تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي

تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي أو ما يطلق عليه في الأوساط الجنائية “التشريح الجنائي”، هو عبارة عن حزمة من الإجراءات البيولوجية الطبية تتم على يد طبيب فاحص في علم الأمراض، يتم من خلالها عملية استقصاء دقيقة للرفاة، للوقوف على ملابسات حدوث وآلية الوفاة، وتحديد ما إذا كان سبب الوفاة جنائياً أم طبيعياً.

مفهوم تشريح جسم الإنسان

تشريح جسم الانسان الطب الشرعي

يعرف علم تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي بأنه: إدراك مكونات وعناصر الإنسان وأجهزته الوظيفية وتوصيفها، وتعتبر تلك العملية مدخلاً مهما لكل الأنشطة الطبية على مختلف اتجاهاتها، ويعتمد عليها في الأساس علماء الطب الشرعي في تحديد عوامل الوفاة وملابسات حدوثها.

وهو يرجع إلى المصطلح اليوناني (Anatomy)، والذي يعني التقطيع، إذ كان الإجراء السائد قديما عن التشريح أنه تقطيع الأوصال كما تعني الكلمة اليونانية؛ لتحديد مكونات أجهزة جسم الإنسان ووظائفها الأساسية، غير أن التطور التقني الهائل الذي هيمن على الحياة بصفة عامة اليوم طال أيضاً عملية التشريح التي أصبحت تعتمد على وسائل وأجهزة دقيقة أحدثت ثورة في علم التشريح.

أقراء أيضا تكوين جسم الإنسان من الداخل بالكامل.. التشريح العضوي

تاريخ تشريح جسم الإنسان

  • عرف التاريخ البشري قديماً عملية تشريح جسم الإنسان، حيث أدرك قدماء المصريين أهمية التشريح للقيام بعمليات التحنيط التي أتقنها قدماء المصريين، وكان السائد حسب بعض الاعتقادات القديمة أن أصحاب الأجساد المشوهة يحجبون عن النعيم الأخروي، ومن ثم لجأوا إلى تشريح أجسام الموتى؛ وذلك بكحت الأمعاء، ومن هناك تحدت المومياوات كل عوامل التعرية وصمدت خلال القرون السابقة.
  •  وفي الحضارة اليونانية القديمة إشارات إلى تقدم علم التشريح على يد كل من أبقراط وجالينوس، وفي العقد الخامس قبل الميلاد شرحت رفاة يوليوس قيصر للوقوف على ملابسات مقتله حيث أشار المشرح إلى أن الطعنة الأولى لم ترديه بينما أودت بحياته الضربة اللاحقة.
  •   وأثناء القرن الثاني الميلادي أسس الرومان التشريعات اللازمة لتقنين عملية تشريح جسم الإنسان على يد خبراء متخصصين.
  • كما عرفت الحضارة الإسلامية علم التشريح على يد وابن زهر الأشبيلي وأبو بكر الرازي وأبو الحسن بن النفيس وغيرهم من علماء المسلمين.
  • وفي عصر النهضة عقب الثورة الصناعية وتحديداً في القرن الثامن عشر تطور علم التشريح على يد جيوفاني مورغاني، الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي.

الهدف من تشريح جسم الإنسان

  • هناك أغراض كثيرة لتشريح الجثامين، فهناك الأغراض التعليمية، وهناك الأغراض البحثية في القطاع الطبي، غير أن أبرز أهم أهداف تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي هو الهدف الجنائي، للوقوف على تحديد عوامل الوفاة.
  • حيث يقوم الطبيب الشرعي بعملية تشريح الرفاة التي تتم بمعونة فاحص في الباثولوجيا أو علم الأمراض، حيث يتكشف بعدها ما إذا كانت الوضع الصحي للمتوفى مستقرة قبل الوفاة، أم لا، ومدى ملائمة الوضع الصحي والعلاجي والدوائي قبل الموت من عدمها.
  • ومن المواقف التي يتم فيها اللجوء إلى التشريح الوفاة المفاجئة، بحيث يفتقد الطبيب إلى اليقين والجزم، وينتابه الشك في أن الوفاة تمت بصورة طبيعية، عندئذً تأخذ الحالة بعداً طبياً قانونياً، حيث يشرع المشرح المختص تحت إشراف الطب الشرعي ومن دون أخذ إذن مسبق من أهلية المتوفى في عملية التشريح.
  • أيضاً يتم اللجوء إلى تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي عند التأكد من جنائية الوفاة، غير أن الأمر يلزمه تحديد شكل وقوع الجريمة أو جمع الأدلة، فيقوم الفاحص الطبي الشرعي بعملية التشريح.

