أسرار سورة الفلق الروحانية
أسرار سورة الفلق الروحانية منتشرة بصورة كبيرة بين العامة بعضها صحيح والبعض الآخر لا يُعلم له أصل من الصحة، فتنتشر بين العاملين في مجال الروحانيات أقوال كثيرة عن فضل هذه السورة الكريمة، وتحمل كتب الروحانيات كثير من أسرار سورة الفلق الروحانية تحت باب المجربات.
لذلك في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول بعض مما يصح في أسرار سورة الفلق الروحانية نقلًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال الفقهاء.
أسرار سورة الفلق الروحانية
يرجى الانتباه في البداية أن أغلب الأحاديث التي تنتشر في فضائل السور لم يصح إلا قليل منها والأقل منها ما ورد في أسرار سورة الفلق الروحانية وهي:
المعوذتان في الصباح والمساء
عن عبد الله بن خبيب أنه قال: ” خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وظُلْمَةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصليَ لنا ، فأدركناه ، فقال : أصليتم ؟ فلم أقلْ شيئًا ، فقال : قلْ . فلم أقلْ شيئًا ، ثم قال : قلْ. فلم أقلْ شيئًا ، ثم قال : قلْ : فقلتُ : يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ ؟ قال : قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين حينَ تُمسي وحينَ تُصبحُ ثلاثَ مراتٍ تُكفيك مِن كلِّ شيءٍ” (صحيح أبي داود 5082)
شرح الحديث
هذا الحديث من الأحاديث التي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة صورة مباشرة ومن وراءه يعلم الأمة كلها ما ينفعها فنجد أن الصحابة عبد الله بن خبيب يقول أنه خرج ذاهبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي بهم صلاة الجامعة، في ليلة مظلمة جدًا وكانت تمطر بشدة.
لما وصلوا للنبي صلى الله عليه وسلم سألهم هل أدو الصلاة فم يرد عليه، فقال له الرسول: “قل” أي اقرأ، فسأله عبد الله ماذا يقول؛ فأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم القول مرة أخرى: “قل” فرد عليه: “يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟”
فرد عليه النبي:
- ” قل هو الله أحد” أي صورة الإخلاص التي أول آية فيها: ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ”
- “والمعوذتين” أي سورة الفلق التي تبدأ بـ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ” وسورة الناس التي تبدأ بـ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”
- “حين تمسي” أي حين يدخل عليك وقت الليل.
- “حين تُتصبح” أي حين يدخل وقت الصباح.
- ” ثلاثَ مراتٍ” أي كل سورة فيهم ثلاث مرات تقرأها في الأوقات السابقة
- ” تكفيك من كل شيء” أي تحفظك بفضل الله من كل شر وتبعدك عن كل سوء.
فهذا الحديث يوضح فضل سورتي المعوذتين وسورة الإخلاص في حفظ المسلم وابعاد كل شر عنه.
المعوذتان تغني الإنسان عن دونهما
عن أبو سعيد الخدري أنه قال: ” كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ منَ الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزَلتِ المعوِّذتانِ فلمَّا نزلَتا أخذَ بِهِما وترَكَ ما سواهما” (صحيح الترمذي 2058)
شرح الحديث
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم أصحابه -ومن ورائهم باقي الأمة- الأذكار التي تحميهم من كل سوء وكل شر، ففي هذا الحديث يعلمنا أحد الصحابة (أبو سعيد الخدري) ما قد تعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أن النبي كان يقول أعوذ بالله من أعين الجان وأعوذ بالله من أعين الإنس أي الحسد.
لما نزلت المعوذتان أي سورة الفلق التي تبدأ بـ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ” وسورة الناس التي تبدأ بـ “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ” فأخذ بهما النبي أي كان يقرأهما وأصحبتها تغنياه عما كان يقول من الأذكار.
هذا يبين الفضل العظيم لسورتي الفلق والناس في الوقاية من شر الإنس والجن.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: سورة الكوثر 70 مرة للزواج
أفضل الأذكار للتعوذ
عن عقبة بن عامر أنه قال: “بينا أنا أسيرُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ الجَحفَةِ والأبواءِ إذ غشِيتنا ريحٌ وظُلمةٌ شديدةٌ فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ ب{ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و{ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ويقولُ يا عقبةُ تعوَّذْ بهما فما تعوَّذَ متعوِّذٌ بمثلِهما قالَ وسمعتُهُ يؤمُّنا بهما في الصَّلاةِ” (صحيح أبي داود 1463)
شرح الحديث
الجَحفَةِ والأبواءِ: أماكن في الحجاز كان يحرم الناس منها في الحج.
في هذا الحديث ينقل لنا الصحابي عقبة بن عامر الأذكار التي كان يتعوذ بها النبي، فقال أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكان وكان مظلم جدًا والرياح شديدة فكان النبي يقرأ المعوذتان (سورتي الفلق والناس)
ثم قال له “يا عقبةُ تعوَّذْ بهما فما تعوَّذَ متعوِّذٌ بمثلِهما” أي أنه لن تجد أفضل منهما في التعاويذ الأذكار المنجية
كما أن النبي صلى بالناس في ذاك اليوم وقرأ بهاتين المعوذتين.
