شعر عن النذالة وقلة الأصل
من الموضوعات التي تتناولها كثيرًا الأشعار العربية هي الموضوعات التي تتعلق بالنذالة وقلة الأصل، حيث تعتبر النذالة في اللغة هي الخسة والحقارة، فيما ترمز قلة الأصل إلى انقطاع الشخص عن معرفة الأصول أو عن أي أصل كريم، وهذا ما نتعرض له بالإيضاح في موقع زيادة.
شعر عن النذالة وقلة الأصل في الشعر العربي
1- أبيات الشافعي عن الصداقة
يقول الإمام الشافعي رحمه الله في كلامه عن الصداقة:
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً،
فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا.
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ،
وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا.
تفيد الأبيات بأن ترك شخص الذي لا يكترث لك واجب، والتردد عن ذلك مذلة، فالناس فيهم من بدائل عن ذاك الشخص ما يمكننا الاستعاضة به عنه، وهذا لا يغير من واقع حبنا لذلك الشخص ولكن الإعراض عنه يجب أن يحصل رغمًا عن مشاعرنا.
2- قصيدة واحر قلباه للمتنبي
يُحكى أن أبو الطيب المتنبي كان في البلاط الملكي لسيف الدولة الحمداني، وكان قد كثر الذي ضموه من حساده، فرأى المتنبي أن سيف الدولة قد بخس حقه فترك البلاط وهاجر إلى مصر ترفعًا، لكنه أنشد هذه الأبيات أولًا:
وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ
إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا
بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ
أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي
وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ
أنامُ مِلْءَ جُفُوني عن شوارِدِها
ويَسْهَرُ الخلقُ جرَّاها وَيَختَصِمُ
يقصد أن يقول المتنبي إن الإنسان الذي أعطاه الله القدرة على التمييز ثم استمع إلى الحساد والكارهين وغيروا رأيه في صديقه العزيز، هذا الإنسان ليس في الحقيقة منتفعًا بالعطايا التي اختصه بها الله.
في هذه الأبيات إسقاط واضح على سيف الدولة الحاكم العباسي في هذا الوقت حيث ترك عقله لمن لا يريدون به الخير ولا بشاعره المحبوب أبو الطيب، مما تسبب في إشعال الفتنة وقطع علاقتهم الوثيقة.
يتابع المتنبي بأبيات استعراضية يدل فيها على عزة نفسه واستقلاله، فإن ظن سيف الدولة أنه قد كفل المتنبي في قصره فإن أبو الطيب يقول إنه في غنى عنه، وأنه لا يكترث بمن يتناوله بالحديث طوال الليل وهو نائم قرير العين.
اقرأ أيضًا: امثال مصرية عن قلة الأصل والندالة
3- القصيدة الضادية لابن زيدون
يقول ابن زيدون الأندلسي في قصيدته الضادية:
وَأَنذِر خَليلَكَ مِن ماهِرٍ
بِطِبِّ الجُنونِ إِذا ما عَرَض
كَفيلٌ بِبَطِّ خُراجٍ عَسا
جَريءٌ عَلى شَقِّ عِرقٍ نَبَض
يُبادِرُ بِالكَيِّ قَبلَ الضَمادِ
وَيُسعِطُ بِالسَمِّ لا بِالحُضَض
وَأَشعِرُهُ أَنّي اِنتَحَبتُ البَديلَ
وَأُعلِمهُ أَنّي اِستَجَدتُ العِوَض
هذا شكلٌ آخر من الاستعراض بالحديث عن النفس والاستقلالية والاستغناء عن الغير، وهنا يغرر بخصمه “ابن عبدوس” الذي كان ينافسه على الفتاة التي كان يحبها ويحاول التقرب منها.
4- أقوال الشعراء المجهولون في النذالة وقلة الأصل
القصيدة الأولى: ثقْ بالكريمِ إذا تهلَّل بِشْرُه
تزخر الحكمة الشرقية بشكل عام والعربية بصورة خاصة بالكثير من الحكم الوعظية المنسوبة لقائلها من المجهولين التي يتعلم بها المجتمع ثقافته عبر عبارات مقتضبة أو أشعار وأهازيج شكلت محور ثقافة العرب.
ثقْ بالكريمِ إذا تهلَّل بِشْرُه،
فهو البشيرُ بنيلِ كلِّ مرادِ.
والبِشْرُ في وجهِ اللَّئيمِ تملُّقٌ،
فاحذرْ به استدراجَه بفسادِ.
مراد الشاعر هنا أن الكريم هو مرآة الخير والنذل مرآة الشر، فيستطيع أن يعرف الإنسان ويميز الخير والشر من عيون من حوله من الكرماء واللؤماء.
القصيدة الثانية: رأيتُ الحقَّ يعرفُه الكريمُ
رأيتُ الحقَّ يعرفُه الكريمُ،
لصاحبِه وينكرُه اللَّئيمُ.
إذا كان الفتى حسنًا كريمًا،
فكلُّ فعالِه حسنٌ كريمُ.
إذا ألفيتَه سمجًا لئيمًا،
فكلُّ فعالِه سمجٌ لئيمُ.
