احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك من أجمل وصايا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، التي ذُكرت في حديث شريف يتضمن العديد من الوصايا الجوهرية التي إن امتثل بها الإنسان.

يمكنه أن يسير بقلبٍ مطمئن في الدنيا؛ فالتدبر في معاني الأحاديث النبوية بمثابة النور لطريق الحياة، لذا سنعرض شرح حديث احفظ الله يحفظك من خلال موقع زيادة.

احفظ الله يحفظك

قد علّمنا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ العديد من النصائح التي تعين على الحياة، وتساهم في تعزيز قدرة الإنسان على مواجهتها، ومن أهم وأشهر تلك النصائح التي نقلها عبد الله بن عباس عن نبينا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ: “احفظِ اللهَ يَحفظْك، احفظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِنْ باللهِ [صحيح فتاوي ابن باز]

يعد هذا الحديث عظيم الوقع، وقد تحدث عنه كبار الفقهاء في الدين والدارسين لسنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكتاب الله تعالى، ومن ضمن أقاويلهم عن هذا الحديث ما يلي:

  • قال ابن رجب رحمه الله أن هذا الحديث به وصايا عظيمة، وأهم قواعد في الدنيا والدنيا.
  • ابن الجوزي عن هذا الحديث أنه أدهشه عندما تدبره، وأنه كان جاهلًا وطائشًا قبل التدبر فيه ومعرفة معناه.
  • قال ابن الحجر الهيتمي عن هذا الحديث أنه يعتبر عظيم الموقع، وهو أصل كبير في رعاية العبد حقوق الله ـ عز وجل ـ وبه معنى التوكل عليه.
  • الإمام النووي ـ رحمه الله ـ قد قال إن حديث احفظ الله يحفظك عظيم الموقع.

اقرأ أيضًا: شرح حديث احفظ الله يحفظكوا والمعنى العام له

مفردات حديث احفظ الله يحفظك

قبل التطرق إلى توضيح وشرح معنى حديث احفظ الله يحفظك، يجب توضيح بعض المفردات الغريبة فيه، وهي:

  • خلف النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: معناها راكبًا خلفه على الدابة.
  • احفظ الله: اعرف حدود الله تعالى وامتثل لها، وقم بوضع حد لنفسك حينها.
  • غلام: لفظ يقال على الصبي منذ الفطام وحتى عمر تسع سنين.
  • يحفظك: أي يرعاك ويصونك.
  • تجاهك: بمعنى أمامك.
  • سألت: أردت أن تطلب أي شيء.
  • استعنت: طلبت يد العون.

شرح حديث احفظ الله يحفظك

التدبر في كتاب الله ـ عز وجل ـ والتعلم من سنة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الأمور التي تساهم في زيادة إيمان العبد بربه، وتقيه من ارتكاب العديد من المعاصي، فهو يتعلم حقوق الله وواجباته نحوه، مما يعصمه من الخطأ، ويساعده في تعلم التحكم في النفس.

فمثلًا حديث احفظ الله به العديد من الوصايا الجميلة التي تساعد الإنسان في السير بتلك الدنيا على خُطى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي لا ينطق عن الهوى، فهو يعلم كل ما يمكن أن تقع فيه النفس البشرية من أخطاء، وتلك الوصايا قد أعطاها لعبد الله بن عباس.

أي أن بداية الحديث فيه توضيح لاهتمام دين الإسلام بالتنشئة السليمة للأجيال الصغيرة، وخاصةً الشباب لأنهم اللبنة الأولى القوية التي تساهم في نشر الدين وتعزيزه، وقد جاء في الحديث عدة وصايا سنوضح شرح كلٍ منها بالتفصيل في الفقرات التالية:

1ـ احفظ الله يحفظك

من أولى وصايا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ هي أن يحفظ أوامر الله تعالى ويتعلمها، حتى يوقف نفسه عن ارتكاب المحرمات، فالحرص على الامتثال لحدود الله تعالى وتعلمها، يكون نتيجته أن الله تعالى يحفظ الإنسان عن ارتكاب المحرمات والوقوع في شرور الدنيا والناس.

ذلك ما قد أوضحه الله تعالى في كتابه الكريم في قوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [سورة النحل الآية: 97]، والحفظ الذي تم وعد المؤمن الماثل لحدود الله يتمثل في نوعين، الأول فيهما هو حفظ العبد في الدنيا، والثاني حفظه في دينه.

