا الكريم من تناقل الأحاديث والأقاويل على لسانه وهي ليست له، فقد قال الحبيب المصطفى:

اتَّقوا الحديثَ عنِّي إلَّا ما علِمتُمْ فمَن كذبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ، ومَن قال في القرآنِ برأيِّهِ، فليتَبوَّأْ مَقعدَهُ مِن النَّارِ”، فالاستشهاد بالإفك والكذب لمحاولة تبرير القيام بفاحشة ومنكر تعد أمرًا عظيمًا وعقابه سيكون وخيمًا فتجنبوا ذلك.

الأصل في مقولة أو قاعدة الضرورات تبيح المحظورات هو كونها مأخوذة من القرآن الكريم، ومن كلام الله جلَّ جلاله، وبالتحديد من الآيات رقم 173 من سورة البقرة والتي جاء فيها ما يلي: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

لكن بالنظر إلى بداية الآية نجد أن الله تعالى حدد الحرام الذي تبيحه الضرورات، وهي في هذه الآية أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، فتجد أن الآية كاملة هي {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

أما عن المواضع الأخرى والآيات فقد جاء هذا الجواز بنفسه صيغته في الآيات رقم 115 من سورة النحل، وهذا بالإضافة إلى الآية رقم 145 من سورة الأنعام، وبصيغ مغايرة في الآيات رقم 3 من سورة المائدة، والآية رقم 119 من سورة الأنعام، بالإضافة إلى مواضع أخرى عدة.

العامل المشترك بين الآيات جميعها هو تحريم تناول طعام معين مع السماح بتناوله عند الضرورة والحاجة الماسة فقط، والضرورة تعني أن عدم قيامك بأمر ما سيتسبب في هلاكك، وهذا بكل تأكيد لا ينطبق على الزنا.

فلن تموت أو تهلك في حال ما لم تزني، فمجرد بحثك وسؤالك هل يجوز الزنا للضرورة يعني على الأغلب أنك لست تحت تهديد السلاح، وليس هناك من يرغمك على القيام بذلك وإلا قتلك.

الزنا في الديانات السماوية

الزنا محرم بشكل قاطع وصريح في الديانات السماوية الثلاثة، فهناك مواضع عديدة في الكتب السماوية تفيد بتحريم وتجريم هذا الفعل، ووضع عقوبات بالغة لمرتكبيه، وفيما يلي نذكر العقوبة التي نصت عليها الأديان السماوية الثلاثة في هذا الصدد، وهي بالترتيب اليهودية والمسيحية والديانة الإسلامية.

1- عقوبة الزنا في الديانة اليهودية

وردت عقوبة الزنا في مواضع عدة في الديانة اليهودية، فالإجابة عن سؤال هل يجوز الزنا للضرورة طبقًا للديانة اليهودية هي لا، ووردت هذه العقوبات تحديدًا في سفر التثنية أو ما يعرف بالعهد القديم في الإصحاح 22.

اشتملت عقوبة الزنا في اليهودية على الرجم لحد القتل، والنصوص اشتملت على ما يلي:

  • ولكن إن ثبتت صحة التهمة ولم تكن الفتاة عذراء حقًا، يؤتى بالفتاة إلى باب أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت، لأنها ارتكبت قباحة في إسرائيل، وزنت في بيت أبيها، وبذلك تستأصلون الشر من بينكم، وإذا ضبطتم رجلا مضجعًا مع امرأة متزوجة تقتلونها كليهما فتنزعون الشر من وسطكم.

وهناك مواضع أخرى عدة.

2- عقوبة الزنا في الديانة المسيحية

كما الحال في الديانة اليهودية، فإن المسيحية حرمت الزنا بشكل قاطع، ووضعت عقوبات عدة جاءت في شريعة موسى وتحديدًا سفر التثنية التي تم ذكرها أعلاه، وهي من السفر المقدسة في الديانتين المسيحية واليهودية، فعقوبة الزنا واحدة أيضًا، وهي الرجم حتى الموت.

3- حد الزنا في الديانة الإسلامية

الزنا في الإسلام محرم بلا شك، والإجابة عن سؤال هل يجوز الزنا للضرورة في الشريعة الإسلامية معروفة، فالإسلام حرم الزنا، ووضع حد للزنا، فالزاني المحصن يرجم حتى الموت، أما لغير المتزوجين فالعقوبة هي الجلد 100 جلدة والتغريب لمدة سنة كاملة وفقًا لآراء جمهور الفقهاء.

ورد حد الزنا في القرآن الكريم متمثلًا في الآية رقم 2 من سورة النور، والتي قال الله تعالى فيها ما يلي:

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

لتطبيق الحد هناك العديد من الشروط الواجب توافرها، مثل الإيلاج من قبل أو دبر، بالإضافة إلى وجود أربعة شهود وغيرها من الشروط، وفي هذه الأيام يترك العقاب والحد الخاص بالزنا للقضاء العالي، ولا يجوز العقاب من أي جهة أخرى غير الجهة السيادية المختصة بذلك.

