الثلث الاخير من الليل وفضل الدعاء والاستغفار في هذا الوقت
الثلث الأخير من الليل من الأوقات المباركة التي يجب أن يغتنمها الإنسان بالطاعات والعبادات، كما ذكر في السنة النبويّة أنه من أفضل الأوقات للطاعات عند الله، فالتعبد في هذا الوقت يبعث في قلب المؤمن الراحة والطمأنينة، ويعزز من إيمانه وإخلاصه لوجه الله تعالى، فيجب هنا معرفة توقيت آخر ثلث من الليل وأفضل الأعمال فيه، وهذا ما سنقدمه لكم من خلال موقع زيادة.
الثلث الأخير من الليل
إن الليلة في أي يوم تبدأ بغروب الشمس، من أذان صلاة المغرب إلى صلاة الفجر في اليوم التالي، فإذا افترضنا تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، يبدأ آخر ثلث في الليلة من الساعة الثانية صباحًا تقريبًا وحتى أذان الفجر.
أوضحه “على جمعة” المفتي السابق، أنه تحديدًا بين المغرب والفجر حوالي 11 ساعة، فنقسم 11÷3 ثم نطرح من الساعة الخامسة التي هي موعد آذان الفجر، ليتبين أن الثلث الأخير من الليل يبدأ في 1:40 دقيقة ليستغرق قرابة ثلاث ساعات.
كان نبيّ الله داوود يقوم الليل في ثلثه الأخير، وذكر النبيَ صلى الله عليه وسلم أن أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود عليه السلام، “أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عليه السَّلَامُ، وأَحَبُّ الصِّيَامِ إلى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وكانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، ويَنَامُ سُدُسَهُ، ويَصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا” (صحيح البخاري).
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: دعاء قيام الليل الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب
صلاة قيام الليل
إن قيام الليل سنة مؤكدة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكان الرسول لا يترك قيام الليل أبدًا، وهو من جليل الأعمال التي امتدحها الله في أهل التقوى والإيمان، فيجب على المؤمن أن يدعو الله كي يعينه على قيام ليله حتى يتوقف عن ارتكاب المعاصي والآثام.
أن تقوم الليل أي تقضي ليلتك في الصلاة وقراءة القرآن وغيرها من العبادات، وهو من صفات عباد الرحمن الذي وصفهم الله بالنبل والإخلاص، وقد أكد الله تعالى ذلك في قوله: “وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا” الآية 64 سورة الفرقان.
أما بالنسبة لعدد ركعات الصلاة فهي كما يشاء المؤمن، أن تكون مثنى يصليها اثنان أو أربعة أو ما ضاعف ذلك، وخير له أن يصلي ركعات قليلة بخشوع وعدم عجلة من أمره، من أن يصلي الليل كله من غير خشوع وتدبر.
إذا لم تستطع أن تقوم الليل لأسباب معينة، فاعزم النية على ذلك، فإذا صليت صلاة العشاء في جماعة ونمت وأنت تنوي أن تصلي صلاة الفجر أو الصبح في جماعة، يتحقق بها قيام الليل، فالله يحتسب النوايا والمقاصد ويرحم عبده الذي يسعى بالتودد إليه.
عندما تقوم لتصلي في وقت الخلوة والاستغراق في النوم، فإن هذا من أفضل العبادات عند الله، تأخذ فيها ثواب الصلاة وثوابًا مضاعفًا، وإذا كان قيام الليل في شهر من الشهور الكريمة عند الله كشهر رمضان وشعبان يكون الثواب أكبر، فأنت عندما تصلى في آخر الليل تكن من الصفوة والقلة، فتفارق لذة النوم والراحة وهو من الأمور الغير يسيرة، لتصلي وتتعبد وتدعو وتستغفر.
في القيام مجاهدة للنفس من الشهوات والمعاصي، تتحر فيها النفس من أمور الدنيا وصغائرها ليخضع العبد إلى ربه رغبةَ في عفوه ورضاه، وقيام الليل هو شرف المؤمن، وليس شرف المال أو المناصب.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: التعبد بقيام الليل كله لله تعالى يعتبر
فضل الدعاء في الثلث الأخير من الليل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُنادي كلَّ ليلةٍ ساعةً فيها مُنادٍ: هل مِن داعٍ فأستَجيبَ له؟ هل مِن سائلٍ فأُعطيَه؟ هل مِن مُستغفِرٍ فأغفِرَ له؟” (صحيح البخاري)، فالثلث الأخير من الليل وقت شريف يتجلى الله تعالى بالنزول فيه ليتفضل على عباده بإجابة دعائهم.
