أنواع الحوار من حيث الشكل والطابع
أنواع الحوار كثيرة ومتشعبة حسب منظور الشخص والخلفية الثقافية التي ينظر من خلالها.
ذلك الأسلوب الحضاري الذي يرى البعض أنه نقل البشرية من الحياة البدائية الموحشة إلى الحضارة وتقريب المسافات وتكوين المجتمعات، يرى آخرون أن ما فعله سيدنا آدم عليه السلام في الجنة هو الحوار حين تعلم الأسماء كلها وأنبأ الملائكة بالأسماء، وفي الأرض كان وسيلة التعارف؛ قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات 13).
كلا الفريقين لا ينكرون أهمية الحوار، فبدونه ما أصبحنا نحن البشر ما نحن عليه.
اقرأ أيضًا: أنواع النصوص في اللغة العربية “سبعة أنواع” وما هو تعريف النص؟
أنواع الحوار
تتعدد أنواع الحوار من حيث الزوايا التي يدرس منها الإنسان، ومن حيث الدوائر، ومن حيث المجال هل هو حوار حقيقي بين أشخاص أم حوار أدبي أو بلاغي… ومن حيث المنظور أيضًا، فلا يمكننا تعميم نوعين أو ثلاثة من أنواع الحوار وننتهي، لكن الأمر فيه تفصيل على النحو التالي:
أنواع الحوار من حيث الدائرة التي يقع فيها
حوار مع الذات
هو أول دائرة حوارية يجد الإنسان نفسه فيها دون أدنى تحكم منه فيه، هو مثل التفكير لكنه ينتقل إلى اللسان، في بعض الأحيان يمثل صوت الحق والضمير وفي بعض الأحيان يمثل صوت أحدى الذنوب الكاردينالية.
يُعَد الحوار مع الذات عاملًا هامًا في مستوى ذكاء الفرد وتقبله لذاته والوعي بمجريات الأحداث حوله، إلا أنه قد ينقلب السحر على الساحر وينقلب إلى استغراق تام في أحلام اليقظة، وقد ينقلب إلى هلوسة وما إلى ذلك.
فالحوار مع الذات مطلوب بجرعات محددة فما بين العقل والجون هي شعرة الحقيقة.
حوار مع المقربون
هو أول ما يتعلم الطفل الكلام يمارسه بكل سلاسة دون قواعد حوارية كثيرة يكون بين الإنسان وأسرته أو أصدقائه المقربون.
يتحدث فيه الإنسان دون حرج عن أي شيء يشغل باله باللهجة والألفاظ المناسبة لبيئته، عن مواضيع قد يجد حرج في فتحها في الدائرة الثالثة.
الحوار الرسمي مع زملاء العمل
يكون الإنسان قد وصل من النضج ما يؤهله لفهم الألفاظ جيدًا معالجة كل المواضيع في عقله قبل النطق بها، فهذا النوع من الحوارات ينحصر فيه الموضوع المحدد الذي اجتمعت من أجله الجماعة.
ملحوظة: قد تتداخل الدائرتان الأخيرتان، من هنا يحدث الصراع وسوء الفهم وتضارب الصالح، وسرعان ما تدب المشاكل بين البشر بسبب عدم تحديد العلاقة بينهم بصورة واضحة.
الحوار المجتمعي
سواءً كان رسمي كتمثيل الشعب في أي محفل، أو هيئة، أو حتى غير رسمي كحوار الإنسان مع جيرانه والأشخاص الغير مُعَرفين له، يجب أن يتبع فيه الإنسان الأسلوب المناسب والتقاليد المتبعة في ثقافته، أو التقاليد التي تفرضه عليه السياسة العامة للهيئة التي يمثلها، كالتقاليد الدبلوماسية مثلًا.
أنواع الحوار من حيث الشكل
هناك أساسيان نوعان من أشكال الحوار، وهم:
الحوار الشفهي
هو الحوار المستخدم في كافة المصالح في الحياة اليومية، ويمثل السرعة والسلاسة والتحرر من القواعد الإملائية، غرضه توصيل المعلومة فقط.
الحوار المكتوب
هو حوار العقول لا الألسنة، غرضه توصيل المعلومة وبقائها لفترة طويل أو توثيقها، وفي بعض الأحيان يكون فقط لعدم استطاعة تنفيذ النوع الأول بسبب العوائق المادية أو المعنوية.
