قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها سبب النزول
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها سبب النزول الوارد في كتب الفقه الإسلامي والأحاديث الصحيحة، والآثار عن الصحابة حوله هو ما سنستعرضه لكم من خلال موقع زيادة.
فعلم أسباب النزول من العلوم القرآنية التي أعتنى بها فقهاء المسلمين قديمًا وحديثًا، لما له من دور هام في تفسير الآيات القرآنية، ولهذا أفردوا له مصنفات خاصة ذاكرين فيها كل ما يتعلق بالآية القرآنية من قضايا وحوادث في الزمان أو المكان التي نزلت فيه.
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها سبب النزول
المرأة التي نزلت فيها تلك الآية هي الصحابية خويلة بنت ثعلبة رضي الله عنها (وفي بعض المصادر خولة)، حينما جاءت تشتكي للرسول صلى الله عليه وسلم مشكلة مع زوجها وتجادله ليجد لها حل.
في سرد السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن هذا الموقف قالت: “تبارَكَ الَّذي وسِعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ، إنِّي لأسمعُ كلامَ خويلة بنتِ ثَعلبةَ ويخفَى علَيَّ بعضُهُ، وَهيَ تشتَكي زَوجَها إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَهيَ تقولُ: يا رسولَ اللَّهِ ، أَكَلَ شَبابي، ونثرتُ لَهُ بَطني، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي، ظاهرَ منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ، فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيلُ بِهَؤلاءِ الآياتِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ” (صحيح ابن ماجة 1691)
قبل الإسلام كان الفقهاء يعدون الظهار مثل الطلاق، فإذا قال الرجل لزوجته أنت علي كمثل ظهر أمي فكأنه طلقها، ثم جاء الإسلام فجعل الطلاق بأحكامه التي ذكرناها في موضوع: شروط وقوع الطلاق وجعل الله تعالى للظهار كفارة.
في هذا الحديث الشريف تروي السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الموقف الذي حدث فتقول:
- تبارك: أي زادت البركة وكثر خير الله علينا.
- الَّذي وسِعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ: أي الذي يسمع كل شيء في الأرض أو في السماء جهر بها المتكم أو أسر القول.
- إنِّي لأسمعُ كلامَ خويلة بنتِ ثَعلبةَ ويخفَى علَيَّ بعضُهُ: أي أني أسمع بعض الكلام ولا اسمع بعضه بالرغم أني في البيت (للدلالة على انخفاض صوت السيدة خويلة).
- وَهيَ تشتَكي زَوجَها: هو أوس بن الصامت.
- أَكَلَ شَبابي: أي أنها عاشت معه فترة شبابها كله.
- ونثرتُ لَهُ بَطني: أي أنها أنجبت له الكثير من الأولاد.
- حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي: أي أنها تعدت العمر الذي تكون فيه المرأة قادرة على الإنجاب.
- ظاهرَ منِّي: أي حرمها (في المعاشرة الزوجية) على نفسه كمثل أمه، وكان هذا متبع قبل الإسلام.
- اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ: أن السيدة خويلة كانت تشكو حالها إلى الله تعالى.
- فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيلُ بِهَؤلاءِ الآياتِ: أي أنها لما انتهت من الشكوى لله، نزل سيدنا جبريل بالآيات في أول سورة المجادلة التي ذكرتها في الحديث.
اقرأ أيضًا: كلما دخل عليها زكريا المحراب تفسير الأية الكريمة وفضل سورة عمران
قصة المرأة المجادلة
وردت القصة كاملة في الحديث الشريف عن السيدة خويلة بنت ثعلبة وأخرجه ابن حبان برقم 4279.
تحكي السيدة خويلة وتقول أنها كانت زوجة أوس ابن الصامت وكان قد كبر سنه وأصبح خلقه سيء ولا يصبر على شيء.
ذات مرة دخل عليها وطلب شيء منها فراجعته فيه فغضب منها وقال لها أنت علي مثل ظهر أمي، ثم خرج وجلس مع بعض الرجال فترة وعاد وهو يريدها، فرفضت وقالت: “كلَّا والَّذي نفسُ خُويلةَ بيدِه لا تخلُصُ إليَّ وقد قُلْتَ ما قُلْتَ حتَّى يحكُمَ اللهُ ورسولُه فينا بحُكمِه” وتشاجرا وتغلبت عليه بسبب ضعفه.
خرجت السيدة خويلة إلى جارتها واستعارت منها بعض الملابس، وذهبت إلى رسول الله وجلست بين يديه تشكوا إليه ما حدث من زوجها، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول لها: “يا خُوَيلةُ ابنُ عمِّكِ شيخٌ كبيرٌ فاتَّقي اللهَ فيه”.
فما برحت السيدة خويلة تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى تغشاه ما كان يغتشاه حين ينزل عليه الوحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: “يا خُويلةُ قد أنزَل اللهُ جلَّ وعلا فيكِ وفي صاحبِك”.
الآيات التي نزلت في المجادلة
ثم تلى الرسول تعالى قوله تعالى:
” قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)” (المجادلة)
ثم قال لها رسول الله: “مُرِيه فلْيُعتِقْ رقبةً” قالت له أنه ليس عنده مال ولا رقاب يعتقها.
قال النبي: “فلْيصُمْ شهرينِ مُتتابعينِ” قالت له إنه شيخ كبير لا يقدر على الصيام.
قال الرسول لها: “فلْيُطعِمْ ستِّينَ مسكينًا وَسْقًا مِن تمرٍ” قالت والله يا رسول أنه فقير ولا يمتلك ذلك.
قال رسول الله: “فإنَّا سنُعينُه بعَرَقٍ مِن تمرٍ” فقالت إنها ستعينه بعرق تمر أخر (العرق هو مكتل من الخوص يسع خمسة عشر صاع من التمر)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: “أصَبْتِ وأحسَنْتِ فاذهَبي فتصدَّقي به عنه ثمَّ استوصي بابنِ عمِّكِ خيرًا” ففعلت ما وصاها.
اقرأ أيضًا: تفسير آية ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ” ومناسبة نزولها
القضايا المتضمنة في قصة المجادلة
نتعلم من قصة نزول سورة المجادلة بعض المعاني مثل:
- مكانة المرأة المرتفعة في الإسلام وحقوقها، وأن عليها واجبات كما للرجل ولها حقوق مثله ، إلا أن الله فضل بعضهم على بعض قال الله تعالى: “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (البقرة 228).
ليس الأمر في الإسلام كما يقول المدعون أن الإسلام قد ظلم المرأة وأكل حقوقها، فالله تعالى من فوق سبع سموات قد سمع قولها وشكوها وأنزل فيها قرآن يتلى إلي يوم الدين؛ ينصفها ويحمي أسرتها من التشتت، ويمنحها كامل العدل.
- أن السيدة خويلة بنت ثعلبة قدوة للمرأة المسلمة في الدفاع عن مصالحها ومصالح أسرتها، بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية.
- من هذه القصة عرفنا أحكام الظهار (أن يقول الرجل لزوجته أنت حرام علي كظهر أمي، أو أنت حرام علي كظهر أختي…)، وكفارة يمين الظهار كما ذكرنا في كلام الرسول الله صلى.
اقرأ أيضًا: تفسير آية ” ألم تكن أرض الله واسعة ” وأسباب نزولها
بذلك نكون نقلنا لكم قول الفقهاء في قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها سبب النزول من كتب أسباب النزول وشروح الأحاديث والتفاسير والقضايا المتضمنة في سورة المجادلة، ندعو الله تعالى أن يوفقكم وإيانا.