هناك أوقات أخبرنا الرسول الكريم أن استجابة الدعوات فيها مضمونة بأمر الله، لمن يسأله في حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، ومن هذه الأوقات هو وقت آخر ثلث من الليل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً، لا يُوافقها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ” (صحيح مسلم).
الدعاء في آخر الليل والناس نيام، من الأعمال المستترة الخفية التي يتضاعف فضلها عند الله، كما أن الدعاء بأسماء الله الحسني يزيد من ثواب الداعي، وأجّل ما يقال في هذا الصدد، أن الله إذا أحبّ أن يسمع صوت عبده ألهمه أن يدعيه، فيتوب عمن سأله التوبة، ويغفر لمن استغفره.
تكن مستجاب الدعوة إذا أخلصت في دعائك وألحيت دون ملل، وكنت صادق النيّة دون رياء، فالله يكتب ما يشاء حتى لو لم يتم استجابة الدعوة، فالرضا بقضاء الله وقدره يقربك من الله -عز وجل- ويرفع من مقامك عنده، فأكثر من الاستغفار والصدقات وصل من قطعك.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل يجوز قيام الليل بعد صلاة الوتر
الأدعية المستحبة في الثلث الأخير من الليل
إن الدعاء هو تضرُع المؤمن إلى الله ليجيب سؤاله، وإن من الدعاء ما يرد الأقدار، بل لا يرد الأقدار إلا الدعاء، إشارةَ لفضله وعظيم أثره، والله لا يتبرم من إلحاح العبد إليه، بل هو من أحب الأعمال إلى الله أن يدعوه عبده فيستجب له، ومن الأدعية التي ذكرت في السنة النبويّة التي نتوسل بها إلى الله:
- “اللَّهمَّ لَكَ الحمدُ أنتَ ربُّ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ قيُّومُ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولَكَ الحمدُ أنتَ نور السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، أنتَ الحقُّ، وقولُكَ الحقُّ، ووعدك حقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ، والنَّبيُّونَ حقٌّ، ومحمَّدٌ حقٌّ”.
- “اللَّهمَّ لَكَ أسلمتُ، وبِكَ آمنتُ، وعليْكَ توَكَّلتُ، وإليْكَ أنَبتُ، وبِكَ خاصَمتُ، وإليْكَ حاكمتُ، فاغفِر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلَنتُ، أنتَ إلَهي لاَ إلَهَ إلَّا أنتَ”.
- “اللَّهمَّ إنِّي عَبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أمتِك، ناصِيَتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حكمُكَ، عدْلٌ فيَّ قضاؤكَ، أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هوَ لكَ سمَّيتَ بهِ نفسَك، أو أنزلْتَه في كتابِكَ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو استأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صَدري، وجَلاءَ حَزَني، وذَهابَ هَمِّي”.
- “اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ”.
- “اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا”.
الاستغفار في آخر ثلث في الليل
من أفضل الأعمال عند الله في كل الأوقات هو الاستغفار، وإذا تحدثنا عن استغفار الثلث الأخير في الليل فقد خصه الله بثواب أكبر وأعظم، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ” الآية 17 سورة آل عمران، وقال أيضًا: “وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” الآية 18 سورة الذاريات.
الاستغفار فضله عظيم، فهو يوسع الرزق ويكشف الكرب ويزيل الهموم، خاصةَ إذا كان الاستغفار في آخر ساعة من الفجر.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: فضل دعاء قيام الليل لقضاء الحاجة في القرآن الكريم والسنة
هكذا وعلمنا أن الليل من أفضل الأوقات التي يتقرب فيها العبد من ربه بصلاته ودعائه واستغفاره، وقيام الليل فيه تثبيت للإيمان، وما أعظمها إذا كانت في الثلث الأخير من الليل، ذلك الوقت الذي يكون بين العبد وربه فقط، ونشير أنه يجب على المؤمن أن يتقرب إلى الله في كل الأوقات لا رمضانه أو آخر الليل فحسب، فيجد الإنسان دواءه وراحة قلبه مع الله.