الحوار البلاغي
هو لا يعتبر نوع حوار بشكل أساسي لكنه الحوار موجه للناس مكتوب أو شفهي، لكن المتحدث لا ينتظر رد على ما يلقيه من أقوال، مثل الأسالة التقريرية.
أنواع الحوار من حيث طابعه
طابع النفسي بين أطراف الحوار ينعكس بالتبعية على ذات الحوار بينهم وفي طابع الحوار نجد ثلاث أنواع هم:
الحوار الهادئ
ذلك الحوار الحميمي يكون بين أطراف ينتمون إلى نفس التوجه الفكري واحد، أو أنهم متفقين على قواعد ثابتة ولهم مسرح حواري يرجعون إليه، وبعد المداومة عليه لفترة طويلة يتحول إلى النوع الأول في التصنيف السابق (دائرة الحوار مع النفس)، فهو قول واحد ولا يقابله الرأي الآخر أبدًا، يتسم بالهدوء والصورة الجميلة، لكن في بعض الأحيان ينهار بسبب الملل.
الحوار الراقي فكريًا
هو الحوار الموضوعي ذو الأرض الثابتة التي يجتمع عليها طرفان أو أكثر مختلفي الأفكار والمعتقدات والتوجهات، لكنهم عندهم مقدرة عليا من الرقي والفكر على سماع بعضهم والوصول إلى رأي يرضي جميع الأفراد وتقبل وجها النظر.
لكن هذا النوع من الحوار صعب جدًا أن تجده.
الحوار الغوغائي
أو كما يسمونه ذوي ربطات العنق “الحوار المتشنج”، فيه تجد طرفي الحور مختلفين من قبل أن يبدأ الحوار ولديهم تصميم رأي على عدم تغيير أفكارهم، شخصان عندهم جمود فكري وتعصب.
من السهل جدًا ملاحظة صورته فستسمع أصوات عالية، حركات الأيدي الكثيرة بصورة فذة، التراشق بالاتهامات المعدة سابقًا وفي بعض الأحيان تجدهم يراشقون بالألفاظ النابية والدخول في الحياة الشخصية بعيدًا عن هدف الحوار، أو التعارك بالأيدي.
غالبًا ما ستجد أحدهم يحاول السيطرة على الحوار ومنع الطرف الآخر من الكلام أصلًا، وإن لم تنتهي المناقشة بسوء ستجد أن أحدهما انسحب غاضبًا.
أنواع الحوار من حيث النتائج
إنما وجِد الحوار بين البشر لكي يصلوا إلى نتائج أو أرض محايدة تجمعهم، ومن تلك الزاوية تتباين أنواع الحوار إلى ثلاثة أنواع هي:
الحوار المجدب
هو كالأرض البور أو الأنثى العقمة لن تصل منه إلى نتاج فكري أو عملي، فهو الحوار الذي يدور في فلك مشكلة تافهة أو معضلة ليس لها حل أو أن أحد أطراف الحوار ليس له رأي واضح ويتلاعب كالثعبان بين الألفاظ .
الحوار الخصب المنتج
هو الحوار الذي يجري بين طرفين لديهم الرغبة في الوصول إلى حل ويتبعون اسلوب منطقي لإدارة الحوار وينتهون إلى نتيجة يمكن تجربتها وإذا لم تفلح النتيجة يعيدون الحوار مرة أخرى، وهكذا إلى أن يصلوا إلى نتيجة.
حوار استبياني
هو الحوار الذي دور حول هدف استكشاف مشكلة ما، وغالبًا ما تقوم به هيئات لها القدرة على تنظيم الجماعات ونشر القواعد الحوارية واستخلاص النتائج، ومثل تلك الحوارات تحتاج إلى إعداد مسبق وعمل دؤوب.
أنواع الحوار الديني التعليمي
هو الحوار الموجه من رب العزة إلى عبيده أو من الرسول إلى البشر، وينقسم إلى نوعين:
حوار وحيد الاتجاه
هو الحوار التعليمي من الله للعباد لتعليمهم بالأمور الدينية، وهو في صورة مقالية فقط دون أي حوار بلاغي.
