هل يجوز خروج المطلقة في العدة
هل يجوز خروج المطلقة في العدة سواءً أكانت عدتها عدة طلاق أم موت؟
في الحقيقة أن الله -تعالى- قد شرع العدة لغرضٍ معلوم وحكمةٍ لا تخفى عن كثيرين حتى من عوام الناس وبسطائهم، ألا وهي استبراء رحم المرأة من أي حملٍ يمكن أن يكون قد نشأ داخل رحمها من طليقها أو زوجها المتوفي، وليس ذلك إلا الغرض الرئيسي من العدة فحسب، لكنَّ هناك أغراضًا أخرى سنتعرض لها من خلال موضوعنا يوم المقدم لكم ضمن سلسلة مقالاتنا الدينية التي يعرضها لكم موقع زيادة.
هل يجوز خروج المطلقة في العدة
لما شرعت العدة في الإسلام وأنزل الله بها أمره وأوجبها على المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها؛ لم يترك الله -تعالى- هذا الأمر يسري عبثًا حاشاه، فالله -تعالى- لا يأمر بطاعةٍ معينة ولا ينهى عن معصيةٍ معينة إلا بعد أن يدل عباده على كيفية فعل هذه العبادة أو ترك تلك المعصية، والعدة ليست من ذلك ببعيد، فقد شرع الله بعض الضوابط والالتزامات التي يلزم أن تلتزم بها المرأة حتى تنفذ أمر الله -تعالى- وتُنهي عدتها تستبرئ رحمها كما هو الغرض من هذه العبادة.
أما عن التزامات العدة وضوابطها فتختلف حسب حال المرأة، فتختلف ضوابط العدة بالنسبة للمعتدة من طلاق رجعي عن المعتدة من طلاقٍ بائن، وتختلف ضوابط العدة بالنسبة للاثنين اختلافًا جذريًا عن ضوابط عدة المتوفى عنها زوجها، وسنتعرض لضوابط وشروط العدة لكل واحدةٍ منهن بالتفصيل في السطور القادمة من هذا الموضوع.
لكن الشاهد من كل هذا أن أحد الضوابط المشتركة فيما بين التزامات المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة الحامل من طلاقٍ بائنٍ والمعتدة من وفاة زوجها هو أنه يجب عليها لزوم المنزل وعدم مفارقته إلا لضرورةٍ وحاجةٍ عظيمة، وذلك تنفيذًا لأمر الله -تعالى- في أول سورة الطلاق بأن قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا)، فالنهي هنا صريحٌ بعدم خروج المطلقة من منزل طليقها ما دامت في العدة، والنهي قوله: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ).
لكن الإسلام ليس بدينٍ جائر أو ظالمٍ للمرأة ولا مغتصبًا لحقوقها، فقد أوجب الله -تعالى- بعضًا من الالتزامات على المطلِّق تجاه طليقته في فترة عدتها، وسوف نتعرف معًا على كل التزامٍ من هذه الالتزامات الواجبة على الزوجين في فترة العدة؛ وذلك في العناصر القادمة من هذا الموضوع.
اقرأ أيضًا: عدة المطلقة قبل الدخول وأنواع الطلاق وأحكامه في الإسلام
مدة عدة المعتدة من طلاق رجعي أو بائن
تختلف مدة العدة بالنسبة للمطلقة طلاقًا رجعيًا أو بائنًا باختلاف حالها، ولا يخلو حالها ذاك عن إحدى حالتين:
- أولها: أن تكون حاملًا، وبذلك يكون انقضاء عدتها بوضع حملها، وذلك وفقًا لقول الله -تعالى-: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ)، فالآية هنا تدل دلالة صريحةً على مدة عدة الحامل، وهي عامةٌ كذلك فلا تفرق بين المطلقة الرجعية والبائن أو حتي المتوفى عنها زوجها، فعدتهن كلهن واحدةٌ إذا كن من أولات الأحمال.
- ثانيها: ألا تكون من أولات الأحمال، وفي ذلك تفصيلٌ كذلك، فإن كانت من ذوات الحيض، بمعنى أنها لم تيأس بعد، فعدتها بمرور ثلاثة أطهار تحتسب من وقت وقوع الطلاق، وذلك وفقًا لقوله -تعالى-: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ)، فالقِرْءُ هنا معناه الطهر، وهناك أيضًا من فسره بالحيض، فقال أن عدة المرأة على حسب هذا التفسير تنقضي بمرور ثلاث حيضاتٍ من وقت وقوع الطلاق، وهو قول الإمام أبي حنيفة النعمان -رضي الله عنه-.
- أما إن لم تكن المطلقة من ذوات الحيض بأن كانت لا ترى الدم وهي في سنٍ صغيرة، أو كانت آيسةً لكبر سنها وبلوغها من العمر أرذله، فتنقضي عدتها بانقضاء ثلاثة أشهر من وقت وقوع الطلاق، تنفيذًا لقوله -تعالى-: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ).
مدة عدة المتوفى عنها زوجها
عدة المتوفى عنها زوجها لا تختلف كثيرًا عن عدة المطلقة طلاقًا رجعيًا أو بائنًا إلا في اختلافٍ يسير، وهو أنه إن كانت المتوفى عنها زوجها غير حاملٍ فتجب عليها العدة أربعة أشهرٍ وعشرةُ أيامٍ بتمامها وكمالها، وذلك لقوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
أما إذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملًا فعدتها تنقضي بوضع حملها ولو بعد دفن زوجها بقليل، وذلك لأن قوله -تعالى-: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) عامٌ لم يفرق.
