من هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري
من هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الذي يتردد اسمه كثيرًا فيما بين المسلمين ويعرف لقبه كل صغير وكبير؟ ما الذي جعل شأنه بهذا العظم وكيف كانت حياته ومسيرته في علم الحديث؟ لذا سنوضح لكم من خلال هذا المقال من هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عبر موقع زيادة
من هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري
اسمه الكامل محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزبَه الجعفي البخاري. وهو من أصل فارسي وقيل عربي وتركي.
كان والده إسماعيل بن إبراهيم عالما في الحديث وكان من تلاميذ حماد بن زيد (رحمه الله) والإمام مالك (رضي الله عنه)، كما سافر مع العالم البارز عبد الله بن المبارك (رحمه الله).
نوصي أيضًا لمزيد من المعلومات بقراءة: احاديث صحيح البخاري ومسلم ومن هو الامام البخاري والامام مسلم
1- ولادة الإمام البخاري ونشأته
ولد في الثالث عشر من شوال حوالي عام 194 هـ. وُلِد في مدينة بخارى، التي لم تنتج في ذلك الوقت أي علماء معروفين على نطاق واسع إلا الإمام البخاري، ومدينة بخارى تقع الآن في أوزبكستان الحديثة المعترف بها في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
بعد ولادة الإمام البخاري ، أُطلق عليه اسم محمد تيمنا بالنبي محمد. ولقد أحب البخاري النبي كثيرا، وبسبب حبه للنبي وقف الإمام البخاري حصنًا لسنته في عصر شاعت فيه المذاهب والأخبار الباطلة.
في ذلك الوقت في بلاد المسلمين بدأت الجماعات المنحرفة في الظهور مثل الخوارج والروافض الذين شوهوا سيرة النبي والصحابة وإرثهم، وقد فعلوا ذلك بالقذف وتزوير الحديث النبوي وأحاديث وقصص الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواها أهل العلم والصالحين. ولولا المعرفة الواسعة للرواة ورواياتهم لما وصلت إلينا تعاليم الرسول ولتفككت عروة الإسلام.
ولقد كان الإمام البخاري ركيزة في دراسة الحديث النبوي وحفظه، واشتهر بتجميعه للأحاديث في كتاب هو الأكثر صحة عند المسلمين بعد القرآن، وهو صحيح البخاري، الذي يدرس لطلاب العلم في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
2- شخصية الإمام البخاري
إن الصفة الأكثر لفتًا للنظر في شخصيته للإمام البخاري (رضي الله عنه) مثل العديد من العلماء العظماء هي التزامهم بأوامر الله (سبحانه وتعالى) ورسوله فوق كل الالتزامات الأخرى. ولذا كرس الإمام البخاري حياته كلها للسعي وراء علم الحديث لأنه وجد العزاء في حياة الرسول.
ونحن نسأل الله تعالى أن تكون قصة الإمام البخاري مصدر إلهام لنا لفتح الكتب التراثية في الحديث والتعرف على الرسول ﷺ.
3- والدة الإمام البخاري
إن تطور الإمام البخاري إلى عالم مشهور يدين فيه بشدة لأمه، فبعد وقت قصير من ولادته توفي والده وكان على والدته رعاية الأسرة وتربية الإمام.
في طفولته كان الإمام البخاري يعاني من ضعف في البصر والذي وصل إلى العمى الكامل، وقد كانت والدته حزينة من أجل ابنها فدعت لابنها بشكل صادق ومستمر.
امتدت هذه الفترة لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، وذات ليلة ، تلقت والدة الإمام البخاري بشرى إبراهيم (عليه السلام) في المنام والذي قال لها إن الله (سبحانه وتعالى) قد منح الإمام البخاري بصره بسبب دعائها، وبالفعل عاد نظر الإمام كليا وقويا وكاملا، حتى أنه يذكر أن الإمام البخاري (رضي الله عنه) كان يكتب الكتب بدون شمعة ويعتمد فقط على نور القمر، فهذه هي قوة الدعاء الصادق إلى الله.
ورغم أننا لا نعرف اسم والدة الإمام البخاري إلا أن هذا يعلمنا أن أولئك الذين ليسوا معروفين على نطاق واسع في هذا العالم قد تكون لهم مكانة لا تصدق عند الله (سبحانه وتعالى).
كانت والدة الإمام البخاري هي التي جعلته يحفظ القرآن الكريم، وبعد الانتهاء من حفظه وهو في السادسة من عمره، أجلسته والدته في مجامع وحلقات الحديث، وهكذا نما الإمام البخاري ليحب علم الحديث.
نحن مدينون بعظمة العلماء ليس فقط للعلماء أنفسهم ولكن أيضًا لأولئك الذين قاموا بتوجيههم ودفعهم ليكونوا عظماء.
4- قوة حفظه للحديث الشريف
قال عنه أبو بكر الكلوذاني:
“ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الحديث من مرة واحدة.”
وقال محمد بن أبى حاتم وراق البخاري: “قلت لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلته في المصنف قال: لا يخفي عليّ جميع ما فيه.”
وقال محمد بن حمدويه: “سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح.”
وقال محمد بن الأزهر السجستاني: “كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه.”
وقد حكى عنه الحافظ أبو أحمد بن عدى قصة عجيبة، يقول: “سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمداً بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري.
وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فما زال يلقى عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول لا أعرفه.
فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضى على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر من العشرة وسأله كما سأله الأول والبخاري رحمه الله يجيب بما أجاب به الأول، ثم الثالث والرابع حتى فرغ العشرة مما هيأوه من الأحاديث.
فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فقلت: كذا، وصوابه كذا، وحديثك الثاني قلت: كذا، وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل”
وتعليقا على القصة يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة..”