حيث إن العبد الحافظ لحدود الله ويوقف نفسه عندها يكون جزاؤه هو حفظ أهله وماله وبدنه، وهي من أمور الدنيا التي يسعى إليها كل إنسان، ويشقى من أجل الحصول عليها، فيوكّل الله تعالى الملائكة لتحمي العبد وترعاه هو وأحبائه، وهو الحفظ الذي أنقذ إبراهيم عليه السلام من النار، وحمى سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ من الغرق وهو لا يزال رضيعًا.

الحفظ الثاني الذي وعد الله تعالى به المؤمن الحافظ لحدود الله هو حفظ الدين، وحماية العبد من الوقوع في الفتن، والانجراف خلف الشهوات واللذات، فيجعل في قلبه لذة التقرب من الله ـ عز وجل ـ فقط، وهو ما يمكن أن نعتبر سيدنا يوسف ـ عليه السلام ـ مثالًا قويًا عليه.

حينما حماه الله تعالى من الوقوع في الفتنة العظيمة التي كادت أن تتملك منه من جميع النواحي، فقال الله تعالى عنها: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) [سورة يوسف الآية: 24].

2ـ احفظ الله تجده تجاهك

كرر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على عبد الله النصيحة مرة أخرى، لزيادة التأكيد على ضرورة معرفة شرع وحدود الله تعالى حتى يتم تجنبها، وأوضح أن الجزاء من جنس العمل، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [سورة الشورى الآية: 30].

في تلك الوصية توضيح أن الله ـ عز وجل ـ يأخذ بيد العبد إلى الطريق الصحيح، مادام قلبه ونيته هي التقرب لله تعالى والبعد عن الأمور التي نهاه عنها، فهو سبحانه من ستجده أمامك في وقت الشدة، وهو ما لا يمكن الفوز به إلا بالإقبال الصادق على تعلم الدين.

فالاجتهاد إلى التقرب من الله تعالى هو الحل، ومداومة القيام بالعبادات والصدقات في الخلوات، فهو وحده القادر على أن ينجيك من الشدة، وهو ما ظهر في قصة لبعض الصالحين مشهورة في حديث الصحيحين، والتي توضح أن الله تعالى يقف لجانب العبد التقيّ، الحافظ لحدوده.

فهناك ثلاثة أشخاص قد هطلت الأمطار عليهم، فأووا إلى غار لكي يحتموا من الماء، إلا أن هناك صخرة كبيرة انحدرت وأغلقت الغار عليهم، فقال أحدهم اذكروا ما فعلتم من أعمال صالحة خالصةً لوجه الكريم، واسألوا الله ـ عز وجل ـ أن ينجيكم بها، وبالفعل ذكر كل فرد منهم عمله الصالح، وسابقة له مع ربه، حتى أن انفرجت الصخرة وخرجوا من الغار بسلام!

اقرأ أيضًا:  حكم الإيمان بالغيب وتعريفه

3ـ إذا سألت فاسأل الله

انتقل النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعد ذلك إلى جوانب العقيدة، وأن منها هو الطلب والتذلل لله تعالى فقط وليس للعباد، فإن من تمام العبادة هي ترك سؤال الناس فالحاجة لغير الله عز وجل مذلة، وهو وحده مسبب الأسباب، ومدبر الأمور، والحديث يوضح أن الأمر كله بيد الله تعالى.

فهم مجرد وسيلة يحركها الله ـ عز وجل ـ إليك بعد طلبك، وهو وحده القادر على إتمام طلبك والعطاء أو المنع، أما الناس فإن سُئلوا فهناك عدة احتمالات إما أن يُعطوا، أو يهينوا إن منعوا، وإن أعطوا يمنّوا، مما يهين نفس المؤمن، ويؤذيه.

لذلك قد بايع الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ من يدخل الإسلام ألا يقوم بطلب شيء من الناس، ويطلب من الله تعالى، وقد قام بذلك مع بعض الصحابة منهم أبي بكر الصديق، وثوبان، وعوف بن مالك، وأبو ذر ـ رضي الله عنهم جميعًا ـ.

الجدير بالذكر أنهم قد امتثلوا لأوامر ووصايا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في جميع أمور حياتهم، من أصغرها لأكبرها، حتى أن أحدهم إن سقط منه لجامًا أو حتى السوط، لم يطلب من أي شخص أن يأتيه به!

كما أن الله تعالى يحب العبد العفيف النفس، والذي يحفظ نفسه من الإهانة ولا يفتقر إلا له سبحانه، فأثنى عليهم في آياته الكريمة فقال تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) [سورة البقرة الآية: 273].