اقرأ أيضًا: عدة المطلقة طلقة واحدة في الشريعة الإسلامية
ضوابط عدة المعتدة من طلاق رجعي
ذكرنا سلفًا أن لكل نوعٍ من أنواع العدة بعضًا من الضوابط والشروط والأوامر والنواهي التي حددها الشارع حتى تكون العدة صحيحة لا خطأ فيها ولا زلل.
وسنبدأ أولًا بذكر ضوابط العدة للمطلقة طلاقًا رجعيًا، وهي كالآتي:
- يجب على الزوج أن ينفق على زوجته ما دامت في فترة عدتها، ويوفر لها احتياجاتها من كسوةٍ ومأكلٍ ومشربٍ وخلافه، المطلقة رجعيًا كالزوجة تمامًا في حكمها بخلاف أنه لا يحل له لمسها أو مضاجعتها ومعاشرتها معاشرة الأزواج، فإن فعل اعتُبِرت رُجعة، وهذا غرض آخر من أغراض العدة، وهو إتاحة الفرصة للزوج مراجعة نفسه قبل أن تنتهي الحياة بينه وبين زوجته للأبد.
- يجب على المعتدة من طلاقٍ رجعي البقاء في منزل زوجها حتى انقضاء العدة، وذلك للآية السابق ذكرها في بداية موضوعنا هذا، وهي قول الله -تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ).
- يحرم عليها التعرض لخطبة الرجال ما دامت في فترة العدة، فقد ذكرنا أن المعتدة من طلاقٍ رجعي إنما هي في حكم الزوجة ما لم يراجعها زوجها أو تنقضي عدتها، وذلك لقوله -تعالى-: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ)، فسماه هنا بعلًا، والبعل هو الزوج عند العرب، فلم يسمه مُطَلِّقًا على سبيل المثال، وذلك يدل على أنها في حكم زوجته ما دامت في فترة عدتها إلا في بعض الأمور كما ذكرنا في النقطة ما قبل السابقة.
ضوابط عدة المعتدة من طلاق بائن
هناك بعض الضوابط والالتزامات التي تحكم المعتدة من طلاقٍ بائنٍ في فترة عدتها، وهذه الضوابط تختلف باختلاف حالها على حالين:
الأول: أن تكون حاملًا، وفي هذه الحالة تكون ضوابط عدتها كضوابط عدة المطلقة رجعيًا في الآتي:
- النفقة: فيجب على الزوج الإنفاق عليها حتى تضع ما في أحشائها بسلامٍ وأمان، وذلك لقوله -تعالى-: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ).
- التزام منزل زوجها حتى تضع حملها: وذلك للآية الكريمة التي ذكرناها سابقًا، فلا تخرج إلا لحاجة أو ضرورة قصوى، فعن جَابِرَ بنَ عبدِ اللهِ -رضي الله عنه- قال: “طُلِّقَتْ خَالَتِي، فأرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ”، فأتَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: “بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ، فإنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا”.
أما الحال الثاني: أن تكون غير حامل، فيلزمها ما يلزم الحامل المطلقة طلاقًا بائنًا، غير أنه لا تجب لها النفقة، وذلك لما روي أن فاطمة بنت قيس طُلقت طلاقًا بائنًا فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله عن حكم نفقتها فترة العدة، فقال لها النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: “لا نفَقةَ لَكِ إلَّا أن تَكوني حامِلًا”.
ضوابط عدة المتوفى عنها زوجها
يلزم المعتدة من وفاة زوجها ما يلي:
- المكوث في منزل زوجها الذي توفي فيه وعدم الذهاب إلى غيره إلا لعذر، كأن تخاف انهدام البيت أو انتهاء مدة إيجاره إن كان مؤجرًا أو أن تُخرج منه قصرًا.
- يجوز لها الخروج من منزلها إذا لم يكن هناك من يعولها، فتخرج لقضاء حوائجها ومزاولة عملها ونشاطها في النهار، وترجع لتبيت في منزل زوجها بالليل.
- يلزمها الإحداد على زوجها فترة العدة، والإحداد هو ترك الزينة والعطر حتى انقضاء عدتها.
- لا تجب لها النفقة، لأن علاقتها بزوجها انتهت بمجرد انقضاء أجل الزوج، فإن كان هناك إرثٌ لها من زوجها أخذت نصيبها وأنفقت منه وإلا فلا.
اقرأ أيضًا: حقوق المرأة بعد الطلاق وكيف تتغير حقوق المرأة في حالة وجود أطفال؟
حكم المطلقة قبل الدخول بها
لا عدة لمن طلقها زوجها قبل الدخول بها، وذلك لعدم حدوث جماعٍ بينهما من الأساس حتى يحصل الحمل، والغرض من العدة استبراء الرحم من أي حمل قد يتواجد داخل الرحم، فإذا انتفى الغرض الذي قد يؤدي إلى الحمل انتفت العدة، ودل على ذلك قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا).
هذا وقد بدأنا في موضوعنا هذا بالرد على سؤال هل يجوز خروج المطلقة في العدة ثم تعرضنا بعد ذلك لكثيرٍ من الأمور المتعلقة بالعدة وضوابطها على حسب حالة كل امرأة.
ولمن أراد الاستزادة من هذا الباب فعليه بقراءة كتاب “الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة”، والذي أعده مجموعةٌ من علماء البلد الحرام، سائلين المولى عز وجل أن تكونوا قد استفدتم من مقالتنا هذه وأن نكون قد نجحنا في الرد على تساؤلاتكم حول هذا الموضوع.