5- مسيرته في طلب العلم
أنهى الإمام البخاري دراسته في بخارى وفي سن السادسة عشرة قام بالحج مع والدته وأخيه الأكبر، يذكر الإمام البخاري أن الرحلة إلى الحج كانت شاقة لأن عائلته كانت تنفد باستمرار من المؤن.
وبعد أداء فريضة الحج أخذ إذنًا من والدته بالبقاء في الحجاز، وقد اختار الإمام البقاء في الحجاز فقط بعد أن حصل على أكبر قدر ممكن من العلم في وطنه.
في سن الثامنة عشرة كتب الإمام البخاري (رضي الله عنه) نصين وهو جالس بجوار قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ أحدهم: “التاريخ الكبير” الذي تحدث فيه عن صفات رواة الحديث، والثاني هو “قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم” الذي امتدح الصحابة وأكّد على مصداقيتهم ومعرفتهم في زمن تناقضت فيه الآراء حول الصحابة رضوان الله عليهم.
في السنوات التالية، سافر الإمام البخاري خارج الحجاز لاكتساب مزيد من المعرفة، وقد قال في أسفاره أنه وثق أحاديث لأكثر من 1000 عالم. وعلى وجه الخصوص سافر إلى بغداد التي أصبحت مركز دراسات الحديث بعد وفاة الإمام مالك رحمه الله.
وكان تلميذه الإمام الشافعي (رضي الله عنه) هناك، وهنا التقى الإمام البخاري بعلماء مرموقين مثل إسحاق بن راهويه (رضي الله عنه) والإمام أحمد بن حنبل (رضي الله عنه).
كان الإمام في حلقة من حلقات إسحاق بن راهويه (رضي الله عنه) قد سمع شيخه يقول أنه يتمنى لو جمع أحد الأحاديث الصحيح في كتاب لتعم فائدته كل المسلمين.
استقر هذا الأمر حينها في قلب الإمام البخاري وبعد 16 عاما أخرى من طلب العلم كان الإمام البخاري قد جمع الحديث من أكثر من 80.000 راوي.
6- صحيح البخاري
لا شك أن جميعنا نعرف أن الإمام البخاري اشتهر بصحيح البخاري واسمه الكامل هو «الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه»، من بين 600000 حديث يحفظهم، كتب الإمام البخاري 7275 حديثًا في صحيحه.
تم اختبار هذه الأحاديث بدقة للتأكد من صحتها قبل وضعها في الجامع الصحيح لدرجة لا يمكن لأحد أن يشكك فيها بناء على تقييم دقيق لكل حديث.
كان الإمام البخاري يغتسل ويصلي ركعتين قبل كتابة كل حديث على مدار 16 عامًا، وقد حصل على موافقة مشايخ الحديث الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) وعلي بن المديني (رحمه الله) ويحيى بن معين (رحمه الله)، وهذا ما جعل صحيح البخاري أصح كتب المسلمين بعد القرآن الكريم.
نوصي أيضًا لمزيد من المعلومات بقراءة: احاديث صحيح البخاري وما هو الحديث الشريف؟ وأهم ما جاء في البخاري
7- السنوات الأخيرة للإمام البخاري
في عام 250 هـ جاء الإمام البخاري إلى منطقة نيسابور في خراسان، هذا هو المكان الذي استقطب فيه آلاف الطلاب من بينهم أحد أشهر علماء الحديث، الإمام مسلم بن الحجاج.
كان العلماء في نيسابور منزعجين من تدفق طلابهم على الإمام البخاري لذلك انتشرت شائعات بأن الإمام البخاري قد جاء إلى نيسابور لنشر علوم كاذبة عن الدين. تسببت الشائعات في مغادرة الإمام البخاري لنيسابور والعودة إلى مسقط رأسه في بخارى.
في بخارى تعرض الإمام البخاري لضغوط من الحاكم لجعله يعطي دروسًا خاصة لأبنائه بسبب الطبقة الاجتماعية العليا.ولأنه رفض وأراد أن تكون دروسه عامة للجميع أجبر الإمام البخاري على مغادرة مدينته.
ثم ذهب ليستقر في في ضواحي سمرقند، ضع في اعتبارك أن الإمام البخاري رفضه مجتمع موطنه في بخارى، لقد عانى منقذ الإسلام من ذلك وأسوأ بكثير من الاضطهاد إلى التعذيب. وهذا نجده كثيرا، فقد واجه علماء الإسلام العديد من التحديات لكنهم واجهوا دائمًا تحدياتهم وهم متأصلون في نواياهم ومعتقداتهم بغض النظر عن أي عقبة واجهتهم.
يقول عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي: كنت مع الإمام البخاري فقام لليل وصلى الليل، ثم قبض على لحيته فسمعته يقول: “اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك” فما أتم الشهر، وفي الليلة الأولى من شهر شوال عام 256 هـ أصيب الإمام البخاري بمرض وتوفي في سمرقند.
رغم أن الإمام البخاري لم يقاتل جسديًا في أي معارك إلا أنه كان جنديًا من جند الله حارب للحفاظ على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد حمى العلم الذي يربطنا جميعًا بتاريخنا وعقيدتنا، وأعاننا على معرفة خالقنا من خلال الرسول صلى الله عليه وسلم.
نوصي أيضًا لمزيد من المعلومات بقراءة: أشهر علماء المسلمين في الدين الإسلامي
بهذا عرفنا من هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري ووقفنا على أهم محطات رحلته في علم الحديث وفي حياته منذ مولده وحتى صعود روحه لخالقها، فرحمة الله ورضوانه وبركاته على الإمام الجليل، محمد بن إسماعيل.