دور التسامح في بناء المجتمعات
ما دور التسامح في بناء المجتمعات؟ وكيف يُمكن غرس صفة التسامح في الأطفال؟ يعد التسامح أحد الأعمدة الرئيسية لقوة المجتمع الآن للقضاء على العنف والإساءة المنتشرة بين الناس، كما حث الدين الإسلامي على التسامح ولن ترتقي الدول إلا به.
يساعد التسامح على انتشار المودة والرحمة والحب في قلوب الناس حيث كُلما يوجد تسامح تواجد الحب والمودة، ومن خلال موقع زيادة سوف نوضح دور التسامح في بناء المجتمعات من خلال الفقرات الآتية.
دور التسامح في بناء المجتمعات
التسامح هو أساس تقدم المجتمعات، نرى أن جميع الدول التي يكثر بها المشاكل والحروب تفتقد إلى هذه الصفة، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعوا إلى التسامح، ونرى شخصيات تاريخيه دعت إلى نشر التسامح لتقدم الدولة.
حيث إن التسامح هو مصدر قوة وتطور الدولة، يخفي التسامح الغل والكراهية في قلوب أصحابها، ويجعلهم يمارسون عاداتهم بحرية دون تدخل ونشب المشاكل والصراعات، لبناء دولة قوية يحتاج ذلك إلى التسامح بين أفراد الشعب وتقديم التضحية من شعبها.
ينشئ التسامح المحبة والطيبة في قلوب أصحابها، يجعلهم قادرين على تخطي ما رأوه من الغل والحقد، تنشئ مجتمع موحد بيدٍ واحدة، يساعد التسامح في بناء مجتمع متحضر ومنفتح للعالم، وذلك بداية من تسامح وتعاون الناس بين بعضهم البعض.
يساعد التسامح الأفراد على التفكير بتقدم بلادهم ليس فقط ذاتهم، بالإضافة إلى أنه يساعد على إنهاء الصراعات والحروب في المجتمع، يساعدنا على العيش بسلام وطمأنينة، يعطي الحرية للفكر وتقبل أراء الغير، لذا يُنصح بتعليمها منذ الصغر للأطفال، يساعد ذلك على القضاء على الحقد بينهم. يساعد في بناء مجتمع وجيل جديد مملوئين بالمشاعر الطيبة، حيث إن الأطفال الذين ينمون ويكبرون على الغل والكراهية من الأخرين يجعلهم أشخاص غير أسوياء، يبني ذلك الرهبة والخوف بين الناس لبعضهم، ولن يساعد على تقدم المجتمع أو راحة الأطفال. لن يتمكنوا من العيش بحرية وإنشاء الأفكار وتقبل غيرها.
أما عن تربية الأطفال على الحب والتسامح سيكونون قادرين على العيش بطريقة صحيحة، سيبنى ذلك بيئة جيدة خالية من الكراهية والصراعات، ودور التسامح في بناء المجتمعات كبير حيث يساعد على نشب الحرية وتقبل الآراء فيما بينهم، يجعلهم متقبلين اختلاف الأديان والثقافات.
اقرأ أيضًا: أقوال وحكم وأمثلة عن العفو عند المقدرة والتسامح
أثر التسامح في الدين الإسلامي
للإسلام دور كبير في نشر التسامح بين الناس، بل يحث الإسلام على تقبل الآراء وحرية التعبير، فقد أمرنا الله -عز وجل- في كتابه العزيز على نشر الدين الإسلام بطريقة تعتمد على التسامح وليس بفرض الدين على أحد وقال تعالي في سورة النحل: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ“
أكد في سورة الحج على ضرورة اليُسر في نشر الدين وقال تعالى: “لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَـزِعُنَّكَ في الأمر وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ* وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ* اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ“
كما حث الدين الإسلامي على نشر قيمة التسامح في الأحاديث النبوية والآيات القرآنية، قال الله تعالي في كتابة الكريم في سورة فصلت: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ“، وذكر فضل الفرد المتسامح في كتابه الكريم في سورة الشورى وقال: “ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”
كما حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- منذ بداية نشر الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة على التسامح، وتُعد أبرز صفاته هي التسامح واللين، وظهر ذلك في مواقف عدة وحروبه، وحث على العيش بحرية وترك الجميع يمارسون طقوس ديانتهم دون إكراه وخوف.