أقراء أيضا اكبر حيوان على الارض وما هو تشريح الحيتان

تقسيم عملية التشريح

تشريح جسم الانسان الطب الشرعي

تتبلور عملية تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي في ثلاثة أقسام:

1-تشريح جسم الإنسان تحت مسئولية الطب الشرعي

تتلخص مهام الطبيب الشرعي عند تصديه لإجراء عملية التشريح في:

  • الوقوف على أسباب وملابسات الجريمة.
  • الطريقة أو الألية التي تمت بها الجريمة.
  • الأدوات أو الآلات التي استخدمت في الجريمة.
  • تحديد هوية صاحب الرفاة، فيما إذا كان غريقاً أو محروقاً، أو مر زمن على وفاته.

2-التشريح السريري

هذا النوع يتم اللجوء إليه عادة لأهداف بحثية تتعلق بالطب، للوقوف على تحديد أو تشخيص مرض بعينه يؤدي إلى الموت مازال غامضاً وغير معروف، فتتم عملية التشريح للتأكد منه وتحديد هويته وكيفية التعامل معه مستقبلاً.

3-التشريح التعليمي أو الأكاديمي

هو الذي يتم فيه تشريح رفاة بغرض التدريب والتعليم لطلاب كليات الطب أثناء فترة دراستهم الجامعية، أو أثناء الدراسات العليا.

أقراء أيضا علامات الموت الطبية ال 9 وما يحدث قبل الوفاة

مواصفات الطبيب الشرعي

الطبيب العامل في مجال تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي الذي تقوم على أكتافه مهمة كشف الحقيقة وتحديد هوية المتوفين، وتحديد أسباب الوفاة والتي على أساسها تتحقق لعدالة وتنجلي الحقائق، هذا الشخص لابد وأن يتمتع بصفات خاصة، من أبرزها:

  • التحلي بالجسارة والشجاعة والجرأة والبسالة
  • الثبات الانفعالي والسيطرة على عواطفه ومشاعره، وعدم التأثر والانفعال بشدة.
  • الكف عن الغثيان والقرف والانقباض والتقزز.
  • حدة البصر، وقوة الملاحظة، وأن يكون لماحاً، لأنه سوف يحتاج إليها في التشريح العياني.
  • القدرة على التحليل والربط بين المشاهدات والمعاينات والأدلة.
  • أن يمتلك الذكاء الحاد والقدرات العقلية المناسبة لطبيعة المهنة.
  • الوعي الشخصي والإدراك الفريد للحيثيات والأفكار المتعلقة بشخصه أو بالآخرين.
  • القدرة على مواجهة العقبات والصدمات والاحتمالات المفاجئة.
  • التحلي بالشرف والنزاهة والأمانة.
  • العمل بموضوعية وتجرد بعيداً عن أية مصالح شخصية أو مجاملات.
  • الاستخدام الجيد لترتيب البيانات والمعلومات والبناء عليها.
  • القدرة اللغوية على الصياغة الجيدة للقرارات الصادرة والتي تحتاج إلى دقة وتوصيف لا يحتمل التأويل.
  • الإجادة للغات الأجنبية (الإنجليزية والفرنسية) على الأقل لأنه قد يحتاجهما أثناء جمع الأدلة أثناء التشريح.
  • أن يمتلك مهارة التقييم المحكم التي تتيح له تقييم الحالة بشكل واضح بعيداً عن التكهنات.
  • أن تكون ملكة الاستظهار والحفظ متوفرة لديه لأنه قد يحتاج لحفظ بيانات كثيرة قبل أن يدونها.
  • أن يمتلك مهارة التحليل والفحص الفريد واللذان تحتاجهم تلك المهنة المعتمدة على فحص الأنسجة والخلايا داخل الجسم.

أنواع تشريح جسم الإنسان باعتبار طبيعته

تتنوع طبيعة تشريح جسم الإنسان بحسب الممارسة الفعلية إلى نوعين رئيسيين هما:

  •  التشريح الذي يعتمد على الملاحظة: والذي يعتمد فيه الطب الشرعي على المعاينة والمشاهدة الظاهرية للرفاة، وجمع البيانات والمعلومات المكونات والعناصر والأعضاء المكونة للجسم، وفحص التركيبات الظاهرية التي تشاهد لمجرد المعاينة المبدئية.
  • التشريح الذي يحتاج إلى تليسكوب: وهو الذي يقوم الطب الشرعي فيه بدراسة الأنسجة والأعضاء الداخلية والخلايا الحية التي تحتاج إلى أجهزة مجهرية ولا تبدو للمعاينة العادية.

