كيف ينفذ حد الحرابة؟
كيف ينفذ حد الحرابة وما هي أحكام حد الحرابة ومتى يسقط من له الحق في تنفيذه وما حكم من تاب قبل القبض عليه وتحويله للمحاكمة.. تلك الأسئلة وغيرها تدور في خلد الكثيرون حاليًا بعدما انتشر الحديث عن محاربة قطاع الطرق أو العمليات الإرهابية مثل التي تقع في حق ضيوف بيت الله الحرام الآمنين.
لذلك في هذا الموضوع على موقع زيادة سنتناول أقوال العلماء عن كيف ينفذ حد الحرابة وعن شروطه والأحكام المتعلقة به.
كيف ينفذ حد الحرابة
الحرابة من أعظم المنكرات في المجتمع الإسلامي فهو قطع الطريق والسرقة والنهب بالسلاح مع ترويع الآمنين، فيقال على المحارب (قطاع الطرق) أو (المفسدون في الأرض)
قال القرطبي عنهم في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) عندما تعرض لآية الحرابة: ” إخافة الطريقِ بإظهارِ السّلاحِ قصدًا للغلبةِ على الفروجِ، فهذا أفحشُ المحاربةِ، وأقبحُ مِن أخذِ الأموالِ …”
أتفق الفقهاء على أن حد الحرابة هو القتل أو الصلب أو تقطيع الأرجل والأيدي من خلاف أو النفي من الوطن، وإنما كان الاختلاف في معنى حرف العطف “أو” في قوله تعالى:
“… أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ … ” (المائدة 33)
فقد تدل على التخيير أو تدرج العقوبة حسب الجناية فانقسموا إلى :
- الإمام مالك في (الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك 2/ 436) للدرديري العدوي قال: ” إن قتل فلا بد من قتله، وليس للإمام تخيير في قطعه ولا في نفيه، “وأما إذا أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف …”
بينما يرى أنه من أخاف الناس في الطرقات فقط فإن الإمام له الحق الاختيار بين قتله أو نفيه أو صلبه … حسب الجرم الذي ارتكبه؛ فالأمر راجع إلى اجتهاد الإمام (ولي الأمر)
- الإمام الشافعي في (تحفة المحتاج بشرح المنهاج 9/161) والإمام أبو حنيفة في (فتح القدير 4/ 268 و269) أن عقوبة الحرابة مترتبة على الجناية التي ارتكبها المحارب فمن قتل يٌقتل، ومن أخذ المال يُقطع أوصاله، والنفي لمن لم يأخذ المال ولم يقتل، وأن الأمر على التخيير حسب اجتهاد ولي الأمر، وقال بهذا الرأي عدد من الفقهاء آخرون.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما هو حد الحرابة في السعودية
الصلب في حد الحرابة قبل الموت أم بعده
كذلك اختلفوا في كيف ينفذ حد الحرابة ذاته أي في أمر الصلب هل يكون قبل الموت أم بعده أم يقتل وهو مصلوب، والمدة التي يترك عليها في تلك الحالة، فقالوا:
- يرى جمهور فقهاء الحنفية والمالكية أن المحارب يُصلب حيًا وبعد ذلك يُقتل على تلك الحالة بحربة (أي وهو مصلوب). فعن الكساني أنه قال: “روي عن أبي يوسف رحمه الله أنه يُصلب حيا، ثم يُطعن برمح حتى يموت”
- يرى فريق آخر منهم أبي عبيد أن القتل يتم في البداية ومن ثم يُصلب لأن الصلب حيًا من المُثلة (التمثيل بالأحياء وتعليقهم حتى الموت) والرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المثلة.