4ـ وإذا استعنت فاستعن بالله

في تلك الوصية تأكيد على أن العبد لابد من ألا يطلب العون سوى من الله تعالى، فهو وحده من سيعينه على قضاء حوائجه في الدنيا والآخرة، ولا يقدر على هذا سوى مالك السماوات والأرض وخزائنها، وكانت من دعوات النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: “اللهم أعني ولا تعن علي“.

التوكل على الله ـ عز وجل ـ معنى يجده كل مؤمن في حياته، فإن العبد الذي يحسن الظن بربه لا يخذله سبحانه أبدًا، ولا يبالي لأي مكائد يختلقها له أعدائه، ومن ضمن الوصايا التي علمها نبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ أن يدعوا بالدعاء التالي: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك [صحيح النسائي].

رُفعت الأقلام وجفت الصحف

عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال:“واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ” [صحيح الترمذي]

استرسالًا في عرض شرح حديث وصية حفظ حدود الله تعالى، نكمل بقية الوصايا العظيمة المتواجدة في ذلك الحديث، التي تبُث الراحة في نفس المؤمن الذي يعرف ربه حق المعرفة، ويتمعن في أحاديث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

فهناك بعض النصائح الأخرى الجوهرية التي وُردت في هذا الحديث، والتي تطمئن الإنسان، وتوضح له أنه في أمان من شرور الدنيا والناس، وتتمثل تلك النصائح في أن يعلم الإنسان أن كل شيء يسير في حياته قد كُتب عند الله تعالى.

فيقول لعبد الله بن عباس أن الناس مهما اجتمعوا على أن يضروه بأي شيء، أو يدبروا له المكائد فلن يقدروا على أن يضروه بأي شيء لم يكتبه الله تعالى له، وحتى لو حاول كل الناس في الأرض أن ينفعوا العبد بشيء، لن ينفعوه سوى بما كتبه الله عز وجل له.

فقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم في قوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) [سورة يونس الآية: 107]، فقد أكد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ على أن كل الصحف الخاصة بالعباد، التي تحمل أقدار كلٍ منهم، مكتوبة لدى الله تعالى.

ذلك ما ساعد أصحاب الهمم والسلف الصالح، وعظماء الفقهاء في السعي وقوة العزيمة على الاستمرار في نشر تعاليم الدين، وعدم المبالاة بالصعوبات والآلام التي تواجههم، وذلك امتثالًا بوصايا ووعد الرسول عليه الصلاة والسلام.

بأن الله تعالى خير معين، ويساند العبد المؤمن، في الشدائد، فلا يكون بعد الشدة سوى الفرج، ولا بعد العسر سوى اليسر، وأن الصبر على الأذى والتيقن بأن الله وحده هو القادر على إنقاذ العبد من المحن والضيق إلى السعادة.

اقرأ أيضًا: الرد على تقبل الله طاعتكم

فوائد حديث احفظ الله يحفظك

التدبر في حديث وصايا حفظ حدود الله تعالى، يساعد في تقوية إيمان العبد بربه، والشعور بالأمان والسكينة أثناء مواجهة صعوبات الدنيا والعقبات الموجودة دائمًا في أثناء السير بالحياة، ومن فوائد الحديث الأخرى ما يلي:

  • من الأمور التي نستخلصها من الحديث أن الدابة جائز الركوب عليها في الإسلام، طالما كانت قادرة على حمل الإنسان.
  • أن من يحفظ أوامر الله تعالى ويحبه؛ يحفظه الله تعالى في دينه ودنياه.
  • أتى في الحديث طريقة النصح، والتي تكون في رفق وبساطة، وشد انتباه، وذلك ما يظهر في قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: يا غلام، إني أعلمك كلمات.
  • أن كل ضائقة يمر بها الإنسان سوف يعقبها يسر.
  • السؤال والافتقار لا يكون سوى لله ـ عز وجل ـ، وأن المسلم صاحب كرامة وعفة.
  • أن الأعمال الصالحة تساهم في رد أذى الناس، ورفع البلاء.
  • يجب أن يرضى الإنسان بأقداره، فجميعها من الله تعالى، ولا يمكن أن يضر أو ينفع سواه.

نستخلص من حديث احفظ الله يحفظك أن تلك الوصايا عظيمة، ومن عمل بها قد كُتب له النجاة في الدنيا، فلم ينطق ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن الهوى، وكلمته بمثابة النور الذي يضيء للمسلم طريقه.

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.