افعل ما شئت كما تدين تدان تفسير الحديث
افعل ما شئت كما تدين تدان؛ لأن الدنيا تدور.. لذا ما قدمته إلى الناس سيعود إليك كان خيرًا أو شرًا؛ لأن الدنيا سلف ودين تعطي وتأخذ وهو مفهوم ديني ورد في عدة مواضع في القرآن فالجزاء من جنس العمل فما قدمته خير ستحصده خير وما قدمته شر ستحصده شر، إلا أن الموضوع له أبعاد وجوانب يجب أن نعيها، لذلك من خلال موقع زيادة سنعرفكم اليوم عن مبدأ افعل ما شئت كما تدين تدان.
افعل ما شئت كما تدين تدان
كثيرًا ما نسمع الناس تردد هذه المقولة للآخرين ويعتنقونها مبدأ وذلك استنادًا إلى الحديث: “البِرُّ لا يَبْلَى، والإثمُ لا يُنْسَى، والدَّيَّانُ لا ينامُ، فكن كما شِئْتَ، كما تَدِينُ تُدَانُ” والحديث معناه صحيح إلا إنه حديث ضعيف وكثيرًا ما يساء فهمه.
يظن المسلمون أن “افعل ما شئت كما تدين تدان” هو إن الشخص الذي يسيء لغيره أن الله سيرد له هذا في أهل بيته، مثال وما أكثر ما يستخدم وهو عندما مثلًا يزني شاب بفتاة أو يسيء الأخلاق معها نجد أن الناس يخبروه بهذا الحديث على اعتبار أن ذلك سيرد له في أخته أو ابنته أو أهل بيته وهذا غير صحيح.
المقصود من المعنى هو أن الأعمال التي يفعلها الإنسان سواء حسنة أو أثمة فإنها ترد إليه حتمًا في الدنيا أو يؤخرها الله ليوم القيامة، وذلك يتفق مع قول الله تعالى:
“ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” سورة الزلزلة.
الآية الكريمة تقول بوضوح أن كل ما قدمته من خير أو شر يرد إليك، ولكن يرد إلى الشخص نفسه صاحب الفعل وليس إلى أهله وذلك لقوله تعالى في كتابه الكريم:
“وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” سورة فاطر الآية 18، كما كررها الله جل في علاه في سورة الأنعام الآية 164.
“وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” سورة النجم الآية 39.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” سورة المائدة 105.
نستنتج من الآيات السابقة وكل آيات القرآن التي تتحدث عن الجزاء والحساب أن الإنسان يتحمل نتيجة أفعاله وليس الآخرين وليس أبنته ولا زوجته ولا أمه ولا أي شخص سوى نفسه.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعلنا من عتقاء النار
تفسير الحديث
التفسير المبسط للحديث هو أن البر -والذي يعني الخصال والصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسان- يبقى للإنسان فهو لا يبلى ويمر مرور الكرام بل هو موجود ومحفوظ ولا ينساه الله.
أما الإثم -وهو المعاكس لمعنى البر، ويعني كل الصفات السيئة والأفعال الشريرة- لا يتم نسيانه وهو في ذلك يسلك مسلك البر، بمعنى أن كل ما يفعله الإنسان مكتوب ومحفوظ وسيحاسب الإنسان على الإثم ما لم يتوب عنه.
بالنسبة إلى الديان فتعددت فيه الأقاويل ولعل أوضح معنى أن الله لا يغفل عن حقوق ومصالح عباده لذا فلك الحرية أي الطريقين تختار فأيما كان ما اخترته سيرده الله إليك.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: حديث الرسول عن العين والقبر ووصاياه لدفع العين
تفسير الآية بالنسبة لعلم النفس
هناك ما يدعى بعلم النفس الإسلامي وهو يعمل على ربط الدين الإسلامي بعلم النفس، فكلاهما يدوران حول النفس البشرية وسلوكها وما يشقيها وكثيرًا ما نجد دعائم لعلم النفس من القرآن الكريم.
علم النفس يوجد به ما يسمى قانون الاستحقاق ومعناه بشكل جدًا مبسط هو أن ما يعيش فيه الإنسان في الوقت الحالي هو نتيجة لأفعاله وأفكاره ورؤيته للحياة، وأن كل فعل يفعله الإنسان يؤدي إلى شيء يسحقه عليه ويراه عين اليقين، مثال مبسط:
- إذا قمت بشرب الكحول فستسكر ويغيب عقلك، هنا جاء غياب العقل نتيجة لاحتساء الخمر، وهذا المثال مباشر جدًا وواضح، إلا أن الأحداث في الواقع لا تكون بهذا الوضوح المباشر إلا أنها تحدث وتقع.
لذا خلاصة القول إننا نقول أن قانون الاستحقاق في علم النفس تؤيده الآيات القرآنية والحديث المذكور سلفًا، وهذا يحثك على ظن الجميل بالله والأخذ بالأسباب وفعل الخيرات لتأتيك النتائج الإيجابية على أفعالك الإيجابية والعكس صحيح.
جدير بالذكر هنا أن الإنسان يتوقع أن يأتي له الخير ويراه بشكل مباشر، والبعض يقول فعلت وفعلت ولم أجد نتيجة، هنا لا يسعنا الشرح لأن قانون الاستحقاق يتم شرحه في محاضرات ولا يمكننا تلخيصه، ولكن نستطيع أن نرد عليك بالآية الكريمة الآتية:
- “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” سورة الرحمن الآية 60.
لهذا كن واثقًا تمام الثقة أن الإحسان سيعود عليك بالإحسان، والشر سيعود عليك بالشر.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار والأدعية والأذكار آداب الطعام
استحقاق الشر
الشر هنا ليس بالضرورة معناه فعل السوء فقط فهو يشمل التفكير السيئ كذلك، فسوء الفكر وضلاله له كبير الأثر على حياة الإنسان، فهو يجعل واقعك بالضرورة سيئ لأن ذلك ما تستحقه وقتها، وذلك يؤيده قول الله تبارك وتعالى:
“الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ” سورة الفتح الآية 6.
في الآية المباركة جاء ظن السوء كصفة من صفاء المشركين بالله والمنافقين، فالمؤمن الحق يدري أن أمره كله خير، لذا إن كنت تعاني من تفكير سلبي حاول تدريجيًا أن تغيره حتى تجد تغير بحياتك، وتذكر في ذلك الآية الكريمة التي تقول:
“إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” سورة الرعد الآية 11.
خلاصة الموضوع في 6 نقاط
سنلخص لكم في 6 نقاط أبرز ما قدمناه لكم في هذا الموضوع:
- حديث ” افعل ما شئت كما تدين تدان” هو حديث ضعيف ولكن صحيح المعنى.
- الدين يرد إلى صاحب الفعل وليس إلى ذويه.
- في الحديث بشرى وإنذار، بشرى بمجازاة الله لك الخير على صنيع الخير والعكس.
- الرؤية الدينية للمقولة تتفق مع قانون الاستحقاق في علم النفس.
- السوء ليس معناه فقط فعل المعاصي والأخطاء بل يعني أيضًا الظن السيئ بالله.
- أحرص على مراقبة أفكارك وأجعل مرجعك الفكري هو القرآن تسعد في الدارين وستتحول أفكارك لأفكار إيجابية.