حوار مختلف الاتجاه
هو الحوار القائم على السؤال والمجاوبة، أو السؤال التقريري فيه مطابقة الحال لمقتضي السؤال عند العبد، فسنجد فيه السؤال الحقيقي من العبد الذي يجيب عليه الخالق، والسؤال البلاغي من الخالق نحو السؤال التقريري مثلا، والسؤال الحقيقي من الرسول إلى الناس لجذب انتباههم ويجيب هو على السؤال.
نأخذ الحوار في الدين الإسلامي نموذجا لأنه هو الذي يتوافر فيه كافة الأنواع هذه وتتعدد فيه الأساليب بين الأساليب الإنشائية و الأساليب الخبرية، نحو:
اقرأ أيضًا: انواع الشخصيات في علم النفس وسماتها وتحليل كل شخصية
أنواع الحوار في الإسلام
النوع الأول
موجود في القرآن نحو قوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات 11)
فالأمر بعدم السخرية هنا موجه من الله إلى العباد مباشرًا في اتجاه واحد.
النوع الثاني
نجده في القرآن الكريم بالصورة البلاغية نحو:
“وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (يونس 99).
فسؤال الله تعالى ليس سؤال حقيقي بلاغيًا، بل لتقرير أنه لا يمكن إكراه الناس ليكونوا مؤمنين (الإنكار).
كذلك قوله تعالى:
“أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” (الزمر 36)
أي أن السؤال غرضه التقرير بان الله تعالى كافي كل العباد، واعتراف العباد بربوبية الخالق.
كما أنه في الحديث الشريف، نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم اسلوب الحوار مع الصحابة حتى يجذب انتباههم إلى الموضوع المراد تعليمهم إياه، دراية منه بأهمية هذا الأسلوب في التعليم.. مثل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “أنَّ رجلًا مِن بني فَزارةَ أتَى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: إنَّ امرَأتي ولدت غلامًا أسودَ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: هل لَكَ من إبلٍ؟ قالَ: نعَم ، قالَ: فما ألوانُها؟ قالَ: حُمرٌ، فقالَ: فهل فيها من أورَقَ؟ قالَ: إنَّ فيها لوُرقًا قالَ: فأنَّى ترَى أتَى ذلِكَ؟ قالَ: عَسَى أن يَكونَ نزَعةُ عِرقٍ فقالَ رسولُ اللهِ: وَهذا عسَى أن يَكونَ نزعةُ عِرقٍ” (البخاري 6847).
فنرى في هذا الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم اسلوب الحوار لتعليم الرجل عدم الشك في زوجته، بينما كان من الممكن أن يقول له الإجابة دون كل هذا الحوار، لكنه أراد ذلك لتعليمه.
ونجد أن هذا اللون من الحوار التعليمي منتشر بشدة في الحديث النبوي لما له من أثر بالغ في نفس الناس وعقولهم.
أنواع الحوار من حيث الاتجاه
هذه الزاوية في النظر إلى أنواع الحوار تهتم بها الجوانب الإدارية ودراساتها، وهو ينقسم إلى نوعين:
حوار هابط
من المدير إلى الموظفين، وغرضه تبليغ الأوامر والقرارات.
حوار صاعد
من الموظفين إلى المدير، وغرضه تبليغ التقارير والمستحدثات.
حوار صاعد هابط
الحوار بين المدير العام، ومديري الإدارات في الاجتماعات والنقاشات الجارية بينهم حول مصلحة المنظمة وتحقيق أهدافها.
اقرأ أيضًا: ما هو السرد وما هي نظرية السرد؟.. تعرف على أنواع السرد وفق المدارس الأدبية المختلفة
أنواع الحوار من حيث المستوى
مثل النوع السابق هذه الزاوية يهتم بها علماء الإدارة، وهذا التصنيف لديه فرعين:
مستوى رسمي
بين الموظفين وبعضهم البعض في العلاقات الرسمية (الهيكل الرسمي).
مستوى ودي
بين الموظفين وبعضهم البعض داخل الشركة لكن على النطاق الغير رسمي بينهم في أي شيء غير محدد، وهذا قد ينفع المؤسسة أو يضرها.
بذلك نكون قد استعرضنا أنواع الحوار من عدة زوايا ومن منظور عدة علوم نحو علم النفس الاجتماعي وعلم الإدارة مع التمثيل عليها في علم الفلسفة الإسلامية، نرجو أن نكون قد أفدناكم.