كفارة المفطر عمدا في رمضان في المذاهب الأربعة
كفارة المفطر عمدا في رمضان تعد من أهم المواضيع التي سنتناولها اليوم من خلال مقالنا هذا، وذلك باعتبار أن الصيام هو ركن عظيم من أركان الدين الإسلامي الحنيف والذي ننتظره كل سنة بفارغ الصبر ونتمنى قدومه لأنه شهر الخير واليمن والبركات، وفيه تكثر العبادات والطاعات ويتضاعف فيه الأجر والثواب، ولكن العديد من الناس قد يلجئون إلى إفطار بعض الأيام منه لوجود عذر ما يجبرهم على الإفطار كالمرض أو مشقة السفر والعديد من الحالات التي رخص الإسلام فيها للمسلم بجواز إفطاره وقضاء من قد أفطره في أيام أخرى بعد زوال العذر، ولكن هناك من الناس من يفطرون شهر رمضان عمدا دون وجود سبب يجعلهم يفطرون، وهذا ما يعتبره الإسلام كبيرة من الكبائر التي يأثم عليها العبد إثما عظيما، ومسببات الإفطار عديدة سنذكرها إتباعا في السطور القليلة القادمة وسنبرز حكم من أفطر عمدا في شهر رمضان وسنتناول أيضا كفارة المفطر عمدا في رمضان.
تعريف الصيام وما هي كفارة المفطر عمدا في رمضان
يعتبر الصوم ركنا أساسيا من أركان الإسلام وعامودا من أعمدة الدين الحنيف، فهو عبادة زكية تقربنا من الله عز وجل وطاعة نتقرب بها منه جل وعلا ونبتغي من خلالها مرضاته، فقد كتب الصيام على المسلمين شهرا واحدا في السنة وهو شهر رمضان المعظم، الذي هو أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، وفيه تكثر الطاعات والعبادات ويضاعف الأجر والثواب لمن يسعى في إرضاء الله رب العالمين، وفيما يلي سنتعرف على معنى الصيام لغة وشرعا في المذاهب الأربعة الشريفة:
الصيام لغة: صام، يصوم، صوما وصياما، فكلاهما صحيح في اللغة العربية، ويقصد بذلك الامتناع عن فعل شيء معين سواء القول أو الفعل، وقد يصوم العبد عن الأكل والشرب ويسمى صياما، ويقال صام فلان أي أنه أمسك عن الأكل والشرب
الصيام شرعا: المذاهب الأربعة الشريفة اختلفت في تعريفها للصوم وتعدد منظورها لمعنى الصيام، فلنتعرف عن مفهوم الصيام اعتمادا على رأي الأئمة الأربعة
- المذهب المالكي: يرى الإمام مالك أن مفهوم الصيام هو الامتناع عن شهوة الفرج وشهوة الفم، طاعة لله عز وجل، كما يتوجب على المسلم أن يعقد النية في الصيام قبل الفجر أو وقته وبذلك يكون الصيام طوال النهار.
- المذهب الحنفي: يرى الإمام حنيفة بن النعمان أن العبد إذا أراد الصوم فعليه أن يمتنع عن 3 شهوات وهي الجماع والأكل والشرب، وذلك في وقت محدد لذلك.
- المذهب الشافعي: يرى الإمام محمد بن إدريس الشافعي أن معنى الصيام هو إمساك عن فعل شيء معين في وقت محدد
- المذهب الحنبلي: يرى الإمام أحمد بن حنبل أن الصوم هو قيام المؤمن بالامتناع عن فعل شيء معين لفترة زمنية محددة ووجوب النية في ذلك
اقرأ أيضًا : حكم مداعبة الزوجة في رمضان وما يجوز بين الزوجين في نهار رمضان
كفارة المفطر عمدا في رمضان
كثيرا ما يتساءل الناس عن كفارة المفطر عمدا في رمضان وما حكم ذلك في الشريعة الإسلامية، وباعتبار أن الصوم واحدا من الشعائر المقدسة والطاعات النبيلة التي نتقرب بها من الله جل جلاله، فينتظر قدومه المسلمون على أحر من الجمر ويفرحون بمجيئه ويهللون، ولكن يوجد شريحة من الناس من يقومون بإفطار شهر رمضان عمدا وبشكل مقصود رغم معرفتهم أتم المعرفة أن ذلك حرام ويعاقب عليه، ويعلمون أيضا بوجوب صيام رمضان وأنه فرض علينا، وبذلك يكونوا قد اقترفوا ذنبا عظيما وارتكبوا معصية كبيرة فالإفطار عمدا يعد كبيرة من الكبائر، وعليه فإن هذا الفعل يحتاج إلى توبة نصوح لله عز وجل خالصة لوجهه الكريم حتى يعفو عنه ويغفر له ويتجاوز عنه ويتقبل منه توبته، ثم نبحث في أحكام الشريعة عن حكم الافطار عمدا في رمضان فنجد أن هذا الفعل حرام وعلى كل ما أفطر عمدا أن يكفر عن فعلته تلك حتى يمحو الإثم الذي اقترفه، فإن هذه القضية محل خلاف حيث أن الكفارة تكون على كل من انتهك حرمة الشهر بأي مفطر من المفطرات كالأكل والشرب والجماع، فكل ما يحرم عليه حال كونه صائما فانتهك به حرمة الشهر عامدا عالما مختارا فإنه يكفر عن ذنبه الذي اقترفه، فالجمهور يرى أن الكفارة لا تكون إلا في المفطر بالجماع متعمدا، أما من تعمد الأكل والشرب أو أيا من مفطرات الصيام عدا الجماع فهذا عليه القضاء فقط ولا كفارة عليه ويتوب من ذنبه.