ففي هذا الحديث نجد الإشارة الصريحة إلى أن أفضل الأذكار للتعوذ هما سورتي الفلق والناس.
قراءة المعوذتان قبل النوم
عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ” أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما فَقَرَأَ فِيهِما: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ” (صحيح البخاري 5017)
شرح الحديث
تحكي لنا السيدة عائشة رضي الله عنها صفة استعداد النبي صلى الله عليه وسلم للنوم فكان إذا أوى إلى النوم يجمع كفيه كما يفعل الداعي وينفس فيهما بفمه (النفس هو الهواء الرقيق) ويقرا فيهما سورة الإخلاص (التي أول آية فيها: ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ”) وسورة الفلق التي تبدأ بـ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وسورة الناس التي تبدأ بـ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) بعد ذلك يمسح بيده على ما استطاع من جسده بادئًا من الراس إلى الجزع الأمامي.
بعد ذلك يكرر النبي هذا مرتين، فبذلك يكون قد فعلها ثلاث مرات، فهذا الحديث أن قراءة هذا السورة (بما فيهم سورة الفلق) لها تحفظ الإنسان بفضل الله من السوء.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: سبب نزول سورة الفتح
عظمة سورة الفلق وسورة الناس
القرآن الكريم كله فضل واختص الله ببعضه بفضل زائد ومن ذلك سورتي الفلق والناس، ففي هذا الفضل كان يعلمه النبي لأصحابه وينقلوه لنا، مثل الحديث الذي رواه عقبة بين عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
” أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، {قُلْ أَعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ}، {وَقُلْ أَعُوذُ برَبِّ النَّاسِ}.” (صحيح مسلم 814)
ففي هذا الحديث يبدأ الرسول بأسلوب استفهام تقريري تعجبي يتعجب فيه من عظمة السور التي نزلت في هذا اليوم وفضلها الكبير ووضح أن هتان السورتان هما سورتي الفلق والناس، ذلك لما فيهم من تعوذ والاستغاثة بالله تعالى والالتجاء له، فهذا الحديث يوضح أن المعوذتان عظيمتان من حيث المعاني والفضل والبركة.
قول السلف في فضل سورة الفلق
قد تناول الفقهاء القدماء أسرار سورة الفلق الروحانية بإسهاب وتدبر بالأدلة الشرعية وتدبر آيات القرآن الكريم، فنجد أن الإمام برهان الدين البقاعي صاحب كتاب (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) قال فيه عندما تعرض لسورة الفلق وأختها سورة الناس أن سورة الفلق قد وردت للاستعاذة من شر كل ما خلق الرحمن في كافة ما يضر الإنسان سواء كانت في الناحية البدنية أم غيرها، فتشمل الاستعاذة من كل الشرور الموجودة في الكون.
بعد ذلك ورد فيها تخصيص شرور بعينها هو (شر الفاسق، شر السحرة، شر الحاسدين)، بذلك تكون الاستعاذة فيها عامة كل ما تقع من الغير أو من النفس من ظلم الإنسان نفسه.
بل أن السورة خُتمت بالاستعاذة من الحسد الذي كان أصل كل الشرور التي وقت حين الخلق بين الإنس والجن؛ فالعداوة كانت من الحسد.
بينما في حديثه عن سورة الناس قال:
قد وردت سورة الناس تضم بين دفتيها الاستعاذة من الشر الخالص؛ وهو الوسواس الذي وقع أقوى من الحاسد لأنه ينبع من المعايب الداخلية للنفس البشرية، والوسواس أصل كل الذنوب التي يقع فيها ابن آدم، وإذا كانت تلك والوساوس من الجن فإنها تكون أقوى وأكثر تمكنًا، ويرجع إليها كل الشر والمصائب.
كما قال صاحب الشيخ عطية محمد سالم في كتابه (تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) عندما تناول سورتي الفلق والناس:
” … المستعاذ منه في السورة الأولى (يقصد سورة الفلق) أمور تأتي من خارج الإنسان، وتأتيه اعتداء عليه من غيره، وقد تكون شرورا ظاهرة، ومثل ذلك قد يمكن التحرز منه أو اتقاؤه قبل وقوعه، وتجنبه إذا علم به. بينما الشر الواحد في الثانية يأتيه من داخليته، وقد تكون هواجس النفس وما لا يقدر على دفعه، إذ الشيطان يرانا ولا نراه …”
هذا أوثق ما وصل إلينا في أسرار سورة الفلق الروحانية، قد يكون هناك أحاديث أخرى صحيحة لكن تلك الأشهر التي تناولها الفقهاء.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: لماذا سميت سورة الأعراف بهذا الاسم