كما ذكر الله في كتابه الكريم في سورة النحل عن أهمية الدعوة لطريق الحق بالتسامح والصبر قائلًا: “ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ“
واجه النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثير من السخرية والاعتراضات حول نشر الدين من أهل مكة وقريش، كان النبي قوي وشديد الصبر فلم يُقبل بأي رأي من آرائهم سوى بالصبر والمسامحة، وكان ذلك بمثابة اختبار لقوة صبر النبي.
كان ذلك ما يُمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- هو درسًا لنا وهو أن يتحلى المرء بالصبر والحمد لله عز وجل في جميع الابتلاءات والظروف، فالله تعالى شاهدنا ويجعلنا نستطيع تخطي هذه الصعوبات اليومية، فإن الله لا يُحب عبدًا إلا وابتلاه ليرى مدى قوة تحمله وصبره وحمده لله على ذلك.
كان دائمًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحث في جلساته مع الصحابة على نشر قيمة التسامح والمعاملة الحسنة فقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل”.
من أثر التسامح في بناء الدولة الإسلامية هي الرحمة في المعاملة ونشر الدعوة وجاء ذلك في إحدى الأحاديث النبوية عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قِيلَ: “يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ علَى المُشْرِكِينَ قالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً“.
لذا يجب على المسلم أن يحرص على أن يتحلى ببعض صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- الجميلة وهي التسامح ولين المعاملة والصبر في تحمل الإساءات والابتلاءات ويغفر لمن أساء له ويصافح له دون خصام، ذلك وفقًا لدرجات التسامح.
أوضح القرآن الكريم درجات المسامحة الثلاثة في سورة التغابن فقال تعالى: “ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ“، فإن العفو والتحمل والصبر هي الدرجة الأولى من درجات التسامح ولالا يستطيع الفرد أن يكون مُتسامحًا بغيرهم، لكن يوجد فرق بين التحمل والصبر وهو إن إحداهما اختياري أما الأخر إجباري.
فالعفو والتحمل هو القدرة على عدم الغضب الناتج عن التعرض للإيذاء أو الإساءة وهو ما كان يفعلهُ النبي -عليه السلام-، أما الصبر فهو الصبر على الصعوبات والابتلاءات والتيقن بأن الله تعالى قادر على إنهاء كافة هذه الصعوبات وتخطيها والحمد في السراء والضراء.
قال تعالى في كتابه الكريم: “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ“.
الشخصيات التاريخية المتعلقة بنشر التسامح في المجتمعات
يوجد العديد من الشخصيات التاريخية التي ساعدت على نشر التسامح وهم ما يلي.
1- محمد بن راشد آل مكتوم
مارس عام 2016 قامت إحدى الجرائد الإماراتية بنشر مقال عن نائب رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وهو محمد قائلًا فيه: التسامح ليس شعارًا قائمين عليه، بل هي من الصفات الحميدة التي يجب أن نتحلى بها في حياتنا، أن تتواجد في نسيج مجتمعنا لحماية المستقبل والحفاظ على ما قدمناه وطورناه، فبدونها لن نستكمل هذا التطور.
2- الشيخ زايد
كان الشيخ زايد رئيسًا الدولة الإمارات وتمكن مع رئيس مجلس الوزراء محمد بن راشد نشر التسامح وتوحيد الأفراد، كان له دور كبير في ذلك يشهد له التاريخ، ظل يحاول ترسيخ قيمة التسامح في أذهان العالم بأسره، وحاول توحيد الوطن العربي، أينما ذُكر التسامح يُذكر الشيخ زايد الطيب.
اقرأ أيضًا: مزايا التسامح في بناء المجتمعات
3- غاندي
كان غاندي طوال فترة الحكم البريطاني يسير على مبدأ “اللا عنف” رافضًا الإساءات والدماء والعنف في الحصول على المراد، واستمر إلى ما يُقارب الخمسين عامًا للحصول على استقلال الهند عن بريطانيا، وعندما قامت الاشتباكات بين الهنديين وقوات الاحتلال تمكن غاندي ممن تحقيق هدفُه في استقلال الهند.
بعد ذلك بدأ غاندي أن يدعو الناس احترام بعضهم البعض وسعى في غرز صفة التسامح بينهم واحترام الأديان الأخرى والنظر إلى ذات الشخص وليس لديانته أو أعماله، وحاول الدفاع عن الديانة الإسلامية والمسلمين في الهند وهذا ما تسبب في قتله على يد إحدى المواطنين الهنديين عام 1948.