ومن جهة أخرى فإن الله تعالى قال في محكم تنزيله في سورة البقرة الآية 184: ” أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ “، فذكر الله تعالى لليل عملا وخصص للنهار عملا، وبين لنا ما يجب القيام به وهو حلال في الفترة الليلية، وما حرم عمله في النهار فهو حرام، ومن خلال الآية الكريمة يبين الله عز وجل أن الأكل والشرب والجماع يكون إلا في الليل، وأن الصوم ممتد نهارا إلى الليل، أي أن العملان متغايران في كل زمان، وبما أن النقاط الثلاثة التي تحدث عنها الله تعالى في الآية والتي هي الأكل والشرب والرفث إلى النساء هي محرمة نهارا فإذا أتى العبد أيا منها فهو متعمدا لانتهاك حرمة الشهر الكريم، فما الفرق بين نهاره وليله في انتهاك الحرمة، فما المعني الذي من أجله يقال أن الكفارة في الجماع وليست في الأكل والشرب؟ في حين أن الله تعالى جمع الأعمال التي تحل للمسلم في الليل وتحرم عليه في نهاره من شهر رمضان في آية واحدة، وعليه فإن الكل سواسية سواء من أكل وشرب أو من جامع زوجته فالكل آثم نظرا لتعمدهم القيام بالمعصية ومعرفتهم أتم المعرفة بحرمانية ذلك، وبالتالي فالكل عليه الكفارة ويجب عليه التوبة النصوح من عمله هذا.
والله أعلى وأعلم
اقرأ أيضًا : فضل الصدقة في العشر الأواخر من رمضان والحكمة من تفضيل الصدقة في رمضان
مفسدات الصوم وكفارة المفطر عمدا في رمضان
في كثير من الأحيان يبطل الصيام إذا ما تعمد الصائم القيام بما منع عنه في نهار رمضان، وفيما يلي سنذكر لكم مبطلات الصيام السبعة :
- الجماع: فإذا باشر الرجل زوجته في نهار رمضان فقد بطل صيامه ووجب الإثم والقضاء والكفارة، ويعد الجماع هو أكبر المفطرات إثما
ونستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، و عن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ ؟ قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ . قَالَ : هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً ؟ قَالَ : لا . قَالَ : فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لا .. .“
- الاستمناء: وهو إنزال المني باليد أو غيرها، ونستدل بذلك لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم : ( يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ) رواه البخاري ومسلم
- الأكل والشرب: عن طريق إيصال الأكل والشرب إلى المعدة من خلال الفم، كذلك الأمر إذا دخل المعدة شيء عن طريق الأنف، ودليل ذلك الحديث النبوي الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا )
- ما كان بمعنى الأكل والشرب: كحقن الصائم بالدم، أو حقنه بالإبر المغذية التي تحل محل الأكل والشرب، ويستثنى من الإبر تلك المعالجة كالأنسولين والبنسيلين، ويعتبر غسيل الكلى الذي يتطلب خروج الدم وإرجاعه محملا بالمواد الكيماوية والغذائية كالسكريات والأملاح فيعد ذلك مفطرا أيضا
- إخراج الدم بالحجامة: وكذلك التبرع بالدم لأنه يأثر على الجسم مثلما تأثر عليه الحجامة، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ “
- التقيؤ عمدا: فمن تعمد وضع إصبعه في فمه ليتقيأ، أو عصر بطنه، أو تعمد شم رائحة كريهة، فقد بطل صيامه وعليه القضاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ”
- خروج دم الحيض والنفاس: يفسد صيام المرأة إذا رأت دم الحيض أو النفاس حتى وإن كان قبل الإفطار بلحظة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ “
اقرأ أيضًا : ما حكم عدم قضاء صيام أيام من رمضان للمرأة وكفارة عدم قضاء صيام رمضان ؟
وفي ختام مقالنا هذا لا يسعنا إلا أن نتمنى لكم قراءة ممتعة ونتمنى أن ينال المحتوى إعجابكم، فقد عالجنا نقاط مهمة للغاية وحرصنا على تقديمها بشكل تفصيلي عن كفارة المفطر عمدا في رمضان، وعرفنا ركن الصيام عند جميع المذاهب الشريفة وتطرقنا في الأخير عن مفسدات الصيام في شهر رمضان الفاضل، نرجو أن تكونوا قد استفدتم أعزائنا القراء من هذا المحتوى.