إلا أن جمهور العلماء قد ذهبوا إلى القول الأول ذلك لما في الأمر من تغليظ العقوبة لهذا الفعل الشنيع ليكون ردعًا لغيره، وتركوا الأمر على اختيار ولي الأمر فله أن يرى القتل سابق الصلب أم الصلب سابق القتل، فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (الشرح الممتع على زاد المستقنع 14/ 371): “ينبغي أن ينظر في هذا إلى المصلحة، فإذا رأى القاضي أن المصلحة أن يصلب قبل أن يقتل فعل”
مدة الصلب في حد الحرابة
اختلف الفقهاء في مدة الصلب في كيف ينفذ حد الحرابة فالإمام الشافعي يرى أن الصلب يكون ثلاث أيام، وقال ابن قدامة في: (المغنى منن مستودعات الفقه الحنبلي 9/147) ردًا على هذا الرأي أن هذا التوقيت بغير توقيف من الله تعالى فلا يجوز، يرى أنه يُصلب إلى الحد الذي يمنع تغيره حاله ونتنه فيؤدي ذلك إلى تعذر غُسله وتكفينه ودفنه وأن يتأذى المسلمون من رائحته وشكله.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أسئلة دينية واجوبتها من القرآن الكريم اختبر معلوماتك
دليل حد الحرابة
يستدل الفقهاء في قولهم في كيف ينفذ حد الحرابة قد استدلوا على أدلة شرعية من القرآن الكريم ومن السنة الصحيحة هي:
دليل حد الحرابة من القرآن الكريم
قول الله تعالى في سورة المائدة “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)”
قد سبق تناول تلك الآية بآراء الفقهاء الموجز
دليل حد الحرابة من السنة
استدل الفقهاء في قولهم عن كيف ينفذ حد الحرابة وعن دليل مشروعية حد الحرابة بعدة احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته، نحو:
الحديث الأول
عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه قال: ” أنَّ ناسًا مِن عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَكَلَّمُوا بالإِسْلامِ، فقالوا يا نَبِيَّ اللَّهِ: إنَّا كُنَّا أهْلَ ضَرْعٍ، ولَمْ نَكُنْ أهْلَ رِيفٍ، واسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ، فأمَرَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذَوْدٍ وراعٍ، وأَمَرَهُمْ أنْ يَخْرُجُوا فيه فَيَشْرَبُوا مِن ألْبانِها وأَبْوالِها، فانْطَلَقُوا حتَّى إذا كانُوا ناحِيَةَ الحَرَّةِ، كَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ، وقَتَلُوا راعِيَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واسْتاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَبَعَثَ الطَّلَبَ في آثارِهِمْ، فأمَرَ بهِمْ فَسَمَرُوا أعْيُنَهُمْ، وقَطَعُوا أيْدِيَهُمْ، وتُرِكُوا في ناحِيَةِ الحَرَّةِ حتَّى ماتُوا علَى حالِهِمْ” (صحيح البخاري 4192)
في هذا الحديث عن أنس ابن مالك ذاته (ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ) يروي حدث وقع في عهد الني صلى الله عليه وسلم، أن جاء أناس من قبيلة عكل ومن حي يسمى (عرينة) تسكنه قبيلة بجيلة إلى المدينة ونطقوا بالشهادتين وأظهروا الإسلام.
فقالوا للنبي أنهم كانوا بدو يعيشون على رعاية الإبل والغنم ولم يكونوا أهل زراعة فلم يتوافقوا في حياة المدينة (يثرب)؛ فأعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من الإبل وأمرهم ان يخرجوا لرعيها وينتفعوا بها.
فلما ذهبوا ناحية موضع بجوار المدينة يسمى الحرة فعاشوا هناك وطاب حالهم ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي الذي أرسله رسول الله معهم عندما حاوا الهرب بالجمال فأدركهم فتجمعوا عليه وقطعوا أوصاله وغرزوا الاشواك في عينه وفي لسانه ومات.
فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجال في أثرهم وقبضوا عليهم، فوضعت المسامير المحمية في أعينهم وقٌطعت أيديهم وأرجلهم، وتُركوا بجوار الموضع الذي قتلوا فيها راعي الأبل ليموتوا، جزاء لهم على فعلتهم الشنيعة.
الحديث الثاني
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن حَمَلَ عليْنا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا” (صحيح البخاري 6874)
قد توعد الله تعالى لم يقتل دون وجه حق وأنها أول ما يُفصل به يوم القيامة؛ ولهذا الشأن الكبير لحرمة قتل النفس قد حذرنا النبي صلى تالله عليه وسلم من حمل السلاح على المسلمين الآمنين لترويعهم ونهب أموالهم، وقال أنه ليس من المسلمين الذين يهتدون بهديه ويتبعون خطاه، وهي أعظم المنكرات في الأرض.