يتفق هنا الشاعر مع النص السابق حيث ينوه إلى أن الفعل الحسن والقبيح إنما يأتي من نية صاحبه وليس من ظاهر السلوك، فالفعل الكريم نعرفه من صاحبه الكريم والفعل القبيح نعرفه من صاحبه القبيح.
اقرأ أيضًا: شعر عن الصديق النذل
شعر بدوي عن النذالة وقلة الأصل
1– قصيدة “يا كثر ما رافقت خلان وأحباب”
هي من قصائد الشعر البدوي التي حفظتها الأجيال جيل بعد جيل، وتعبر القصيد عن الروح البدوية التي قلما ما تلتقي بأشخاص يقدرون كرمها رغم كل التضحيات التي قدمتها، فالإنسان البدوي عزيز النفس معطاء لا يبخل ولا يتردد في إكرام غيره.
توضح القصيدة أنه في هذا الزمان نجد أنه من المتعثر أن يجد مردودًا لعطاءه الغير مشروط، ويظهر في الأبيات التالية تألم النفس البدوية حيال الغدر واللؤم خصوصًا عندما تأتي من الأقرباء.
يَا كُثر مَا رَافَقِت خِلّان وأَحبَاب
وَيَا كُثُر مَا في شِدّتي هَمَلُوني
عَلى كُثُر مَا أعِدهم سِتِر وحِجَاب
عَلى كُثُر مَا احتَجِتهم وتَرَكُونِي
مِن صَارَت الخوّة ثَمَن حِفْنة ترَاب
نَفْس الوَجِيه اللي نصُون نِسُوني
مِن غِير ذِكر فروق وعرُوق وأَنْساب
كَانُوا ثَلاثَة والثَلاثَة جَفُوني
عَلّمتهُم وِشْلون الأَهداف تِنْصَاب
ولَمّا سَواعِدهُم قَوَت صَوّبونِي
عَشَانِي أَصْغَرهم عُمُر صَارُوا أَحْزَاب
عَشَاني أَصْدَقهم قَصيد ظَلَمُوني
اللي نَجَاح اسمِي زَرَع فِيهم أَنيَاب
حتّى النَصيحَة مَا بَغُوا ينْصَحُونِي
دَام العَطَايا عِنْدهم دين وأَتْعَاب
والله لَو أطْلُب ذَنْبهم مَا عَطُوني
طَالِب نَصِيحة كِنّي طَالِب
أَرقَاب وهِي نَصيحَة كيف لَو زَوّجونِي.
2- القصيدة البدوية “لا خاب ظن الآدمي في زمانه”
تعبر هذه القصيدة عن الشعور بالوحدة والانفراد بالنفس حيال خطوب الحياة، فلا يشق المرء طريقة في الزمن إلا ويتخبط في مأسي الحياة من غدر وكذب وخيانة، يعرف ذلك كل من صاحب في فترة من فترات عمره نذلًا أو قليل الأصل.
لا خَاب ظَنّ الآدَمِي في زَمَانه
وتِخْلفْ به الهَفَوات فِي بَعْض الأَصْحَاب
وتصير كَلِمَات الوَفَاء في لِسَانه
أَرْخَص مِن الكِذْبَة على لِسَان كَذّاب
لا مِنْ غَدَر به صَاحِب لَه مكانه
وِش عَاد بَاقِي دَام فِي صُحبِتُه خَاب
الله مِن طَعْن الظّهَر والخِيانَة
مِن كُلّ وَقفَات الخَوِي خَاطِري طَاب
كُنتْ أَحْسَبه غَلْطة صَديق وميَانه
وحَاوَلتْ أعدّيها بِلا شَرْح وحِسَاب
لَإنّي تعَوّدت الوَفَاء وللأمَانة
مَا كُنت بلحق صَاحبِي لُوم وعِتَاب
لين مَا شُفت الأَذَى واللعانة
قَرّرِت أوقّف ضِحكة السّن والنّاب
مَا أرْضَى عَلى النّفس الرّدى والإهَانَة
وما والله آذي عِزّتي لأيّة أَسباب.
اقرأ أيضًا: شعر بدوي عن الرجولة
3– لا تعاشر صاحب بسرعة يخون
هذه القصيدة من الشعر العراقي عن معاشرة النذل وقليل الأصل، وتتناول شروط ومعايير اختيار الصديق وصفاته المستحسنة، وهي أيضًا من النصوص التي لا يعرف قائلها ولكنها محفوظة في فكر ووجدان شعب ما بين الرافدين.
لا تعاشر صاحب بسرعة يخون
ولا تخون بصاحبك طول العمر
ولاتراوغ بلحجي ويا الصديق
دوم خلي الصاحبك وسعة صدر
الصداقه اخلاص وايمان وفاء
مو مصالح تنتهي وبيها غدر
اكو صاحب بالشدايد يفتديك
مثل نسمات الهوى يمك يمر
واكو صاحب مو وفي يجذب عليك
طبعه طبع الظبع يحفرلك حفر.
الشعر عن النذالة وقلة الأصل منتشر في مختلف النصوص العربية، ويرجع ذلك إلى العادات الشرقية للمجتمع العربي واحترام القيم والسيرة والسمعة الطيبة، حيث يظل النذل وقليل الأصل موصومًا بين أقرانه لأنه لم يراعي غيره واختار الانتهازية وتحلل من كل الضوابط.