خلاصة القول وللإجابة بشكل قاطع على سؤال هل يجوز الزنا للضرورة، نذكر أنه ليس هناك اضطرار في فعل الزنا، في جميع الديانات، فالحاجات الشهوانية لا يؤدي كبتها والامتناع عنها إلى الموت، وحتى في حال الإكراه لم يجز القيام بذلك عند جمهور العلماء.

اقرأ أيضًا: هل يغفر الله الزنا

آيات قرآنية عن الزنا

الزنا وتحريمه ورد في العديد من الآيات القرآنية، فورد عنه التحريم، والترهيب، بالإضافة إلى الحد الخاص به، واشتملت الآيات القرآنية التي تحدثت عن الزنا على سبيل الذكر وليس الحصر فيما يلي:

  • {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}، [سورة الإسراء: الآية 32].

في هذه الآية منع جازم وصارم يحثنا الله فيه على عدم الاقتراب من الزنا، فلا تقربوا تدل على ضرورة عدم المحاولة أو الإقدام عليه، فما بالك بالفعل والإتيان به.

أما الفاحشة فهي القبيح السيئ، وسوء السبيل هو بئس الطريق، وهو ما ينتج عنه الوصول إلى نتيجة لا يحمد عقباها قد تهوي لفاعل هذه الفاحشة إلى جهنم وبئس المصير.

  • {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [سورة الفرقان: 68 – 69].

الإشراك بالله وقتل النفس بدون حق، بالإضافة إلى الزنا من الآثام وكبائر الذنوب والمعاصي، والله يضاعف العذاب يوم القيامة لمرتكبي تلك المعاصي، ويجعلهم خالدين مهانين نتيجة لما اقترفوه.

اقرأ أيضًا: هل يجوز ممارسة العادة عند الضرورة في رمضان

أحاديث نبوية شريفة عن الزنا

سنة الرسول الكريم محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاء فيها العديد من المواضيع، ومن ضمن هذه المواضيع الزنا، وهناك عدة أحاديث جاءت في هذا الصدد، ومن ضمن هذه الأحاديث ما يلي:

  • جاء على لسان أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فيها أبْصارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ”.

هذا الحديث الشريف ورد في صحيح البخاري، ويقول فيه رسولنا الكريم أن الزاني، وشارب الخمر، والسارق، والناهب الذي يأخذ المال عنوة من أُناسٍ لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، جميعهم يقومون بهذه الذنوب والأمور السيئة وهم غير مؤمنين، فالإيمان يقي صاحبه من ظلمات الضلال.

المؤمن لا يزني، لا يسرق، لا ينهب، ولا يشرب الخمر، ومن يقوم بأي فعلٍ من هذه الأفعال تكون صفة الإيمان قد رُفعت عنه.

  • ورد على لسان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ما يلي: “سَأَلْتُ -أوْ سُئِلَ- رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أكْبَرُ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ. قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ معكَ. قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: أنْ تُزَانِيَ بحَلِيلَةِ جَارِكَ”.

هذ ا الحديث جاء في صحيح البخاري، ويقول فيه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أن أكبر الذنوب عند الله على الإطلاق هي الإشراك به وهو خالقك، والاعتقاد أن مع الله إله آخر يكون شريكًا له أو نظير، والذنب الأكبر بعد الإشراك بالله هو قتل الأبناء خوفًا من موتهم نتيجة الجوع والنقص والعوز.

جاء الزنا وإتيان زوجة الجار في المرتبة الثالثة بعد الإشراك وقتل الأبناء، فلك أن تتخيل كم أن هذا الفعل شنيع ووخيم، وصدَّق الله تبارك وتعالى رسوله في هذا الحديث وأكد على كلامه بنزول الآية رقم 68 من سورة الفرقان، والتي جاء فيها ما يلي:

{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}.

التوبة الصادقة عن الزنا

جميعنا نرتكب العديد من الذنوب، والله أكرم منا ومن نظرتنا لأنفسنا، فقد نعتقد أن الله لن يغفر لنا إن قمنا بتصرف سيئ أو ذنب كبير، ولكن رحمة الله وسعت كل شيء، فهو الرحيم وهو اللطيف، فالله جلَّ جلاله يغفر الذنوب كافة في حال ما توبت توبة نصوحة وندمت على ما فعلت، فأي ذنب تحت الإشراك يغفره الله لمن يشاء.

فقد قال الله جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، ففي حال وقوعك في هذه الفاحشة تُب إلى الله، ولا تعد لما قمت به، واتجه للعمل الصالح وكثرة الدعاء والطاعات، والله سيغفر لك بإذنه وفضله.

لعل من أبلغ الإجابات عن سؤال هل يجوز الزنا للضرورة هو نص الأدب الجاهلي القديم الذي يعد من الأمثال والحكم المعبرة، والذي يقول: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، وتأبى الدنية ولو اضطرت إليها).

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.