من له الحق في تطبيق حد الحرابة
أتفق الفقهاء في كيف ينفذ حد الحرابة أن تطبيقه هو فرض كفاية على ولي الأمر (الحاكم أو السلطان أو من ينوب عنه) أو ما يحدده الميثاق المجتمعي بمن يقوم على رعاية مصالح الرعية من الهيئات التنفيذية والقضائية في المجتمعات المعقدة إداريًا.
فرض الكفاية: هو الفرض الذي إذا قام به أحد المسلمين سقط عن باقي أهل المكان، مثل خطبة الجمعة أو غسل الميت والصلاة عليه أو الأذان للصلاة.
من الذي يُنفذ فيه حد الحرابة
اتفق الفقهاء أن حد الحرابة يٌنفذ في كل منم وقع منه هذا الجرم (بالغ عاقل معصوم) سواء رجل أو امرأة، مسلم أو ذمي أو مستأمن، باعتدائهم على أي فرد يقع تحت مظلة الدولة الإسلامية سواء كان مسلم أو غير ذلك.
بينما لا يفرق الفقهاء في الحكم بين من قام بالقتل بنفسه أو من عاونه في السرقة والتقيد دون القتل، فقال ابن قدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي) في تعليل هذا الرأي: ” لأنَّ المحاربةَ مبنيةٌ على حصولِ المنَعةِ والمعاضدةِ والمناصرة، فلا يتمكنُ المباشِرُ مِن فعلِه إلا بقوة الرِّدْءِ … بخلاف سائرِ الحدودِ، فعلى هذا، إذا قتل واحدٌ منهم، ثبت حكمُ القتلِ في حقِّ جميعِهم، فيجب قتلُ جميعِهم، وإن قتل بعضُهم، وأخذ بعضُهم المالَ، جاز قتلُهم وصلبُهم، كما لو فعل الأمرين كلُّ واحدٍ منهم…”
كذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى).
حكم المحارب الذي تاب قبل القبض عليه
إذا قام أحد بفعل يوجب حد الحرابة ومن ثم تاب هل يُقام عليه حد الحرابة أم لا؟ قد تناول الفقهاء هذا المبحث بالتفصيل وقسموه إلى عدة مطالب وهي:
هل تُقبل توبته
قال جمهور الفقهاء الذين يرون أن آية الحرابة السابق ذكرها نزلت فيهم بأنه تُقبل توبته بدليل قول الله تعالى في الآية اللاحقة لها في سورة المائدة: ” إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)”
صفة التوبة التي تُسقط حد الحرابة
في وصف توبة المحارب التي تُسقط حد الحرابة عنه قد اختلف فيها الفقهاء إلى قولين هم:
القول الأول: قال به ابن القاسم في (الشرح الصغير 1/ 160) هو أن يترك هذا الفعل الذي ي قوم به وينتهي عن أذية الخلق، وان يترك السلاح ويسلم نفسه للإمام.
القول الثاني: قال به ابن الماجشون في (منح الجليل 4/ 549) هو أن يترك هذا الفعل ويعود على صفوف الآمنين ويكف عن أذية الناس فقط.
ما الذي يسقط بتوبة المحارب
قد أختلف الفقهاء أيضًا فيما يسقط عن المحارب بتوبته هذه، هل كل الحدود أم بعضها دون الأخرى، فقالوا:
- أن تلك التوبة تسقط عنه حد الحرابة أما باقي الحقوق (حقوق العباد وحقوق الله) فيٌعاقب عليها، وبهذا الرأي قال الإمام مالك (بلغة السالك لأقرب المسالك الشرح الصغير 2/ 437).
- أن التوبة تُسقط عنه حد الحرابة وتُسقط أيضًا حقوق الله مثل الزنا وشرب الخمر؛ لكنها لا تُسقط حقوق العباد إلا أن يعفو أصحاب الحقوق عن حقوقهم.
- أن التوبة تُسقط حقوق الله عليه وكذلك تُسقط حقوق العباد إلا الأموال القائمة في يديه في حال توبته فإنه يردها.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: هل يجوز لبس ناب الذيب لإخافة الجن