4- نيلسون مانديلا
كان نيلسون مانديلا من أصحاب البشرة السمراء وحُكم عليه بالسجن لمدة سبعة وعشرين عامًا، تعرض نيلسون إلى الكثير من السخرية والعنف والتعذيب بسبب العنصرية في الفصل بين البيض والسود طوال فترة سجنُه، وعلى الرغم مما تعرض له لم يحاول في إحدى المرات بأخذ حقه أو الدفاع عن نفسه.
بعد خروج نيلسون من السجن أصبح رئيسًا لجنوب أفريقيا ولم يحاول أن يرد اعتباره وحقه مما تعرض له في السجن من هؤلاء الضباط بل على عكس ذلك حاول نشر قيمة التسامح بينهم والقضاء على العنصرية وأننا جميعنا بشر ولا يوجد تفرقة بين البيض والسود، جميعُنا بشر خُلقنا من طين.
تمكن نيلسون من غرس التسامح في العادات المجتمعية، ولعب دورًا مهمًا في القضاء على العنصرية حول العالم، لذلك حصل على جائزة نوبل العالمية للسلام عام 1993 ميلاديًا.
أبيات شعرية عن العفو والتسامح
كان الشعراء على يقين تام لدور التسامح في بناء المجتمعات الطبية لذا سعى الكثير منهم على التحلي بالصبر والتسامح والعفو، فهي من أرقى وأعظم الصفات، ونذكر من خلال السطور الآتية بعض الأبيات الشعرية عن العفو والتسامح.
قال الإمام الشافعي:
لما عفوت ولم أحقدْ على أحد * أرحتُ نفسي من هَمِّ العداواتِ
إِني أُحَيِّ عدوي عند رؤيتِه * لأدفعَ الشر عني بالتحياتِ
وأظهرُ البشر للإنسان أبغضه * كأنما قد حَشى قلبي محباتِ
الناسُ داءٌ ودواءُ الناس قُرْبُهم * وفي اعتزالهمُ قطعُ الموداتِ
قال البحتري في قصائده الشعرية:
وَأَبيَضُ مِن آلِ النَبِيِّ إِذا اِحتَبى * لِساعَةِ عَفوٍ فَالنُفوسُ مَواهِبُه
تَغَمَّدَ بِالصَفحِ الذُنوبَ وَأَسجَحَت * سَجاياهُ في أَعدائِهِ وَضَرائِبُه
نَضا السَيفَ حَتّى اِنقادَ مَن كانَ آبِياً * فَلَمّا اِستَقَرَّ الحَقُّ شيمَت مَضارِبُه
قال الشاعر صفي الدين الحلي:
العَفوُ منك من اعتذاري أقرَبُ * والصفحُ عن زللي بحلمكَ أنسبُ
عذري صريحٌ غيرَ أني مقسمٌ * لا قُلتُ عذراً غيرَ أنّي مُذنبُ
يا من نمتُّ إلى علاهُ بأننا * في طَيّ نِعمَة ِ مُلكِهِ نَتَقَلّبُ
إني لأعجبُ من وقوعِ خطيتي * ولَئِنْ جُزيتُ بها، فذلك أعجَبُ
اقرأ أيضًا: دور الشباب في بناء المجتمع ونهضة الأمة
كيفية تعليم الأطفال التسامح
في وقتنا الحالي يرى بعض الآباء والأمهات أن المجتمع أصبح مخيف ولا يوجد به تسامح فيما بينهم ولن يتمكن الطفل من أخذ حقه لذا يقومون بتربية الطفل على أخذ الصاع صاعين وأن يأخذ حقه بيده، وهذا خطأ ويجعل الطفل غير سوى نفسيًا وليس سعيد.
يصعب على الآباء تربية أطفالهم وغير قادرين على التمييز بين التسامح والاقتصاص، ولحل هذه المشكلة لا بُد أن يتعلم الطفل ويقتدي بوالديه من خلال رؤية تصرفاتهم مع الأمور اليومية ويتصرف على أساسها.
حين يرى الطفل أبيه أو أمه يتعاملون بلطف ولين لكن في ذات الوقت لا يسمحون بتعدي الأخرين على حقوقهم.
دور التسامح في بناء المجتمعات كبير فلا يُمكن أن تتقدم الدولة وتتطور ما دام لا يوجد لين وتصافح بين الناس في المعاملة والاعتقادات، حيث إن التسامح هو أساس الاستقرار والشعور بالأمان والطمأنينة.