كيفية التوبة من الكبائر
كيفية التوبة من الكبائر يحاول تطبيقها كل مسلم طمعًا في الفوز برضا الله جل في علاه، فالابتعاد عما يغضب رب العزة تبارك وتعالى، والتقرب إليه بالأعمال الصالحة جميعها أمور حسنة يحبها سبحانه، ولكنها دون جدوى إذا لم يتوب العبد.
لذلك في السطور القادمة عبر موقع زيادة سنعرض لكم كيفية التوبة من الكبائر، كما سنعرض لكم أيضًا شروط قبول التوبة حسب أقوال كبار علماء المسلمين.
كيفية التوبة من الكبائر
التوبة هي الرجوع والإنابة، وقول علماء الفقه والشريعة الإسلامية في تعريف التوبة إنها الندم على ارتكاب الذنوب، وعقد العزم بعدم العودة إليه مرة أخرى، وقال البعض الآخر إن التوبة هي الاعتراف بالذنب المرتكب والإقلاع عنه، والرجوع لله بندم على ما اكتسب من الذنوب.
التوبة كلفظ ومعنى هي من الكلمات التي زادها الله سبحانه وتعالى من التشريف والإجلال، أن وضعها بذات الاسم في القرآن الكريم في سورة تحمل اسم التوبة، وهي السورة التاسعة من سور القرآن الكريم.
كما اشتق منها سبحانه وتعالى اسم من أسمائه الحسنى، وهو اسم التواب، وجاء في القرآن الكريم في سورة غافر في الآية الثالثة:
(غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
إن الله خلق الإنسان، وخيره بين الخير والشر، بين الحسنات والسيئات، فإن اختار عمل السيئة وأراد الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى تابوا إليه وأنابوا قبل الله توبتهم، حتى وإن قاموا بالكبائر، والكبائر هي الذنوب العظيمة.
فالشاهد هو ما جاء في الآية الثالثة والخمسين من سورة الزمر:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
فالله سبحانه وتعالى غفر لقاتل مائة نفس، والقتل من الكبائر.
من شروط التوبة الصحيحة، أو كيفية التوبة من الكبائر تكون بالتوبة والرجوع إلى الله، والندم على ما سلف من الذنوب، والإقرار والاعتراف بعدم العودة إلى الذنب مرة أخرى، والأهم هو النية الصادقة من العبد في التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
اقرأ أيضًا: شروط التوبة من الزنا
التوبة وكيفيتها في فقه الأئمة الأربعة
في السطور السابقة عرضنا لكم كيفية التوبة من الكبائر، وهي بالرجوع عن الذنب وعدم العودة إليه مرة أخرى، لكن ما هي شروح الأئمة الأربعة في كيفية التوبة من الذنب، وهو ما سنعرضه عليكم في سطور هذه الفقرة:
1- كيفية التوبة عند المالكية
جاء في “شرح زروق على متن الرسالة” لشهاب الدين الفاسي، أحد كبار علماء المالكية في المغرب العربي، وقال إن التوبة هي الرجوع إلى الله عن كل ذلة أو كبيرة، فالذنب مهما تعاظم قدره يغفره الله سبحانه وتعالى.
كما استشهد شهاب الدين الفاسي بالآية الحادية والثلاثين من سورة المؤمنون: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وذكر أن التوبة من أي ذنب كان لا تصح إلا بثلاثة شروط:
- الندم على ما فات.
- الإقلاع عن الذنب.
- الإخلاص في النية.
2- طريقة التوبة عند الشافعية
جاء في “حاشية البجيرمي على شرح المنهج” في الفقه الشافعي أن التوبة من المعصية تكون بشرك الإقلاع عن الذنب والندم بالماضي، والعزم على عدم العودة إلى الذنب مستقبلاً.
عند الشافعي التوبة في معظمها الندم، والقسم على عدم العودة إلى الذنب مستقبلاً لتكون التوبة توبة نصوحة، مقبولة بإذن الله.
3- الحنابلة وشروط التوبة
ورد في كتاب “المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل”، أن التوبة تجوز لمرتكب الذنب الهين، وتجوز لمرتكب الكبيرة، فالله يغفر كل ذنب إلا الشرك به بشرط النية الصادقة والندم على الذنب.