منهجية الطب الشرعي في تشريح جسم الإنسان

تعتمد المنهجية التي تحكم عملية التشريح الجنائي عند تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي على الوقوف على عدة أمور:

  • أسباب الوفاة حيث يحتوي علم الطب الشرعي على وسائل وطرق منهجية ذات طبيعة علمية للرد على الاستفسارات المثارة حول الجريمة التي يبحث عنها المقنن، وهي عادة عن أسباب الوفاة، والتي لا تخرج عن: خمسة أسباب حسب قوانين معظم الدول، الوفاة الطبيعية، أو لحوادث، أو القتل بأي وسيلة، أو الإقدام على التخلص من النفس، أو لأسباب أخرى وتشمل (حالات الغرق، وحالات الحرق، والذين هم في عداد المفقودين وفق حكم محكمة نهائي وبات).
  • تحديد زمن الوفاة، حيث يقوم الفاحص الطبي (الطبيب الشرعي) من خلال معطيات معينة توصل إليها من خلال المعاينة المبدئية أو من خلال الفحص المجهري بتحديد الساعة التي وقعت فيها الوفاة بدقة.
  • ملابسات الوفاة، ونعني بها: الظروف القلية أو البعدية المصاحبة للوفاة، مثل التشاجر، أو الأطعمة التي تناولها، وتحليل عينات حمضية من المعدة، أو أخذ عينات دم أو أنسجة، أو اختبارات سمية أو كيميائية، أو نقل الجثة بعد الوفاة من مسرح الجريمة.
  • معاينة مسرح الجريمة: بكل ما فيه معاينة دقيقة وجمع الأدلة المطلوبة، وكل ما فيه مما يمكن أن يفيد في حل لغز وطلاسم الجريمة، وخاصة إذا كان القاتل مجهول الهوية.

يمكن التعرف على مدة نتيجة فحص الزواج والحكم الشرعي للفحوصات الطبية للزوجين ما قبل الزواج

إجراءات تشريح جسم الإنسان بواسطة الطبيب الشرعي

يمكن إيجاز إجراءات تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي على النحو التالي:

  • تسلم الجثة إلى مكتب الطبيب الشرعي مغلفة بغلاف يسمى شرشف الأدلة، وذلك للحفاظ على كل ماله صلة بالقضية مثل بقايا الشعر على الأظافر أو رواسب البارود وغير ذلك.
  • المعاينة الخارجية، وهي عبارة عن فحص استعراضي ظاهري للجثمان، وتدوين المعلومات المتوافرة.
  • يتم إخلاء الجثة من الغلاف وتنزع عنها الملابس، وتوضع على البنش، حيث يتم تصويرها، ثم يقوم الدنيلر، أو المساعد للطبيب الشرعي والذي يمثله غالباً فاحص علم الأمراض، حيث توزن الجثة وتقاس وتدون البيانات بدقة، وتستعمل الأشعة فوق البنفسجية لكشف كافة الأعضاء وتحديد مكان الفتح.
  • تنقل الجثة إلى غرفة محكمة الغلق وتتمدد على بنش مستلقاه على الظهر، وتوضع تحت الخلفية مكون بلاستيكي يطلق عليه طوبة الجسد، ثم يستعمل الطبيب الشرعي المشرط لقطع البطن على هيئة حرف Y، من جهة الكتفين نزولا إلى منطقة الصدر والبطن وحتى عظم الحوض، وينعدم نزف الدم لانعدام الضغط، ويمكن استخدام منشار لنشر الضلوع عند الحاجة.
  • يتم إخلاء الجسد من الأجهزة الداخلية بطريقة منتظمة، حيث تتم عملية الكشف عن أنسجتها وحجم التهتك إن وجد بأحدها.
  • ثم يشرح الدماغ عن طريق رفعة بالمخدة البلاستيكية، وقطعة من خلف الآذن، بالاتجاه تصاعدياً نحو الرأس، وصولاً للأذن الثانية، ويتم فحصه مكانه، وينزع إذا لزم الأمر ويفحص ملتقى المخ مع النخاع الشوكي، والمحافظة على أنسجته عن طريق وضعه في محلول الفورمالين.
  • وبعد الانتهاء من عملية التشريح يقوم الطبيب الشرعي بإعادة تخييط الجثة بعد ملئها بالقطن وإعادة الأجهزة والأعضاء حرصاً على عدم انتهاكها، حسب القوانين والشرائع وعد أخذ شيء منها إلى وفق أطر قانونية وشرعية، ثم تجهز الجثة حسب معتقد صاحبها وتهيئ للدفن.

هكذا استعرضنا خلال هذا المقال عملية تشريح جسم الإنسان الطب الشرعي  بطريقة متسلسلة وحاولنا أن نلقي الضوء على طبيعة عمل الطب الشرعي وأهم مواصفاته، ولعلنا قد وفقنا لإبراز الدور الذي لعبه الفاحص الطبي أو الطبيب الشرعي في عملية كشف الأدلة وتحديد مسارات الجريمة، وصولاً إلى إحقاق الحق.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.