اقرأ أيضًا: هل سيعاقبني الله بعد التوبة
4- كيفية التوبة عند الحنفية
في “حاشية ابن عابدين” ذُكر أن التوبة تبدأ من نية المسلم في الرجوع عن الذنب، لا فرق إن كان الذنب عظيمًا كالجبل، أو هينًا كالبعوضة، طالما لم تطلع الشمس من مغربها فإن باب التوبة مفتوح والتوبة مقبولة.
5- كيفية التوبة عند أهل السلف الصالح
السلف الصالح هم العلماء الذين أخذوا العلم عن أحد الأئمة الأربعة، أو من التابعين أو من الصحابة رضوان الله عليهم، لذلك فإنا في هذه الفقرة سنعرض لكم ن أقوال علماء السلف الصالح في كيفية التوبة من الكبائر.
من أشهر من تحدث في هذه المسألة هو شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وأفرد الشيخ ابن تيمية أن الذنوب تزول بعشرة أسباب، وقال عن الذنوب الكبيرة إنها بيد الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، أما الأسباب العشرة فهم:
- التوبة والرجوع إلى الله.
- المداومة على الاستغفار.
- الحسنات الماحية، وهي الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصوم رمضان، وقيام ليلة القدر وما شابهه، دون كبائر.
- دعاء المؤمنين للمؤمن “بعد موته”.
- أعمال البر للميت.
- شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
- الابتلاء الذي يصيب المؤمن.
- ضمة القمر مما يكفر الذنوب.
- أهوال يوم القيامة أيضًا مما يكفر الذنوب.
- لا يأس من رحمة الله فرحمته وسعت كل شيء، وهي آخر أمل ورجاء في قبول التوب، ودفع الذنب.
كما ذكر الحافظ الإمام ابن حجر العسقلاني ناقلاً قوله عن بعض أهل العلم في وقته، أن الأعمال الصالحة تمحو السيئات، والذنوب، وهذا القول أيضًا هو قول الإمام الحافظ إسماعيل ابن كثير.
أما ابن القيم قال إن الذنوب المراد بها الكبائر، بينما السيئات المقصود بها الصغائر، واستشهد بأن الله يغفر الذنوب في الكبائر والصغائر من قوله تعالى في الآية الثالثة والخمسين من سورة الزمر:
(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ)
اقرأ أيضًا: متى لا تقبل التوبة
رأي ابن باز وابن عثيمين في التوبة من الكبائر
في سطور هذه الفقرة سنعرض لكم آراء اثنين من أهم علماء الدين الإسلامي في القرن العشرين، وهما الشيخان الجليلان عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح آل عثيمين، وفي هذه الفقرة سنعرض لكم رأي كل شيخٍ من الشيخين في كيفية التوبة من الكبائر.
في البداية سنعرض لكم قول الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- الذي قال بأن المشرك والقاتل مسلمًا متعمدًا بغير حق، والزاني محصنًا أو غير محصن يلقى الآثام ويضاعف له العذاب ويخلد في النار، إلا إن تاب ورجع إلى الله عز وجل.
كما استشهد الشيخ بحديث رسول الله الذي رواه عبد الله بن مسعود وأخرجه ابن ماجه في المعجم الكبير حديثًا حسنًا:
“التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ“.
كما أكد الشيخ على أن التوبة لا تصح إلا بوجود النية على التوبة، والندم على الذنب المرتكب، والإقلاع عن المعاصي والخوف من الله سبحانه وتعالى.
أما ما ورد في قول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، بأن الذنب مهما عظم قدره على الإنسان، ولم يشرك بالله، ولم تطلع الشمس من مغربها، وكانت توبته نصوحة، غفر الله سبحانه وتعالى له ذنبه، وإن كانت المعصية في حق مخلوق فيجب إيصال حقه.
إن الله رحيم بعباده أكثر من ذويهم، فخلق للإنسان نفس إن لم تطوع تميل للسوء، وهيأ له التوبة للتخلص من الذنب الذي اكتسبه، لذا يجب اتباع شروطها.